الشباب في الشرق الأوسط، فريق العمل الأول
أطلق مركز الدراسات الدولية والإقليمية، بالتعاون مع منظمة المبادرة الاجتماعية الموجهة للشباب، صلتك، المبادرة البحثية “الشباب في الشرق الأوسط“، وهي عبارة عن اجتماع لفريق عمل عقد لمدة يومين بتاريخ 20 و 21 نوفمبر 2014. وقد تمت استضافة الفريق من قبل مركز الدراسات العربية المعاصرة في مبنى جامعة جورجتاون بواشنطن العاصمة، حيث التقى مشاركون وخبراء في هذا الحقل من بلدان متعددة من العالم ومن خلفيات تخصصية متنوعة.
وكنوع من الحذر التمهيدي للمبادرة البحثية الجارية، ناقش المشاركون الحاجة إلى تعريف أوسع للعوامل الخاصة التي تشكل “الشباب” كمجموعة فرعية متميزة من المجتمع. وعلى الرغم من اتفاقهم على أن السن والنضج يشكلان مدخلاً مشتركاً في تحديد خصائص الشباب، كان هناك توافق أقل في الآراء الخاصة بالنطاق العمري الذي ينبغي أن يحدِّد فئة الشباب كوحدة للتحليل. وفي معالجة أوسع نطاقاً، ناقش المجتمعون كيف أن “الشباب” كمرحلة تكوينية للحياة السابقة على سن الرشد يمكن أن تختلف اختلافاً كبيراً تبعاً للسياقات الثقافية المختلفة. ففي بعض الحالات، وخصوصاً بالنسبة لذوي الدخل المنخفض أو لمن لا دخل لهم أو بالنسبة للذين يقطنون في مناطق النزاع، يكون الشباب في كثير من الأحيان ملزمين قبل الأوان بلعب أدوار الكبار ومسؤولياتهم من حيث الزواج والعمل، أو ترؤس الأسرة، مضيقين بذلك من مرحلة “الشباب” كما يمارسها زملاؤهم في أجزاء أخرى من العالم أو في سياقات ثقافية أخرى. وبدلاً من قياس الشباب وفقا للفئات العمرية، أكد المشاركون أن مفهوم الشباب يمكن اعتباره كشبكة من العلاقات الاجتماعية المرنة وغير المحددة. وأبرز المشاركون حقيقةَ عدم إمكانية تحليل الشباب كفئة واحدة متجانسة، بل ينبغي أن ينظر إليها على أنها تحمل العديد من الاختلافات.
ومع أن موضوع الشباب في الشرق الأوسط نوقش من منظورات نظرية وعملية مختلفة، فقد ظهرت بعض المسائل المركزية الرئيسية خلال الاجتماع على مدى يومين، بما في ذلك حقيقة أن شباب الشرق الأوسط غالباً ما يواجهون ظروفاً سياسية واقتصادية صعبة، وإن يكن بدرجات متفاوتة. فالشباب المواطنون المحليون في دول مجلس التعاون لا يشاركون بالضرورة نفس الصعوبات الاقتصادية التي يواجهها الشباب المهاجرون من جنوب آسيا إلى دول المجلس، لكنهم يشاركونهم أشكالاً مماثلة من الاستبعاد السياسي يعاني منها نظراؤهم في مناطق أخرى من العالم العربي. فعدم وجود الفرص، وارتفاع معدلات البطالة، والتهميش السياسي والاقتصادي غالباً ما يظهر على نطاق أوسع وأكثر كثافة في الدول العربية.
وبما أن العديد من بلدان الشرق الأوسط تشهد “تضخّماً” ديموغرافياً للفئات الشابة، فإن أعداداً غير مسبوقة من الشباب تتنافس للحصول على ما يتوفر من الموارد والفرص القليلة. وقد تمت مناقشة القضايا الهيكلية الاقتصادية الأوسع بالعلاقة مع استدامة نموذج التنمية العربي وإخفاقاته. فالعديد من بلدان الشرق الأوسط تعتمد على الاقتصادات الريعية التي تفاقم الأشكال القائمة من الجمود السياسي. وقد سلطت الانتفاضات العربية الضوء بوضوح على الأخطاء المتصلة بالحكم الاستبدادي، لكنها لم تؤد بالضرورة إلى تغييرات هيكلية كبيرة، تاركة الشباب أكثر وعياً بالمشاكل التي تعاني منها بلدانهم وبالتالي أكثر إحباطاً من أي وقت مضى.
لقد أُقصي كثيرون في بلدان الشرق الأوسط عن الأنشطة المعيارية الاقتصادية والسياسية للمجتمع، حيث الالتزام بالعقد الاجتماعي محدود جداً، إن وجد مثل هذا الالتزام أصلاً. ومع ذلك، أكد المشاركون أن الإقصاء أمر نسبي، وأن لكل مجتمع تعاريفه الخاصة للإدماج والإقصاء. ففي الأحياء الفقيرة التي تعاني من تردي البنية التحتية والنقص الشديد في الفرص، تخلق مجموعاتُ الشباب في الشرق الأوسط بنشاط أشكالَها الخاصة من الشبكات الاجتماعية المتميزة التي تعدّ، من نواح كثيرة، أكثر إحكاماً من تلك التي في المناطق الأكثر ثراء. وهكذا فإن جمعيات الشباب غير الرسمية والأشكال الهامشية من المشاركة تعني أن الشباب ليسوا بالضرورة مستبعدين اجتماعياً من محيطهم المباشر، بل هم، على الأرجح، مستبعدون اقتصادياً وسياسياً بصورة أكثر “رسمية” في المجتمع. الأهم من ذلك أن مثل هذه الأبعاد الطبقية تلعب دوراً هاماً في كيفية ممارسة الشباب حياتهم اليومية وتطلعاتهم نحو المستقبل، وأن كثيراً من الشباب ينخرطون ويشاركون بنشاط، سواء بوسائل رسمية أوغير رسمية.
