خلفية المشروع ونطاقه

خلفية المشروع ونطاقه

منذ الانتفاضات العربية عام 2011، سعى الباحثون وصناع القرار لتقييم أهمية الاحتجاجات الشعبية فيما يتعلق بالتحول الديمقراطي والاستقرار السياسي والاستراتيجية الجغرافية في العالم العربي، وخصوصا في المغرب العربي. فسواء جلب الربيع العربي تغيير النظام، كما هو الحال في تونس وليبيا، أو استمرارية النظام، كما هو الحال في المغرب وموريتانيا والجزائر، فقد أعادت الاضطراباتُ تشكيلَ المشهد السياسي بشكل كبير، وخلقت فرصاً استثنائية للحراك الاجتماعي.  وقد استغلت الحركات الاجتماعية المتنوعة – الحركات النسوية والعمالية والسلفية والقبلية والأقليات – في جميع أنحاء المغرب تلك الفرص بغية تحقيق مصالحها، وحماية أنصارها، وتهميش منافسيها. لقد برزت في شمال أفريقيا دينامية سياسية جديدة لم تشهدها المنطقة منذ عقود، وذلك سواء في البلدان التي انهارت أنظمتها خلال الربيع العربي، أوتلك التي نجت منه.

في ضوء هذه الديناميكية، يطلق مركز الدراسات الدولية والإقليمية مبادرة بحثية حول “التيارات الاجتماعية في المغرب العربي” من أجل البحث في الاختلافات في الحراك الاجتماعي بين كل من تونس وليبيا والمغرب وموريتانيا والجزائر قبل الربيع العربي وأثناءه وبعده. وسيدرس المشروع أيضا الاهتزازات الاجتماعية والثقافية التي تجلت في المجتمع المغاربي خلال تلك الفترة. وتتألف المبادرة البحثية من سلسلة من الدراسات المعمقة ذات الأساس الميداني التجريبي التي تعتمد في دراستها للحركات والتيارات الاجتماعية في شمال أفريقيا على الدراسات المقارنة، ودراسات الحالة الخاصة بكل بلد على حدة.

كان المشهد السياسي في تونس، أول دولة يطاح بزعيمها خلال الانتفاضات العربية، في حالة تغير مستمر منذ سقوط الرئيس زين العابدين بن علي. فقد جلب الحزب الإسلامي المعتدل الحاكم – حركة النهضة – دور الإسلام السياسي إلى واجهة النقاش السياسي في تونس. وفي صياغة دستور تونس الجديد ومعالجة أزمتها الاقتصادية، أدارت حركة النهضة الحكم من خلال طيف إسلامي- علماني، مما أدخلها في نزاع مع الحركات الاجتماعية – النسوية والنقابية والسلفية. واليوم، بعد أن تمت إزاحة حكومة بن علي الأوتوقراطية، تسعى هذه الفئات الاجتماعية لحماية مصالحها من خلال المطالبة بالاشتراك في العملية السياسية الجديدة والتأثير فيها.

أما في ليبيا، حيث كانت الإطاحة بمعمر القذافي أقل سرعة وأكثر عنفاً مما جرى في تونس، فقد شكّل الحراكُ القبلي الديناميات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للبلاد. فالجماعات القبلية التي هُمشت في ظل حكم القذافي بواسطة السياسات الإقليمية ورعاية الانقسامات، قامت بتنشيط الشبكات القائمة على القرابة بغية تأمين متطلباتها السياسية في نظام ما بعد الثورة. ويلعب شيوخ القبائل دوراً هاماً في السياسة المحلية ويعتبرون من القادة البارزين في عملية بناء الدولة في ليبيا. وبما أن بعض هذه القبائل تتجاوز الحدود الليبية، فإن التضامن القائم على القرابة يلعب دوراً حيوياً في إعادة تشكيل ميزان القوى في كل من السياسات الإقليمية والوطنية.

وبينما لم تتوج الاحتجاجات الجماهيرية للمجموعات الشبابية، حركة 20 فبراير في المغرب وحركة 25 فبراير في موريتانيا، بتغيير النظام، إلا أنها مهدت السبيل من أجل التغيير السياسي والاجتماعي. فرداً على الانتفاضات، وضع الملك محمد السادس دستوراً جديداً ورفع أجور العمال وجعل الأمازيغية (البربرية) لغة رسمية. واعتمد النظام العديد من السياسات التي طالب بها المجتمع المدني والعمال والأقليات العرقية. لقد ظل نشطاء الأمازيغ (البربر) على مدى عقود، في المغرب والجزائر وأجزاء أخرى من المغرب العربي يناضلون من أجل حقوقهم، ولاسيما تلك المتعلقة بالحكم الذاتي الإقليمي واللغوي. ويمثل الاعترافُ باللغة الأمازيغية كلغة رسمية للدولة في الدستور المغربي الجديد، خطوةً على طريق تأمين حقوق هذه المجموعة العرقية المهمشة.

