خلفية المشروع ونطاقه

خلفية المشروع ونطاقه

لقد استمر النمو الاقتصادي السريع على مدى عدة عقود وحتى الآن في دول مجلس التعاون الست نتيجة للعائدات الوفيرة لقطاع النفط والغاز. وبعد أن نجحت دول المجلس إلى حد كبير في تجاوز الأزمة المالية العالمية، ارتقت إلى مرتبة عالية بين أكثر دول العالم ثراءً. وبينما يناقش الاقتصاديون وجود علاقة سببية بين الموارد الطبيعية التي تتمتع بها هذه الدول والنمو الإيجابي، ويقولون في الواقع إن الدول الريعية عرضة للمعاناة من عواقب اقتصادية سلبية، فإن موارد النفط والغاز في دول المجلس قد أدت بلا شك إلى الازدهار والتنمية. ومع ذلك، فإن الاعتماد التام على عائدات الموارد الطبيعية يؤثر سلباً بالتأكيد على البنية الاقتصادية في الدول الست. وما زال مدى صحة أطروحة “لعنة الموارد” موضوعاً للمناقشة العلمية. غير أن توفر المكاسب المالية الكبيرة من المصادر الهيدروكربونية وسهولة الحصول عليها في دول مجلس التعاون يبدو وكأنه يقوِّض حقاً القدرة على التطور السياسي والتقدم العلمي على حد سواء.

لا تزال الاقتصادات في جميع أنحاء المنطقة غير متنوعة بشكل ملموس، ولا يزال قطاع النفط والغاز يهيمن على كل القطاعات الأخرى. فعائدات النفط والغاز تمثل نحو 50 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي و95 بالمئة من الصادرات في الكويت، وأكثر من 50 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي وما يقرب من 85 بالمئة من الصادرات في قطر. وتقدر حصة قطاع البترول بنحو 80 بالمئة من إيرادات الميزانية في المملكة العربية السعودية. لقد جرى نقاش طويل على مدى عقود، حول ضرورة الابتعاد عن مثل هذا الاعتماد على قطاع النفط والغاز، وتطوير اقتصاد أكثر صحة وتوازناً. وحالة البحرين، حيث يسلط تراجُعُ عائدات النفط، وعدم القدرة على الانتقال بنجاح إلى اقتصاد ما بعد النفط، الضوءَ على قلق بلدان المنطقة بشأن استدامة نموذج التنمية الاقتصادية الحالية على المدى الطويل.

وعلى الرغم من التفاخر بأن نصيب الفرد من الدخل ينافس مثيله في أكثر بلدان العالم تقدماً، فإن الخليج لم يواكب التطور السريع للإنجازات التكنولوجية والعلمية التي تجري في أماكن أخرى من العالم. فدول مجلس التعاون تتخلف وراء دول العالم المماثلة لها في الثراء من حيث التقدم التعليمي، وإنتاج المعرفة، ونتائج البحوث. وقد أظهرت مؤشرات القدرات البحثية، مثل مؤشر التنافسية العالمية لعام 2006، عيوباً في القدرة التنافسية لدول المجلس. وتمت الإشارة بوجه خاص إلى تراجع مستوى مؤسسات البحث العلمي، وغياب التعاون بين المؤسسات الصناعية والجامعات، والنقص في أعداد العلماء والمهندسين، وعدم كفاية الإنفاق على البحث والتطوير. ويمكن القول بوجه عام إن دول الخليج تفتقر إلى الابتكار والقدرات البشرية. فمن أجل المضي قدما نحو ما بعد الاقتصاد القائم على الموارد، هناك حاجة إلى تطورات واسعة النطاق في مجالات التعليم والقدرات البشرية والبحث والابتكار وتنمية المشاريع. وفي حين لم يكن استثمار دول الخليج في هذه القطاعات كافياً في السابق، فقد شهد العقد الماضي زيادة الاهتمام بتعزيز هذه القطاعات.

تتحدث دول مجلس التعاون على نحو متزايد عن تطلعها لتطوير الاقتصادات القائمة على المعرفة، استناداً إلى أن على المنطقة أن تنتقل قريباً إلى مرحلة ما بعد النفط، وأن عليها أيضا المشاركة كمساهم أكبر في تحقيق الإنجازات المعرفية العالمية. ويوضح إنشاءُ مدن “التعليم” أو مدن “المعرفة” في مختلف أنحاء المنطقة قيادةَ الدولة للمبادرات الهادفة إلى إنشاء صناعات قائمة على المعرفة في المستقبل. كيف تؤثر هذه الجهود التي تمولها الحكومات على المجتمعات الخليجية، وهل توجَّه بوضوح نحو التطور التكنولوجي والإنجاز الاقتصادي؟ ما الذي يحفز دول المجلس لتطوير الاقتصادات القائمة على المعرفة على خلفية الحاجة الواضحة للتنويع الاقتصادي؟ وهل هناك حاجة لأخذ بعض الأبعاد الاجتماعية والسياسية بالاعتبار؟ ما هي الخصائص السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعتمدها الدول، والتي قد تساعد على تمكين سياسات للابتكار أو على استبعادها؟