لقد أدت عرقلةُ رأسماليةِ المحسوبية، والممارساتُ السياسية غير العادلة حصولَ الشباب على امتيازات في السوق الرسمي، سواء في القطاع العام أو الخاص، إلى زيادة الممارسات غير الرسمية بين العديد من الشباب العربي. واستفاد القادة المستبدون من ذلك النشاط غير الرسمي، حتى مع فرضهم قيوداً على الأسواق المحلية. وقد أدى هذا المزيج المتفجر من سياسات الليبرالية الجديدة والسلطوية في الوقت نفسه إلى خلق بيئة غير تنافسية في السوق، حيث يضيق المجال على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة لإثبات وجودها. هذا ما رأى فيه المشاركون السب ب في أننا لا نرى سوى عدد قليل جداً من الشركات المبتدئة أوالمساعي الهادفة لإقامة بعض المشاريع، حيث أن البيئة الحالية لم تفعل سوى القليل لتشجيع الأفكار الإبداعية في مجال الأعمال، وتطوير المهارات، وتعبئة رأس المال البشري. ولم يستفد من الإصلاحات النيوليبرالية سوى نخبة صغيرة من الناس، لم تفعل شيئاً يذكر لتحسين حياة الأغلبية.
وبما أن عمليات القطاع غير الرسمي تقع غالباً خارج حدود الاقتصاد الرسمي، وهي في معظمها غير قانونية أو خارج نطاق القانون، فقد كان هناك القليل من الأبحاث التي أجريت حول خصائص تلك المغامرات، بما في ذلك البعد الجندري (الجنساني) وكيف تحصل المرأة على دخل في مثل هذه البيئات. فالجزء الأكبرمن الكتابات الأكاديمية والشعبية كان يميل للبحث في قضايا الشباب من وجهة نظر الشباب الذكور، مع التركيز على أوضاعهم المتعلقة بالرفاهية والتعليم والعمل، بينما لا يوجه سوى اهتمام محدود للشابات والتحديات التي يواجهنها.
لقد تم شغل الفراغ الذي تركته بنى الدولة الفاشلة، من قبل الحركات الإسلامية في كثير من دول الشرق الاوسط بشكل مطرد. وصارت هذه المؤسسات، ذات القاعدة الشعبية في الغالب، تتداخل أكثر فأكثر مع حياة الشباب اليومية وتؤثر على سلوكهم تأثيراً قوياً من خلال شبكاتها الاجتماعية والدينية الخاصة. وقد أوضح المشاركون أن توجيه الشباب نحو القنوات الرسمية للنشاط الاقتصادي يحتاج إلى بذل مزيد من الجهد من قبل الحكومة، وكذلك من قبل رجال الأعمال وشركات القطاع الخاص، للاستثمار في خلق فرص العمل والتدريب المهني، ولاسيما لذوي المستويات المنخفضة من التعليم. إلى ذلك نصح المشاركون بالعمل على إيجاد توازن دقيق بين تثمين العمل اليدوي وتشجيع التربية والتعليم.
إن نموذج التعليم الفاشل في كثير من الدول العربية هو عرَض من أعراض نموذج اقتصاد الدولة الفاشل، وغالباً ما يشكل معه دائرة مفرغة. وقد ناقش المشاركون وسائل إصلاح التعليم، وكيف أن وعود الدولة العربية بالتوظيف كمكافأة للتعليم، غالباً ما تؤدي إلى مزيد من الإحباط عندما يواجه الشباب المتعلمون مجموعة متنوعة من الحواجز التي تمنعهم من دخول سوق العمل. هناك عدد قليل من التحولات الفاعلة من المدرسة إلى العمل، ونقص حاد في المهارات والكفاءات السلوكية الملائمة للتنمية. ومما زاد من تفاقم هذه المشكلات أزمةُ العلوم الاجتماعية في النظام التعليمي العربي الذي يكافئ المسارات الوظيفية الفنية والتكنوقراطية، ولا يشجع إلا في أضيق الحدود المهن البديلة في العلوم الإنسانية والفنون والسبل الثقافية. فهذه التخصصات بعيدة كل البعد عن جعلها ذات طابع مؤسسي على مستوى المدرسة، وحتى أقل من ذلك في سوق العمل، مما يجعل العلوم الإنسانية غير جذابة ومتعلقة غالباً بنوع الجنس على حد سواء.
ومن القضايا الأخرى التي جرت مناقشتها قضيةُ اللاجئين العرب والهجرة القسرية، وسياساتُ التوطين في دول مجلس التعاون، وأصواتُ الشباب في الأماكن العامة وعلى الإنترنت من خلال مجموعة متنوعة من تقنيات المعلومات والاتصالات وقنوات الإعلام الاجتماعية. وفي ختام المناقشات، شجع المشاركون إجراء مزيد من البحوث في المسائل النظرية الأوسع التي تعالج مستقبل الإسلام السياسي ونجاح أو فشل جهود التحول الديمقراطي. كما أصدروا سلسلة من التوصيات المتعلقة بالسياسات التي يمكن تنفيذها في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وسبل تعزيز المرونة بدلاً من العنف من خلال مجموعة متنوعة من الطرق، بما في ذلك الأنشطة الثقافية والتعليمية، فضلاً عن وسائل مقترحة لإزالة حواجز الدخول إلى السوق من خلال تشجيع فرص الأعمال ذات القواعد الشعبية.
كتبت المقال سوزي ميرغني، مدير ومحرر المطبوعات في مركز الدراسات الدولية والإقليمية