نشرة

نشرة

يتضمن هذا التقرير الموجز لمركز الدراسات الدولية والإقليمية ملخصات لأبحاث المبادرة البحثية التي تناولت “مجتمعات المهاجرين العرب في دول مجلس التعاون الخليجي”، ويتناول هذا التقرير الديناميات التي ينطوي عليها ظهور مجتمعات المهاجرين العرب في منطقة الخليج، مع التركيز بشكل خاص على الكيفية التي حدثت بها، ومكوناتها لاجتماعية والشخصية الاقتصادية، والأسباب، والعمليات، والنتائج المترتبة على تفاعلها وتكاملها والبلدان المضيفة. 

وفيما يلي مقتطف من مقدمة كتبتها زهرة بابار.  انقر هنا لقراءة التقرير بالكامل باللغة الإنجليزية.

أصبح تنقل الناس عبر الحدود والهجرة الدولية المتزايدة على مدى العقود القليلة الماضية سمة أساسية وحيوية مميزة للوجود الإنساني.، ورغم أن الهجرة ليست ظاهرة حديثة بأي حال من الأحوال ، إلا أن تجارب الهجرة في الوقت الحاضر تخضع على نحو متزايد لضوابط السياسات الوطنية والدولية، واحتياجات سوق العمل العالمي، وفي وقتنا المعاصر تعد دول مجلس التعاون الخليجي الست (البحرين، الكويت، عمان، قطر، السعودية، الإمارات) ثالث أكبر المراكز الدولية لهجرة العمل.

في السنوات الأخيرة، اجتذبت الهجرة إلى دول مجلس التعاون الخليجي اهتماما صحفيا متزايدا، ونموا في حجم المنح الدراسية الأكاديمية المهتمة بها، ولكن ما مر دون أن يلاحظه أحد تقريبا، هو الجانب الإقليمي والعربي ضمن هذه الظاهرة، وتعود الهجرة إلى دول الخليج من الدول العربية الأخرى إلى قديم الزمن، وأحدث أنماط الهجرة عهدا هي تلك الوافدة من جنوب آسيا وأوروبا الغربية.

ولا تختلف أنماط الهجرة العربية إلى دول مجلس التعاون الخليجي نسبيا ونوعيا عن أنماط الهجرة الأخرى المماثلة فحسب، بل إن الظروف التاريخية التي ارتبطت بها، والعمليات التي تمت من خلالها، والآثار الاقتصادية والاجتماعية، والسياسية كانت جميعها مختلفة.، ويتناول هذا التقرير الديناميات المرتبطة بظهور مجتمعات المهاجرين العرب في منطقة الخليج، مع التركيز بشكل خاص على الكيفية التي تمت بها، وتكوينها الاجتماعي الشامل، والسمات الاقتصادية، والأسباب، والعمليات، والنتائج المترتبة على تفاعلها و تكاملها داخل البلدان المضيفة.

وتظهر في الشرق الأوسط مستويات عالية من عدم المساواة، حيث تعيش البلدان ذات الموارد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المختلفة جنبا إلى جنب، وطوال فترة طويلة من الماضي القريب، كانت علامة التمييز الأساسية التي تميز بين الظروف التنموية بين دول الشرق الأوسط هي توافر الموارد الطبيعية للمصادر النفطية أو عدم توافرها.

وقد كان للفرق في القوة الاقتصادية بين الدول المجاورة لها، تأثير عميق على ديناميات الهجرة البينية. إذ كانت الهجرة في غالبها تتجه من الدول الأقل ثراء في العالم العربي إلى مشيخات الخليج. وقد تيسر هذا النمط من الهجرة نظرا للخصائص الديمغرافية والاحتياجات الاقتصادية للدول مجلس التعاون الخليجي.

ومنذ منتصف القرن الماضي، وبسرعة مذهلة نتيجة للثروة المستمدة من البترول، تحولت دول مجلس التعاون الخليجي الست من أفقر البلدان في المنطقة لتصبح من أغنى العائلات في العالم، وهذا ما يتناقض بوضوح مع الدول العربية غير النفطية، حيث أن التزايد السريع في عدد السكان الشباب، والفرص المحلية المحدودة، والسياسات الجامدة، التنمية الاقتصادية الراكدة وضعت المزيد من الضغط على كاهل القدرة الاستيعابية لأسواق العمل المحلية.

