خلفية المشروع ونطاقه

خلال النصف الثاني من القرن العشرين، تعرضت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لموجة ديموغرافية شهدت معدلات نمو سكاني غير مسبوق لفئة الشباب. وقد أثارت هذه الزيادة في نسب الشباب نقاشاً وطنياً ودولياً حول التحديات والفرص التي تفرضها نسب الشباب العالية على المنطقة. وقد أظهرت احتجاجات الربيع العربي الشعبية مدى دور الشباب، إما بوصفهم عامل تغيير إيجابي، أو بوصفهم سبباً في عدم الاستقرار.

وفي ظل هذا الاضطراب، تزداد الحاجة إلى توسيع فهمنا الجماعي لحياة الشباب في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتفحّص العوامل التي تؤثر على تحولهم المعياري نحو النضج. وتركز الأدبيات المتعلقة بالشباب في الشرق الأوسط على ما يتعرضون له من إقصاء اجتماعي وسياسي واقتصادي. وقد كافح الشباب في الشرق الأوسط لتحقيق أهدافهم في الوصول إلى المواطنة والعيش الكريم والمشاركة الاجتماعية والسياسية، بعد أن رزحوا عقوداً تحت الحكم الاستبدادي والاضطراب السياسي.

ونظراً إلى أزمة فرص العمل المستمرة في الشرق الأوسط، حيث تكثر نسب البطالة بين الشباب عموماً، وحيث نشاط سوق العمل منخفض جداً، ولا سيما للشابّات، يبقى من المهم فهم الإقصاء الاقتصادي للشباب والوسائل التي يمكن اتباعها لمعالجة آثارها.

خلال السنوات الأخيرة، أُنجِزت بحوث قدمت تشخيصاً مفصلاً للتحديات الاقتصادية التي تواجه الشباب. فعلى سبيل المثال، قامت شبكة من الدارسين الذين عملوا مع مبادرة شباب الشرق الأوسط، ما بين عامي 2007 و2011، بوضع إطار عمل لفهم النتائج والآثار على الشباب فيما يتصل بالتعليم والعمالة والزواج والعائلة. وقد اعتمد هذا الإطار على أساس وُضِع من نتائج عمليات تحليل كمي لبيانات من كل دولة على حدة.

ومنذ ذلك الحين، عزّز توفر المعلومات من إمكانية القيام بالتحليل الكمي، ما ساعد على تحديد العوائق التي تواجه شباب المنطقة بصورة أفضل. كذلك، أتاحت الاستطلاعات الميدانية، حول قوة العمل وحول التحول من الدراسة إلى العمل في مصر والأردن، تعميق البحث، ما ساهم في تحديد أكثر دقة للأضرار الناجمة عن إقصاء الشباب، وما زاد من قدرتنا على فهم رؤية الشباب للفرص المُتاحة أمامهم، وفهم سلوكهم كفاعلين اقتصاديين. علاوة على ذلك، زادت منظمات دولية، كالبنك الدولي، من تركيز جهودها في التحليل على فهم الآثار على الشباب، ووجهت برامجها التشغيلية بحيث تزيد فيها نسبة مشاركة الشباب.

كما زاد تركيز البحوث العالمية على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بصورة أكثر منهجية، في السنوات الأخيرة. حيث زاد استطلاع القيم العالمية (2010-2014) من نطاق بحثه ليتضمن أربع عشرة دولة من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وشاركت عشر دول من المنطقة في استطلاعات هيئة مراقبة ريادة الأعمال العالمية (GEM) بين عامي 2009 و2013.

