جيمس ريردن أندرسن في محاضرة عن مياه الأمطار والحرب الأهلية الأمريكية
ألقى جيمس ريردن أندرسن، عميد كلية الشؤون الدولية في جامعة جورجتاون في قطر، محاضرة ضمن سلسلة الحوارات الشهرية التي ينظمها مركز الدراسات الدولية والإقليمية عن العلاقة بين “الأمطار والحرب الأهلية الأمريكية”. أوضح العميد ريردن أندرسن للمدعوين أن المحاضرة كانت مستوحاة من صف كان يعلم فيه مادة عن “خارطة العالم الحديث”، حيث تعد هذه المادة شرطاً لتخرج الطلاب.
بدأ العميد ريردن اندرسن محاضرته بالإشارة إلى أن هناك طريقة واحدة لفهم السلوك البشري، تتمثل بدراسة القوى الأساسية الطبيعية – الصفائح التكتونية للأرض وفيزياء الغلاف الجوي – التي تشكل المنصة التي كتب فيها التاريخ وما يزال يكتب. تعد هذه المحاضرة، التي تركز على جغرافية أمريكا الشمالية والآثار المترتبة على اندلاع الحرب الأهلية الأمريكية، دراسة حالة لهذه الظاهرة.
أسفرت القوى التكتونية عن نشوء قارة أمريكا الشمالية مع سلاسل الجبال العالية في الغرب وسهل منبسط واسع في الوسط، واستقرار وسط هذه القارة، وهو ما يعتبر موطن الولايات المتحدة، التي تمتد بين درجتي عرض 30 و 50 شمالاً. وتنتج القوى الجوية ظروفاً بالغة الجفاف عند درجة 30 شمالاً، وعند موضع في جنوب غرب أمريكا، بالإضافة إلى انتشار رياح غربية في باقي أنحاء البلاد، تتسبب بهطول أمطار غزيرة على الجبال الغربية، وظروف مناخية جافة في السهول الوسطى، وأخرى رطبة في الشرق.
أدى هذا المزيج من الظروف الجوية والطبيعة الجغرافية جنوب شرق الولايات المتحدة لأن تكون الأرض صالحة للزراعة ما يساعد على زراعة المحاصيل النقدية، لاسيما التبغ وقصب السكر والقطن. ونظراً لثراء التربة ووفرة المحصول، تم استخدام هذه الأراضي للزراعة على نطاق واسع، فظهرت الحاجة لدى مئات الناس للحفاظ على سير العملية الزراعية. تطلب هذا العمل اليدوي إحضار العبيد من أفريقيا وأماكن أخرى إلى الأمريكيتين ليكدحوا في الحقول وينتجوا المحاصيل. في المقابل، لم تكن المناطق الشمالية بحاجة لمثل هذه الواردات الكبيرة من العمال العبيد، كما أن الطقس المعتدل أدى إلى أن تأخذ الزراعة شكل إنتاج المحاصيل الغذائية على نطاق ضيق. نظراً لتقدم التحضر والصناعة في شمال شرق البلاد، أنشئت الأعمال التجارية على نطاق واسع من قبل المهاجرين الأوروبيين وأسرهم. كان الحفاظ على العبيد في هذه المناطق خلال فصل الشتاء الطويل مكلفاً أكثر من كونه مشروعاً ذا جدوى من حيث التكلفة.
مع المزيد من انتقال الناس غرباً عبر أمريكا الشمالية، زادت المقاطعات التي تقدمت بطلبات للانضمام إلى الولايات المتحدة باعتبارها ولايات جديدة، حيث تحولت من 13 ولاية عام 1789 إلى 34 ولاية عام 1861. وحتى عام 1850، قسمت هذه الولايات بين تلك الموجودة في الجنوب وتلك الموجودة في الشمال، وإلى ولايات حافظت على العبودية كمشروع اقتصادي هام، وأخرى دون حاجة تذكر للعبودية للحفاظ على اقتصاداتها.
في أوخر خمسينيات القرن التاسع عشر، استنفذت ولايات الجنوب، التي اعتمد اقتصادها على زراعة وتصدير القطن، المناطق الجغرافية التي دعمت مزارع القطن، ولم يكن بالإمكان التوسع خارج حدودها. في الوقت الذي استمر فيه الشمال بالتوسع غرباً وازداد عدد الولايات “الحرة”، وجد الجنوب نفسه في موقف متضرر على نحو متزايد. ما أدى في نهاية المطاف لمحاولة الجنوب الانفصال عن الاتحاد، وما تبع ذلك من حرب أهلية.
في الختام خلص العميد ريردن أندرسن إلى أن معدلات هطول الأمطار والعوامل المناخية المماثلة الأخرى قد لعبت دوراً هاماً في دفع عجلة الحرب الأهلية الأمريكية.
المقال بقلم: سوزي ميرغاني، مدير ومحرر المطبوعات في مركز الدراسات الدولية والإقليمية.