مفارقة الطاقة المتجددة في قطر

مفارقة الطاقة المتجددة في قطر

ألقى عمران الكواري، الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة جرين جلف محاضرة في مركز الدراسات الدولية والإقليمية، تركزت حول “مفارقة الطاقة المتجددة في قطر” وذلك بتاريخ 12 فبراير 2014. تمحور الحديث حول دوافع الاستثمار في مجال الطاقة المتجددة في المجتمع القطري، وعن التحولات الجذرية بهذا الخصوص خلال الأعوام الأخيرة. وقال الكواري إنه ينظر إلى الخليج كسوق واحدة، لكن من المهم أن نشير إلى الاختلافات بين دول المنطقة. وأضاف: “تعد قطر بلداً فريداً للغاية في منطقة الخليج”، “فهو البلد الوحيد في العالم الذي يمكن القول أن لديها ما يكفي من الغاز والطاقة لتلبية احتياجاتها وحاجة التصدير في المستقبل المنظور. مضيفاً “أن قطر تحتل مكانة واعدة بسبب احتياطياتها الكبيرة من الغاز الطبيعي، ما وفر خيار الإفادة من الطاقة على نحو متزايد ولصالح الجيل الجديد.

سرد الكواري لمحة تاريخية موجزة عن جهود الإفادة من النفط والغاز في منطقة الخليج. فقد تم اكتشاف أكبر احتياطي للغاز في العالم في حقل الشمال بين قطر وإيران قبل حوالي ثلاثين عاماً. وفي ذلك الوقت، قوبل هذا الاكتشاف بخيبة أمل حيث لم يكن للغاز الطبيعي قيمة تذكر، وكان ينظر إليه على أنه أقل شأناً من النفط وغيره من الهيدروكربونات التي كانت تتحكم بالاقتصاد العالمي. وبالرغم من ذلك، مع مرور السنين وتقدم التكنولوجيا، وبعد أن أصبحت القضايا البيئية أكثر ارتباطاً بالوقود، “أصبح الغاز الوقود المفضل لإنتاج الطاقة” كما يقول الكواري.

ويضيف قائلاً: “تعد قطر حالياً الدولة الوحيدة بين دول مجلس التعاون التي يمكنها أن توفر كامل طاقتها – 100٪ – من الغاز”، ما يعني أنه يمكنها الإفادة من احتياطياتها النفطية بشكل كامل لأغراض التصدير وتوليد الدخل. في حين تعتمد دول أخرى في المنطقة مثل المملكة العربية السعودية، والكويت، وسلطنة عمان على النفط لتوليد إمدادات الطاقة لدفع اقتصاداتها الوطنية وكذلك الدولية، لذا وجب تقسيم احتياطيات النفط بين الاحتياجات الوطنية والمتطلبات الدولية. وأوضح الكواري أن هذا النموذج غير قابل للاستمرار في لأن هذه الدول تحرق النفط الخاص بها، الأمر الذي يؤدي إلى فقدان عائدات التصدير، واستنزاف الموارد بشكل سريع، فضلاً عن زيادة التلوث. لذلك يرى الكواري أن: “الطاقة المتجددة قد أصبحت ضرورة”. وفي منطقة الخليج تنبع هذه الضرورة من منظور اقتصادي بحت، بصرف النظر عن المزايا الأيديولوجية والبيئية الإيجابية التي تقدمها الطاقة المتجددة. وبما أن احتياطيات النفط والغاز سوف تنضب تدريجياً، وسوف تستغرق الطاقة النووية وقتاً طويلاً ليبدأ العمل بها، إن كان ثمة نية لفعل ذلك، فإن الطاقة المتجددة هي البديل الوحيد القابل للتطبيق في الكثير من دول المنطقة، ودول العالم أيضاً.