ونتيجة لذلك، ، فقد تطورت هجرة العمالة حتى بلغت حدا بالغا في الدول غير النفطية سواء بالنسبة  للأفراد لأسباب اقتصادية، وصانعي القرار فيما يتصل بتوفير فرص العمل لمواطنيها، فكانت دول مجلس التعاون الخليجي الغنية التي تتخطى مشاريعها الطموحة طاقة القوى العاملة المحلية بمثابة التعادل الإقليمي الطبيعي للعمالة المهاجرة داخل العالم العربي.

وقد شكلت العوامل الاقتصادية والسياسية، الأنماط التاريخية للهجرة إلى الخليج، وأدت إلى التحول من العمالة الوافدة ذات الأغلبية العربية إلى عمالة أخرى أسيوية أو دولية في معظمها.، ورغم أن البيانات الموثوق بها ليست متاحة سهلة، إلا أن الأرقام الحديثة تشير إلى أن هناك نحو 2.4 مليون عامل عربي  وافد في دول مجلس التعاون الخليجي، ويساهم المهاجرون العرب بنحو 33 مليار دولا  سنويا كتحويلات مالية إلى أوطانهم.

على الرغم من التحول في القوى العاملة الوافدة في الخليج،  إلا أن فرص العمل المستمرة المقدمة للمهاجرين العرب في دول مجلس التعاون الخليجي لا تزال ذات أهمية حيوية، وخاصة بعد وقوع الشرق الأوسط مرة أخرى في خضم مستويات عالية من عدم الاستقرار والصراع.  إن  دول الخليج لا تستسيغ لاستضافة اللاجئين من الدول العربية المجاورة، إلا أن رغبة العمال العرب في إيجاد فرص عمل في دول مجلس التعاون الخليجي ربما تكون قد تزايدت نتيجة للعنف والحرب في بلدانهم.

إن الحساسيات التي لدى بعض دول مجلس التعاون الخليجي بشأن الكشف العلني عن معلومات حول الظروف الديموغرافية تعني أن مجرد الحصول على أرقام دقيقة للمهاجرين ذوي الأصل العربي في المنطقة قد يشكل تحديا مستمرا. إن عدم وجود بيانات كافية عن المجتمعات العربية المهاجرة في المنطقة يعني أن الدراسات المتعمقة التي تدرس مختلف جوانب حياة المهاجرين العرب في الخليج تكاد تكون معدومة.

يسد هذا الكتاب بعض الثغرات في الدراسات السابقة من خلال توفير تحليلات تجريبية غنية عن مجتمعات المهاجرين العرب في دول مجلس التعاون الخليجي. اعتمدت فصول هذا الكتاب على استخدام طرق متعددة التخصصات توفر المواد الأصلية حول الديناميات التاريخية والمعاصرة للهجرة العربية إلى الخليج، وتوضح الطرق التي تتفاعل بها الممارسات الاجتماعية والثقافية للمهاجرين العرب مع الدول المضيفة.

من بين أمور أخرى، فإن هناك مساهمات محددة تتيح لنا النظر في العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الخاصة التي شكلت تاريخيا طابع تجربة الهجرة العربية، وأنواع من فرص العمل التي سعى إليها المهاجرون في المنطقة، وظروف عملهم، وتجاربهم الحياتية، وما إذا كنا قادرين على تمييز أي أنماط للتكامل الثقافي الاجتماعي للعرب غير المواطنين.

تساعد هذه المشاركات الواردة في هذا المجلد في وضع افتراضات حول هذه الحالة الاستثنائية لدول الخليج والعالم العربي في إطار دراسة الهجرة العالمية، إلا إن الديناميات الأساسية التي تتسبب في هذه العمليات، والنتائج المترتبة على الهجرة في أماكن أخرى من العالم هي ذاتها التي تحدث في منطقة الخليج.

إن الفوارق الاقتصادية الواسعة، وعدم الاستقرار السياسي المزمن ، والانتماءات اللغوية والثقافية، والحرص والحذر على المكاسب الاقتصادية وفوائد المواطنة تمثل جميعها عوامل شد وجذب وإمكانيات للتكامل في منطقة الخليج كما هو الحال في أي مكان آخر في العالم، ويستمر البحث الحالي في إثراء فهمنا لظاهرة هجرة العمالة إلى دول الخليج، ويخطو بنا الكتاب  نحو هذا الفهم خطوة أخرى مسلطا الضوء على قضية محددة لا تزال محل دراسات موسعة، وهي مسألة مجتمع المهاجرين في المنطقة.