رينيه ريتشر في محاضرة عن البيئة والصناعة في قطر

رينيه ريتشر في محاضرة عن البيئة والصناعة في قطر

“الجميلة والوحش: البيئة والصناعة في قطر”

انطلقت سلسلة الحوارات الشهرية لمركز الدراسات الدولية والإقليمية في 15 سبتمبر 2008، مع محاضرة لرينيه ريتشر، الأستاذ المساعد الزائر في علم الأحياء في كلية وايل كورنيل للطب في قطر. تضمن عرض ريتشر عرض الشرائح لصور من مختلف أشكال الحياة التي نادراً ما ترى، إلا أنها تعتبر بمثابة السكان الأصليين في البيئة الصحراوية وقطر. أشارت ريتشر إلى أن هناك تصوراً خاطئاً عن الصحراء إذا ينظر إليها وكأنها بيئة خالية من أشكال الحياة، إلا أنها تضم مجموعة رائعة من التنوع البيولوجي الذي نجده في البيئات البحرية والبرية خارج حدود المناطق الحضرية.

ركزت محاضرة ريتشر على طرح فرضية طالما اعتبرت أمراً مسلماً، وهي أن القواعد البيئية الصارمة عادة ما تعمل بشكل تلقائي للحد من الأضرار البيئية. شككت ريتشر بهذه الفرضية من خلال عرض الأدلة من البحوث الأولية التي كانت قد أجريت على حالة حماية البيئة في قطر.

على الرغم من أن قطر اعتمدت مؤخراً قوانين صارمة فيما يتعلق بالكمية المسموح بها من الجسيمات السامة في الهواء أو الماء، فقد أكدت ريتشر على أن حماية البيئة لا يمكن أن يتحقق إلا إذا كانت كل الدول المحيطة تتقيد بالمعايير نفسها. فإن فرضت قطر أنظمة صارمة بخصوص الهواء والماء ولم تفعل الدول المجاورة لها الأمر نفسه، فلن تتمكن قطر من تحقيق الأهداف البيئية. كما ترى ريتشر أن التلوث البيئي مشكلة إقليمية وليست مشكلة يمكن علاجها كما يجب داخل حدود بلد واحد فقط. لذلك ينبغي لدول الخليج أن تسعى لتوحيد قوانينها والعمل سوية لإنفاذ هذه القوانين.

بغية تقييم حالة حماية البيئة في المناطق الصناعية، ركزت ريتشر على رأس لفان ومسيعيد، حيث يتركز تواجد منشآت صناعية كبيرة، ما يؤدي إلى تعرض هاتين المنطقتان لمستويات أعلى من التدهور البيئي.

 

درسة حالة محار اللؤلؤ

تحدثت ريتشر عن إحدى الحالات الدراسية التي تصف التدهور البيئي الناتج من تأثير مياه التبريد الصناعي على البيئة البحرية المحيطة، وخصوصا على محار اللؤلؤ. لفهم المشكلة، أوضحت ريتشر، أن علينا أن نفهم النظم الصناعية التي تتسبب في أضرار بيئية محلية. فالمنشآت الصناعية الكبيرة تستخدم كميات هائلة من الطاقة والكهرباء، وتتطلب الآلات المستخدمة في الإنتاج كميات هائلة من مياه البحر التي تستخدم كآلية للتبريد. يمكن لمحار اللؤلؤ الذي يتواجد في هذه المناطق أن يقع في شرك مرشحات الحديد التي يؤدي تراكمها إلى خفض كفاءة المحطة الصناعية. للتخلص من تراكم المرشحات في الحياة البحرية، تقوم المنشأة الصناعية بصب أطنان من الكلور في الماء. لا تؤدي هذه العملية إلى تخليص نظام التبريد من محار اللؤلؤ وحسب، بل تؤدي إلى القضاء على العديد من الكائنات البحرية في المناطق المحيطة. يذكر أن محار اللؤلؤ شكل حجز الزاوية للاقتصاد القطري في فترة معينة من تاريخ قطر، لكن عندما حلت حالياً محطات الطاقة مكانه باعتبارها الشكل الأساسي للنشاط الاقتصادي، أصبح وجود محار اللؤلؤ ذا أهمية هامشية.

بدأت بعض المنظمات محاولة الالتزام بفلسفة الحفاظ على البيئة من خلال السعي لإيجاد وسيلة بين الإنتاجية الصحية والبيئة الصحية. فقد أجرى أحد المجمعات الصناعية في رأس لفان بحثاً حول محار اللؤلؤ ووجد حلاً بيولوجياً للحد من الأضرار الناجمة عن كلورة مياه التبريد. أوصت نتائج البحث باستخدام آلية “الكلورة المتقطعة” التي تصب الكلور في الماء في فترات محددة، ما يقلل من الأضرار التي لحقت بالبيئة البحرية الكبرى.

أما البديل لعملية كلورة مياه التبريد لمنشأة صناعية فتتمثل بعملية “الإغلاق” حيث يتم تعطيل كامل للمنشأة للقيام بأعمال الصيانة. إلا أن لهذا البديل عواقب بيئية خاصة به، حيث يتوجب على المنشآت الصناعية بعد ذلك أن تمر بمرحلة “بدء التشغيل”، التي يتم فيها تحرير كمية هائلة من الطاقة والكهرباء في الجو بهيئة أكاسيد كربون وجسيمات ضارة.

اقترحت ريتشر أنه نظراً للمستوى المرتفع من الجسيمات الموجودة بشكل طبيعي في الصحراء، تتمثل إحدى النقاط المثيرة للاهتمام في البحث بمحاولة التأكد من كم الملوثات الموجودة في الغلاف الجوي لدولة قطر والتي يتم إنتاجها صناعياً، ما من شأنه أن يكون مفيداً في قياس مستوى الانبعاثات الصناعية ومعرفة الانحرافات عن المستويات المقترحة. وقد بدأت بعض المنظمات بإجراء مثل هذه الدراسات، غير أن الشركات الكبرى تحرص على إحاطة حقولها واكتشافاتها بسرية تامة، ولا تشارك معلوماتها مع الجمهور أو مع غيرها من الشركات.

تقول ريتشر إن العديد من المنظمات تطبق القوانين البيئية في مرافق الإنتاج الخاصة بها لأنها تدرك أن ذلك يعد خطوة ذكية في عالم الأعمال، حيث من شأن خطوة كهذه أن تحد من مزاعم سوء الإدارة والدعاوى القضائية على المدى البعيد.

اختتمت ريتشر بالإشارة إلى جانب إيجابي، حيث قالت إنه على الرغم من تطور قطر بوتيرة متسارعة، فنظراً لعدد سكانها الصغير لن يكون من الصعب إشراك المجتمع المحلي في التوجه الذي اعتمدته المشاريع الصناعية بخصوص البيئة. كما أشارت إلى أن قطر قد عملت مؤخراً على ترقية المجلس الأعلى للبيئة ليصبح ذا مستوى وزاري، ما اعتبر خطوة إيجابية في تقدم قطر نحو تقدير البيئة والحد من تدهورها.

 المقال بقلم: سوزي ميرغاني، مدير ومحرر المطبوعات في مركز الدراسات الدولية والإقليمية.