ويقول الكواري: “تشبه الطاقة الشمسية في المنطقة فاكهة متدلية سهلة المنال”، وذلك لتوفر أشعة الشمس بغزارة، حيث تتعرض المنطقة لأشعة الشمس بمعدل عشر ساعات يومياً مقارنة بخمس ساعات فقط في أجزاء أخرى من العالم . وأوضح الكواري أن “الطاقة الشمسية تناسب احتياجاتنا … وهي حل ملائم لمنطقتنا، ولدولة قطر على وجه الخصوص، ومن السهل تطبيقها” لأنها مورد يمكن استخدامه لتوليد الطاقة الفورية ولا تحتاج لعمليات تخزين. أما المفارقة فتكمن في التساؤل الذي طرحه الكواري: ما الذي منع دول المنطقة من محاولة الإفادة الكاملة من هذه الموارد الطبيعية الوفيرة؟، ولماذا لم يتم إنشاء العديد من مشاريع البنية التحتية التي تستهدف تسخير الطاقة الشمسية على الرغم من توفرها بغزارة في المنطقة؟ وأوضح الكواري أن هذه المفارقة تعود لسببين، يرتبط الأول بمسألة التكاليف، والثاني بقلة الطلب. وعلى الرغم من أن هذه الأسباب المانعة كانت منطقية في الماضي، إلا أن الظروف قد تغيرت الآن. فنظراً للتقدم التكنولوجي في مجال الطاقات المتجددة، انخفضت التكاليف عما كانت عليه، بالتزامن مع زيادة الطلب بسبب ازدياد عدد السكان في جميع بلدان المنطقة فضلاً عن تنامي الصناعة والإنتاج.

ونظراً للمكانة الفريدة التي تتبوؤها قطر من حيث امتلاكها للطاقة الزائدة، سوف يكون لدى صناع القرار متسع من الوقت لإنشاء هذه المشاريع عبر تأسيسها بطريقة مدروسة وفاعلة من شأنها أن تحقق فوائد جمة في المستقبل. وأشار الكواري إلى أن التركيز على إقامة هذه المبادرات يتم من الألف إلى الياء، كما أنها أسست في جميع أنحاء البلد بشكل متزامن ومتآزر ما يزيد من تماسكها وفاعليتها وذلك لأن “اهتمام قطر ينصب على أن تصبح أكثر تنوعاً اقتصادياً على المدى الطويل”. تشارك شركة جرين جلف حالياً بالعديد من المشاريع وتعمل على تشجيع استخدام الطاقة الشمسية كمصدر نظيف وذي كفاءة عالية للطاقة، ما سيؤدي في نهاية المطاف إلى رفع مستوى الوعي والتعليم حيال فوائد التكنولوجيا النظيفة.

عمران الكواري هو الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة جرين جلف، المتخصصة باستشارات التكنولوجيا النظيفة والطاقة المتجددة، مع التركيز على تطوير وإدارة الطاقة المتجددة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وآسيا. الكواري متخصص في مجال الطاقة مع خبرة تزيد عن عشر سنوات في هذا القطاع. وبعد انضمامه لشركة قطر للغاز في عام 1999، عمل الكواري في عدة مشاريع مشتركة، الشركات التابعة لقطر للبترول، وشركة إكسون موبيل في الدوحة والمملكة المتحدة. وتقلد منصب المدير العام ومدير شركة ساوث هوك للغاز في لندن حتى أغسطس من عام 2009، أول مشروع رائد لقطر للبترول لتجارة الغاز الطبيعي المسال في الخارج وأكبر مستورد للغاز الطبيعي المسال في المملكة المتحدة. يحمل الكواري درجة البكالوريوس في إدارة الأعمال من جامعة جورج واشنطن، وماجستير في إدارة الأعمال من جامعة مدينة لندن. وقد تركزت أبحاثه حول “الطاقة المتجددة في قطر” في عام 2010.

المقال بقلم: سوزي ميرغاني، مدير ومحرر المطبوعات في مركز الدراسات الدولية والإقليمية.