ولئن زادت هذه الجهود، وغيرها، من فهمنا الجماعي للتحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجه الشباب، فإن علينا أن نجد الطريقة المثلى للاستفادة من هذا الفهم الكبير في وضع سياسات توفر حلولاً عملية وممارسات ممنهجة. وسواء انصبّ تركيزنا على الدول التي تشهد تحولاً أم الدول التي أثّر فيها الربيع العربي عميقاً من دون أن تشهد احتجاجات سياسية كبيرة، نجد أن التقدم في تنفيذ الإصلاح أو التغيير الضروري في السياسات، محدود جداً. فقد عمدت حكومات الدول الأكثر استقراراً إلى تعزيز جوانب من العقد الاجتماعي التقليدي (زيادة أجور العاملين في القطاع العام، زيادة الإعانات، إلخ)، في محاولة لتهدئة الاضطراب الاجتماعي، في حين عمدت الحكومات في الدول التي تشهد تحولاً سياسياً إلى الأساليب القديمة، سعياً منها إلى إثبات شرعيتها سريعاً، عوض وضع إصلاحات مبتكرة تدفع البلاد قدماً. وفي هذه الأثناء، تأثرت اقتصادات دول المنطقة بالتضخم المتزايد وتراجع احتياطيات التبادل الأجنبي، وتدهور الأوضاع الأمنية. في هذا السياق، يجد شباب المنطقة أنفسهم محاصرين بالتناقضات، فبعد أن عبّرت احتجاجات الربيع العربي غضبهم من هذا الإقصاء، ما زالوا يكافحون لضمان المشاركة الاجتماعية والاقتصادية في مجتمعاتهم.

وقد تسببت بعض التطورات الاقتصادية الكلية والسياسية، في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في المزيد من العوائق أمام شباب المنطقة، ولكن استجابات الشباب إلى هذه القيود قد اختلفت بشكل ملفت. بناء على ذلك، لا بد لنا من البحث بمنظور أوسع، لدى محاولتنا تعزيز فهمنا للشباب، إذ لا بد لهذا المنظور أن يشمل تطلّعات الشباب وإحساسهم بالهوية، بالإضافة إلى السياقات الاقتصادية والسياسية التي تواجههم.

وليست أساليب عيش الشباب وتوجهاتهم الجنسية وثقافاتهم المترابطة ومشاركتهم الإبداعية وشبكات تحركاتهم إلا بعضاً من جوانب إثبات الشباب في الشرق الأوسط لأنفسهم سياسياً وثقافياً. فعلى سبيل المثال، تختلف ثقافة الاتصال لدى هذا الجيل اختلافاً كبيراً عن ثقافة الأجيال السابقة، كما هو الحال في مختلف أنحاء العالم. فقد ترعرع هذا الجيل في عصر بروز تكنولوجيا المعلومات والاتصال. وقد نتجت عن ذلك ثقافة اتصال ذات طبيعة أقل هَرَمية من السابق، فالقائمون بالاتصال اليوم يستهلكون المعلومات وينتجونها في الوقت نفسه. ويشكل استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على نطاق واسع بين الشباب بنية ثقافية جديدة تمكنهم من تصفح لغات وثقافات ومجتمعات متعددة لأغراض اقتصادية واجتماعية وسياسية بالتوازي. وفي الإطار نفسه، يُبيِّن النظر في الاحتجاجات التي عمّت المنطقة مؤخراً أن الشباب ينخرطون في أنماط نضال جديدة تتسم بتراجع حضور الإيديولوجيا والبنية الهرمية. ويشير هذا إلى ثقافة سياسية ترفض الحدود الإيديولوجية القاطعة، وتُعنى بشكل متزايد بالتشاور والتنوع.

ويُرجَّح أن كيفية تعامل الأفراد مع التحديات التي يواجهونها، وكيفية تحرك الشباب جماعياً لمقاومة هذه القيود المفروضة على المنطقة، تتأثر بعوامل متنوعة تتعلق بالاختلافات بين الجنسين، وبين الدول، وبين المجتمعات الحضرية والقبلية، إلى جانب الاختلافات الثقافية والدينية. بناء على ذلك، لا بد للتحليل المستقبلي أن يهدف إلى فهم فئة الشباب والتعقيد الكامن في تفاصيلها.