هناك حالياً عدد محدود من المنح الدراسية المتاحة حول موضوع الابتكار في منطقة الخليج. وقد أجريت دراسات قليلة لتفحص بعض الجهود المبتكرة التي تبذلها دول مجلس التعاون المختلفة. ولكن الاستكشاف الأكاديمي العميق والمتعدد التخصصات حول هذا الموضوع مازال غائباً. لملء هذه الفجوة، أطلق مركز الدراسات الدولية والإقليمية مبادرة بحثية خلال عدة سنوات بعنوان “الدولة والابتكار في الخليج”، بهدف استكشاف المسائل ذات الصلة بموضوع الابتكار في منطقة الخليج من خلال بحث ميداني وأطروحات بحثية نظرية. 

 

مجالات البحث:

  • نعرض فيما يلي عينة صغيرة من المجالات المحتملة المراد تحليلها من خلال هذه المبادرة البحثية :
  • هل يمكن للمجتمعات غير الديمقراطية أن تحقق نمواً فعالاً في مجال التكنولوجيا وتحفيز الابتكار؟ إذ تشير الدلائل التجريبية إلى وجود علاقة إيجابية بين الديمقراطية وتطوير التكنولوجيا، بافتراض أن الحقوق السياسية هي التي تفضي إلى نمو القطاعات الأكثر تقدماً في الاقتصاد. وفي غياب الحقوق السياسية الحقيقية، هل لاتزال الدولة الخليجية قادرة على تشجيع الابتكار والتكنولوجيا وإنتاج المعرفة ونشرها؟
  • بوجه عام، ما هي أدوار وعواقب وطبيعة سياسات الدولة داخل كل من دول مجلس التعاون على حدة، وفيما بينها بخصوص تعزيز الابتكار في مجال العلوم والتكنولوجيا أو إعاقته حسب كل حالة؟
  • ما هي طبيعة ظاهرة المدن “المتخصصة” وعواقبها في منطقة الخليج؟ هذه المدن يمكن العثور عليها في جميع أنحاء العالم ومن أمثلتها مدينة كيرالا الذكية وساوث يوركشاير في انجلترا. ما هو الفريد والمبتكر في مشاريع المدن المتخصصة في دول مجلس التعاون؟ وماذا يمكن لمبادرات مثل “المدينة التعليمية” في قطر و”مدينة مصدر” في الإمارات العربية المتحدة أن تنبئنا عن هذه الظاهرة، وهل تفيد مثل هذه الجهود في تعزيز البحث وتوليد المعرفة والابتكار؟
  • ما هي النماذج أو الأطر النظرية التي يمكن أن تساعد على تفسير اعتماد سياسات وخيارات وبرامج محددة من قبل دول الخليج المختلفة فيما يخص الابتكار؟
  • ما هي العوامل المحلية والإقليمية والدولية التي تؤدي إلى اعتماد دول مجلس التعاون سياسات وبرامج جديدة فيما يتعلق بالابتكار؟ ما هي الديناميات التي تجعل بعض المحددات الداخلية للابتكار أكثر فعالية من غيرها؟ كيف يؤثر الرأي العام في اعتماد سياسات الابتكار وإنتاج المعرفة والتعليم؟ وكيف تؤثر العوامل الإقليمية في ذلك؟ هل بذلت دول المجلس هذه الجهود من أجل محاكاة الدول المجاورة، أو من أجل تحقيق ميزة نسبية عليها أو تجنب التخلف عنها؟
  • ما هي آثار ظواهر مثل الدين والمصادر الثقافية والأنشطة التقليدية على سياسات الدولة بشأن اعتماد الابتكار ونشره؟ فمقاومة بعض شرائح المجتمع للابتكار قد تنشأ أحياناً من دعوته إلى التساؤل حول الترتيبات التجارية القائمة، أو من تحديه للوسط الاجتماعي والثقافي المحيط.
  • ما هي التحديات الخاصة التي تواجهها دول مجلس التعاون عند بناء قوة عمل ماهرة ومرنة، بينما يعتمد الإقليم اعتماداً كبيراً على قوة العمل الخارجية؟ فالعمالة الوافدة الماهرة تهيمن على قطاعات معينة، والطبيعة العابرة لهذه العمالة الماهرة يعني أن فائدتها محدودة لدول المجلس على المدى الطويل.
  • يعدّ استكشاف أثر إصلاح التعليم المحلي والسياسات الخاصة بذلك، وكذلك مبادرات اللبرلة، الخطوة الأولى باتجاه الابتكار العلمي والتكنولوجي في جميع أنحاء المنطقة. وتشمل مجالات التحليل تأثير العولمة والتدويل، وجعل مساعي التعليم وإنتاج المعرفة في منطقة الخليج عابرة للوطنية.

 كتبت المقال زهرة بابار، مدير البحث المساعد في مركز الدراسات الدولية والإقليمية