ليبيا والمجتمع الدولي: السير قدماً
بدأ مركز الدراسات الدولية والإقليمية سلسلة محاضرات عام 2011 – 2012 بحلقة نقاش حول “ليبيا والمجتمع الدولي: السير قدماً” التي قدمت من قبل سلمان شيخ، مدير مركز بروكينغز الدوحة، بتاريخ 13 سبتمبر 2011. حدد شيخ خلال المحاضرة بعض أهم النقاط التي تميز الانتفاضة الليبية عن غيرها من الانتفاضات التي انطلقت في المنطقة، والدروس المستفادة من نجاح حركة التمرد في الحصول على دعم دولي. يعلق شيخ على الموضوع قائلاً: “يتجلى أحد أهم الدروس التي يجب تعلمها – وهو مختلف عما حدث في العراق – بأهمية التحرك مع الشرعية الدولية. وهذا ما أؤكد عليه في قرارات الأمم المتحدة – وهو الأمر الذي لم نعمل عليه كما يجب في حالة العراق”.
انطلقت الثورة الليبية في فبراير 2011، إثر الانتفاضات الأخرى التي انطلقت في العالم العربي. يقول شيخ “لعبت تونس ومصر بشكل خاص، دور المحفز لما رأيناه من شجاعة منقطعة النظير أبداها الليبيون عندما تمكنوا من الإطاحة بحكم معمر القذافي الاستبدادي الذي استمر لمدة 41 عاماً”. ما يميز هذه الثورة عن غيرها من ثورات الدول المجاورة أنها تمتعت بتأييد المجتمع الدولي من خلال قرار الأمم المتحدة رقم 1970، الذي أحال القذافي إلى المحكمة الجنائية الدولية، والقرار 1973 الذي فرض “منطقة حظر جوي” فوق المجال الجوي الليبي. يذكر أن الولايات المتحدة قد لعبت دوراً فاعلاً في إنشاء منطقة الحظر الجوي، وأوضح شيخ أن حكومة الولايات المتحدة قد نجحت في الحفاظ على مسافة معينة بينها وبين جميع الجهات المشاركة في القتال حتى لا ينظر إليها كداعم لحرب أخرى في العالم العربي.
أشار شيخ إلى أن دول مجلس التعاون وجامعة الدول العربية قد مهدوا الطريق أمام دول أخرى للانضمام إلى التحالف ضد القذافي ودعم المعارضة. أبدت كل من روسيا والصين تردداً في دعم إسقاط النظام، ودعت دول مجلس التعاون وجامعة الدول العربية المجتمع الدولي لدعم الثوار ومعارضة القذافي. كما لعبت جهات أخرى من أصحاب المصلحة المباشرة دوراً هاماً في التغيرات الجارية حالياً في ليبيا بمن فيها منظمة حلف شمال الأطلسي ومنظمة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي. مع ذلك، فقد أشار شيخ إلى أن الدول والحكومات لم تكن الوحيدة التي دعمت الإطاحة بالقذافي ومنح الشرعية لحركة التمرد، فقد أظهر غالبية المدنيين في المنطقة دعمهم أيضاً. الأهم من ذلك بحسب شيخ، “أننا لم نشهد عبر وسائل الإعلام أو على الأرض أي احتجاج ذي أهمية في العالم العربي ضد التدخل العسكري في ليبيا. الأمر الذي يعتبر مختلفاً جداً عما رأيناه في الحالة العراقية”.
اختتم شيخ محاضرته بسرد بعض الأفكار حول ما يجب القيام به لضمان انتقال سلس للقيادة في ليبيا، ووصف الأدوار التي يجب لعبها والإجراءات التي يتعين اتخاذها في المستقبل القريب. يقول شيخ: “أشك في وجود رغبة حقيقية لدى الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي للتواجد العسكري على الأرض”. وتابع قائلاً إن الليبيين سوف يحتاجون المساعدة في مجالات أخرى، كالمساعدة التقنية في مجالات الشرطة وتسريح المقاتلين. كما سيحتاجون الدعم في وضع الدستور والإصلاح الانتخابي فضلاً عن ضمان رفاه الشعب الاجتماعي والاقتصادي.
أما المجال الذي يحتاج إلى الكثير من الاهتمام خلال الفترة الانتقالية فهو موضوع المصالحة. يقول شيخ: “تجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من أن ليبيا هي مجتمع متجانس إلى حد ما من حيث البنية العرقية والطائفية، إلا أنها مجتمع قبلي بطبيعة الحال”. لذا لا بد من تحقيق الشمولية والتمثيل في صنع القرار عندما يتعلق الأمر بأي تغييرات على المستوى الحكومي. وقال: “لن يكون الحل بوضع جدول زمني لانتخابات سريعة أو السرعة في وضع الدستور. هذا يتطلب عملية حوار وطني ومصالحة وطنية على نطاق واسع”.
سلمان شيخ هو مدير مركز بروكنجز الدوحة، وزميل مركز سابان لسياسات الشرق الأوسط في العاصمة واشنطن. شغل شيخ عدة وظائف هامة في المنظومة الدولية والشرق الأوسط. وبالتحديد، كان قد عمل مع الأمم المتحدة لقرابة عقد من الزمن في شؤون سياسة الشرق الأوسط، بوصفه المساعد الخاص لمنسق الأمم المتحدة الخاص بعملية السلام في الشرق الأوسط والمستشار السياسي للممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة في لبنان خلال حرب 2006. كما شغل منصب مدير البحوث والسياسية في مكتب سمو الشيخة موزة بنت ناصر المسند حرم أمير دولة قطر.
المقال بقلم: سوزي ميرغاني، مدير ومحرر المطبوعات في مركز الدراسات الدولية والإقليمية.