أما في الجزائر فقد تم إلى حد كبير تجاوز الربيع العربي، على الرغم من أن أعمال الشغب والاحتجاجات المتفرقة دامت فيها لسنوات عديدة. كما مر الحراك الاجتماعي لأمازيغ الجزائر (الكبيل) دون تنازلات من الحكومة. وفي الوقت نفسه شهدت حركة اجتماعية أخرى -حركة الحراتين المناهضة للعبودية- في موريتانيا المجاورة تصاعد القمع الحكومي ضدها منذ الانتفاضات العربية. وفي حين تعدّ العبودية محظورة رسمياً في موريتانيا، فإن إنفاذ القانون ضعيف ونضال النشطاء متواصل ضد هذه الممارسة السائدة في الريف الموريتاني.

وفي الوقت الذي يحدث فيه التغيير السياسي في جميع أنحاء المنطقة، يغدو التركيز الأكاديمي على الحراك الاجتماعي الجاري ضرورياً وفي وقته المناسب. فالمغرب العربي، بخصائصه التاريخية والثقافية والاجتماعية- الاقتصادية المشتركة، يعدّ منطقة متماسكة كموضوع للدراسة يتيح فهماً أكبر سواء للتطورات الداخلية في كل بلد أو من منظور مقارن. علاوة على ذلك، في حين يقارن العديدُ من الكتب والمقالات بين بلدان المغرب العربي المختلفة، فإن هناك ندرة في المنح الدراسية حول موريتانيا ومدى ارتباطها بالجزائر وتونس وليبيا والمغرب.

هذه بعض مجالات البحث الأخرى:

  • في الوقت الذي تخضع فيه دول مثل تونس للتغيير السياسي، يُترك التفاوض على حقوق المرأة وإدماجها في المجتمع لمجموعة متنوعة من منظمات المجتمع المدني والفاعلين الاجتماعيين. والنساء الإسلاميات، اللواتي كنّ مهمشات خلال حكم زين العابدين بن علي، يشكلن ما يقرب من 50 بالمئة من كتلة حركة النهضة بمجموعها. ما هو دور هؤلاء النساء في تشكيل موقف تونس السياسي والاجتماعي تجاه المرأة؟ وكيف تتعاملن مع الجهات الفاعلة الأخرى لحشد الدعم لحقوق المرأة؟
  • كيف تم حشد الأقليات العرقية والدينية الأخرى مثل اليهود المغاربة والصوفية، وكيف تأثرت بالتحولات الاجتماعية والسياسية في المنطقة؟
  • كيف حُشدت الحركات العمالية قبل الانتفاضات العربية وبعدها، ولماذا؟ ما هي المطالب الرئيسية التي طرحتها تلك الحركات والمتعلقة بالأزمة الاقتصادية والسياسات الحكومية في البلدان المذكورة؟ وكيف سعت الأنظمة لتهدئة النقابات العمالية؟
  • كيف تترجَم الحركات الاجتماعية المحلية إلى تحولات إقليمية؟ وما هي الروابط بين الحركات الاجتماعية في شمال أفريقيا؟
  • ما هي الظروف التي تُمكِّن الأنظمةَ الاستبدادية من تحييد الحركات الاجتماعية؟ وإلى أي حد كانت الحركات الاجتماعية المختلفة ملتزمة ومواتية لعملية التحول الديمقراطي في المغرب العربي الكبير؟
  • كيف تؤثر التطورات الإقليمية على حركة البوليساريو ومهمتها في الحصول على الحكم الذاتي للصحراء الغربية؟ وهل خلق الربيع العربي فرصاً لحشد الحركات الاجتماعية التي تسعى لضمان تقرير مصير الصحراء الغربية؟
  • بوقوعها على مفترق طرق جغرافي بين أوروبا وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، تعدّ دول المغرب العربي الخمس قابلة للاختراق من قبل التدفقات الإقليمية للمعرفة والأشخاص والبضائع من الشمال والجنوب. كيف تسهم الجهات الفاعلة من الخارج في الحراك الاجتماعي الذي تشهده المنطقة المغاربية؟
  • يؤثر مختلف تيارات الإنتاج الفني والاجتماعي والثقافي أيضاً في تشكيل المجتمع وإيقاعه. ما هي بعض الاتجاهات الحديثة في مجال الفنون والموسيقى والأدب في المغرب العربي؟
  • لا تزال نسبة كبيرة من الشباب في المنطقة تعاني من مشكلات اجتماعية- اقتصادية. كيف يتعامل الشباب مع قضايا البطالة؟ ما هي القضايا الأخرى التي تثير قلق الشباب؟ كيف تنظم المجموعات الشبابية المختلفة في بلدان المغرب العربي نفسها وتحشد قواها لمعالجة القضايا التي تهمها؟

 كتب المقال دعاء عثمان، محللة البحوث في مركز الدراسات الدولية والإقليمية