مارك فرحة يحاضر عن لبنان كمرآة للسياسة العربية

مارك فرحة يحاضر عن لبنان كمرآة للسياسة العربية

تلبية لدعوة مركز الدراسات الدولية والإقليمية، ألقى مارك فرحة الأستاذ المساعد الزائر في كلية الشؤون الدولية في جامعة جورجتاون في قطر، محاضرة ضمن سلسلة الحوارات الشهرية، بتاريخ 7 أبريل 2009  حول “لبنان كمرآة للسياسة العربية”.

بدأ فرحة بالإشارة إلى أن “العدد الكبير من منظمات المجتمع المدني، وكم النشاط السياسي، ودينامية النشاط الاجتماعي الذي شهدته مدينة بيروت على مر القرون، أمر لا مثيل له”. وأكد كذلك على القوة الفريدة من نوعها في لبنان، حيث أشار إلى أنها تأتي من الموقع الجغرافي الاستراتيجي الذي يحتله لبنان كبوابة للعالم العربي والبحر الأبيض المتوسط، ما يساعد على جعله “واحداً من التضاريس الأكثر حيوية على وجه الأرض” و”نقطة التقاء الحضارات”. وأوضح فرحة أن تأثير “البوتقة” الموجودة في لبنان كان نتيجة للتنوع في ثقافاتها ودياناتها وأعراقها التي أطلقت العنان على مدى قرون لتضافر إبداعي من خلال التفاعل على الرغم من ردود الفعل العنيفة خلال الحرب الأهلية.

تاريخياً، كان لبنان طريق عبور لمجموعة متنوعة من الثقافات التي احتشدت في هذا الموقع بصفة خاصة للمشاركة في التبادلات التجارية والفكرية. أحد الأمثلة من التاريخ القديم أن فقرات من قانون جستنيان كانت قد صيغت في بيروت. أشيدت بيروتيس القديمة كمركز للقانون، وتوافد الفقهاء إلى لبنان من جميع أنحاء العالم للدراسة في مدرستها الشهيرة للقانون حتى القرن السادس.

يقول فرحة “لبنان هو أقدم ديمقراطية في الشرق الأوسط، ما زالت تعمل بشكل مستمر منذ عام 1926″، و”على الرغم من كل المشاكل التي يمكن للمرء أن ينسبها إلى لبنان، فينبغي أن يؤخذ في الاعتبار أن ما لديك هنا هو نظام سياسي، على الرغم من كل عيوبه، قد عانى لفترات طويلة للغاية” وفيما يتعلق بمعالم التاريخ السياسي اللبناني، أشار فرحة إلى أن لبنان لم يشهد انقلابات عسكرية – خلافا لمعظم الدول العربية. تمتلك البلاد أعلى كثافة بالنسبة لنصيب الفرد من الجامعات والمدارس الثانوية في العالم العربي، ما يمكن اعتباره جزئياً إرث تأسيس المدارس التبشيرية الكاثوليكية والبروتستانتية، وحتى يومنا هذا، فإن العديد من “اللبنانيين يجيدون العديد من اللغات ويحصلون تعليماً جيداً جداً”. تابع فرحة القول إن لبنان كان أول بلد عربي يمنح المرأة حق الاقتراع عام 1953، أي قبل منح سويسرا لهذه الحقوق بحوالي عشرين عاماً.

تابع فرحة، “شهد لبنان حصته من الصراع الطائفي على مر العصور”، لكن نظراً لتاريخ لبنان والخليط المتنوع من الثقافات،  فإن “الليبرالية في لبنان هي دلالة على تعدديته. إذا كنت ترغب في التعايش، وإن كان لديك بلد مقسم جداً، عرقياً ودينياً، فثمة القليل من الخيارات أمامك، يتمثل أحدها في العثور على تسوية مؤقتة، تعني الاعتراف بكل مجموعة وإعطاء كل منها حقوقها … وذلك للحفاظ على السلام على المدى الطويل”. لهذه الغاية عدد فرحة ما لا يقل عن ثمانية عشر زعيماً روحياً معترف بهم رسمياً في لبنان، يمثل كل منهم هوية طائفية مختلفة ويخولهم الدستور التعبير عن طائفتهم على المستوى الحكومي.

على الرغم من كل هذه الفصائل المختلفة، لا يمكن إلقاء اللوم بكل مشاكل لبنان على خلافات الهويات الطائفية أو التدخل الخارجي. فبوجود ازدواجية التركيبة السكانية والانقسامات الطبقية للبلاد، يرى فرحة أن التوتر سوف يواصل الظهور في الأفق إذا لم يتم التعامل مع الفوارق الاجتماعية الاقتصادية بشكك كاف من قبل الدولة الضعيفة. على هذا النحو فقد أظهرت الأشكال المنحرفة للعولمة والنزعة التجارية ميلاً لزعزعة أي توازن قد حققته البلاد.

يقول فرحة إن كل الدول العربية المحيطة تشهد مآزق اجتماعية واقتصادية ومجتمعية مماثلة، لكن ظهورها الأبرز هنا يحدث بفعل التنوع الفريد في لبنان. كما أن الطاقات الكامنة للفكر والثقافة العربية يمكن أن تتكشف في سوق لبنان المفتوح للأفكار، لذلك فإن الأعراض السلبية للعالم العربي مرسومة أساساً على وجه الحياة السياسية والاجتماعية اللبنانية.

اختتم فرحة حديثه عبر تحديد ثلاث نماذج مستقبلية محتملة في لبنان: محاكاة خبيثة للنموذج الإسرائيلي الحصري في التمييز العرقي والديني والعزل الطائفي؛ أو تطبيق ديمقراطية طائفية تمكن لبنان من الحفاظ عليها بصعوبة بفضل اتفاقات الدوحة عام 2008 بوساطة قطر؛ أو من خلال اتباع السبل التي تؤدي إلى الاندماج الوطني الحقيقي الذي يمنح كل مواطن حقوقاً كاملة ومتساوية في جميع المجالات بصرف النظر عن الهوية الدينية الشخصية للأفراد. وفي الوقت الذي يبرز فيه لبنان باعتباره الدولة الوحيدة في المنطقة التي لا تقوم على أساس ديني ولا هيمنة طائفة واحدة، أكد فرحة على أن تنامي التنافس القائم بين الكتل الطائفية المدعومة إقليمياً، قد جعل تحقيق وترسيخ دولة لبنانية-عربية جامعة وعابرة للطوائف أمراً بالغ الصعوبة.

يدرس الأستاذ مارك فرحة حالياً مادة أساسية هي “مقارنة النظم السياسية” وكذلك مادة اختيارية في “العولمة والجغرافيا السياسية في منطقة الشرق الأوسط”.

 

 المقال بقلم: سوزي ميرغاني، مدير ومحرر المطبوعات في مركز الدراسات الدولية والإقليمية.