وفي إطار سعيه لاستكشاف مسببات ونتائج هذه التعقيدات، يطلق مركز الدراسات الدولية والإقليمية مبادرة بحثية متعددة التخصصات بالتعاون مع صلتك. وفيما يصارع الشباب في المنطقة آثار الإقصاء الاجتماعي والاقتصادي، يستكشف هذا المشروع استجابة وتعامل الشباب مع القيود الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المتعددة المفروضة عليهم في المنطقة، بالإضافة إلى إمكانية وضع سياسات لدعم الشباب. وتركز المبادرة البحثية تركيزاً خاصاً على تنوع علاقة الشباب بالسياقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، تتفحص هذه المبادرة البحثية كيفية قيام الشباب في الشرق الأوسط بإعادة بناء وعي جديد وتشكيل وسائل جديدة للتحرك. وبسبب تنوع الموضوعات التي تتناولها هذه المبادرة البحثية، نشجّع على كل من التحليل الكمي والتحليل النوعي، كما نشجع على اتباع مقاربات منهجية متنوعة. وتجدر الإشارة إلى أن هذا المشروع سيسعى إلى إشراك ودعم الدارسين الشباب من المنطقة. 

وفيما يلي بعض مجالات البحث التي يمكن لهذا المشروع أن يتضمنها:

ما هو أثر عدم المساواة الاقتصادية وعدم تكافؤ الفرص على الشباب في انتقالهم إلى النضج؟ ما مدى عمق تجذُّر عدم المساواة في الأعراف الاجتماعية، ولا سيما فيما يتعلق بالشابات؟

تتسم الحياة الاقتصادية للعديد من الشباب في المنطقة بمستويات المشاركة المنخفضة، ومعدلات البطالة العالية، وزيادة عدم تناسب العمل مع المؤهلات وفرص العمل غير الرسمية. كيف يمكن تمكين الشباب بحيث يتجاوزون التهميش والحرمان الاقتصادي، ويحققون ذواتهم؟ ما أثر المؤسسات والإصلاحات على الشباب والفرص الاقتصادية المتاحة لهم؟ فيما يلي بعض الأسئلة التي قد يطرحها البحث:

كيف شكلت المؤسسات التعليمية، وأسس وضع المناهج والتقييم، جودة التعليم، والانتقال من الدراسة إلى العمل؟

ما أثر عمالة القطاع العام على نتائج التعليم والعمالة، ولا سيما في الدول التي اتبعت برامج تغيير مهيكلة؟

ما دور الصفات الصارمة لسوق العمل في صعوبة دخول الشباب إليه؟ ما هي حال العمل المنظم في المنطقة، وما هو الدور الذي يلعبه في الحد من فرص العمل المتاحة للشباب في القطاع الرسمي؟

هل تقدم ريادة الأعمال حلولاً حقيقية لقوة العمل حديثة النشأة في المنطقة؟

في فضاء الصراعات السياسية بعد الربيع العربي، ما حجم الأمل بإشراك مدني بنّاء للشباب، وكيف يمكن لصوت الشباب أن يكون مسموعاً على نطاق أوسع في المجال السياسي؟

في شرق أوسط دائم التطور، ما هي القناعات الاجتماعية القديمة التي ما زال الشباب يحملونها؟ وما القناعات التي تشير إلى قطع الصلات مع الماضي والتي تتطور بدورها؟

ما هي القيم التي يحملها الشباب، وما هو التغيير الذي طرأ عليها، لا سيما فيما يتعلق بالعمل والأهداف المهنية؟

كيف يفسر الشباب الدين ويعبرون عنه ويستوعبونه في السياقين الديني والعلماني؟ كيف يبني الشباب المنتمون إلى الأقليات الدينية هويتهم في شرق أوسط يزداد حضور الإسلام السياسي فيه؟

في سياقات سياسية مختلفة وظروف اقتصادية متنوعة، كيف يعبر الشباب في الشرق الأوسط عن آرائهم؟ كيف يعبرون عن رفضهم؟ أين يقع النشاط السياسي للشباب، وكيف تكتسب الثقافات الفرعية رواجاً لدى الشباب في دول من الشرق الأوسط؟

ما هو وضع الشباب في الشرق الأوسط مقارنة بنظرائهم في العالم؟ ما هي التشابهات من حيث الرغبات والتطلعات؟ وما هي الاختلافات؟ وفي السياق نفسه، ما هي آليات التأقلم التي يمكن تحديدها في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وما هي علاقتها بالآليات نفسها في مناطق أخرى من العالم؟