العمالة الوافدة ذات المهارة العالية في الخليج من منظور مقارن - مجموعة العمل الأولى

العمالة الوافدة ذات المهارة العالية في الخليج من منظور مقارن - مجموعة العمل الأولى

استضاف مركز الدراسات الدولية والإقليمية مجموعة عمل يومي الحادي والثاني من شهر يونيو عام 2016 لمناقشة موضوع ” العمالة الوافدة العالية المهارة: منظور خليجي ومنظور عالمي”. 

مجموعة العمل هذه هي نتيجة مشروع بحثي مشترك يتناول قضية العمالة الوافدة العالية المهارة في قطر. بدأت العمل به زهرة بابار المديرة المشاركة بمركز الدراسات الدولية والإقليمية بالتعاون مع إثنين من الباحثين هما نبيل خطاب من معهد الدوحة للدراسات العليا، ومايكل إيوريس من معهد أبحاث استطلاعات الرأي الاقتصادية والاجتماعية التابع لجامعة قطر.

قدمت مجموعة العمل لكل من بابار وخطاب وإيوريس الفرصة لمشاركة الآخرين في نتائج ابحاثهم المبدئية وتلقي تعليقاتهم وارائهم بشأنها. كما تمت دعوة عدد من الباحثين من ذوي الخبرات الإقليمية والعالمية عن موضوع العمالة الوافدة العالية المهارة لتقديم أبحاثهم الخاصة بهم خلال اجتماع مجموعة العمل. وقد مكن هذا التجمع المجموعة من إعادة النظر ببعض الفرضيات الأساسية بشأن طبيعة استقدام العمالة الوافدة الى دول الخليج وانماطها وإجراءاتها، وذلك من خلال التركيز على موضوع العمالة الوافدة العالية المهارة.

بدأت زهرة بابار ومايكل إيوريس ونبيل خطاب المناقشات بتقديم مشروعهم التجريبي بعنوان “العمالة الوافدة العالية المهارة في دولة قطر.” تبادل الباحثون نتائج دراسة لاستطلاع الآراء تضمنت 300 من العمالة الوافدة العالية المهارة تم اجراؤها في قطر في يناير 2016، وأيضا بعض النتائج الأولية لمقابلات تتسم بالعمق أجروها خلال الشهر الماضي. تتضمن استطلاعات الآراء والمقابلات النوعية عدداً من المحاور من بينها: الحياة العملية والمهنية للعمالة الوافدة العالية المهارة في قطر، الحوافز والدوافع للقدوم الى البلاد وأسباب البقاء، تنمية الرصيد الإنساني – المهارات الخفية والقدرات التي يساهمون بها في أعمالهم، ومؤسساتهم والبلاد – وقيمهم وآمالهم المتعلقة بقدراتهم على الانتقال والحركة، إضافة الى استراتيجيات الحياة وأهدافهم في المستقبل.

بناءً على ما تم إنجازه خلال الجلسة الأولى، ومن خلال السماح لمنظور مقارن جغرافيا، بدأت الدكتورة ميتشلن فان ريمسجك النقاش عن موضوع “الإندماج للعمالة الوافدة العالية المهارة في مكان العمل: نموذج متعدد المستويات” يركز على العمالة الوافدة العالية المهارة في الدول الاسكندنافية. وتركز بحوث الدكتورة فان ريمسجك على تكامل واندماج العمالة الوافدة من ذوي المهارات العالية ممن ولدوا خارج البلاد في قطاع الصناعات النفطية في النرويج.

فكما هو الحال في قطر وغيرها من منتجي الوقود الهيدروكربوني، تعتمد النرويج على قوة عاملة اجنبية لتشغيل قطاع صناعات النفط. ومن خلال دراستها التي ركزت على المهندسين المولودين خارج البلاد وغيرهم من العمالة الوافدة العالية المهارة في قطاع صناعات النفط في النرويج، تقول الدكتورة فان ريمسجك إن اندماج المهاجرين الماهرين والحفاظ عليهم أمر أساسي لنجاح القطاع، حيث يساهم هؤلاء العمال الأجانب في إيجاد المعلومات والابتكار في بلدانهم المستضيفة. وقد طورت فان ريمسجك نموذجا متعدد المستويات لمساعدتها في دراسة عوامل الاندماج الثقافي والاجتماعي للعمالة الماهرة من المهاجرين في مكان العمل. هذا النموذج يتضمن العديد من المتغيرات التي تعتمد على بعضها البعض والتي تؤثر على اندماج العمالة الماهرة في مكان العمل، بما في ذلك القيم الاجتماعية، وخصائص الصناعة، والشركات، والمديرين، والجهة المنوط بها توطين المهاجرين. هذا النموذج يمكن أن يكون مفيداً في السياق الأوسع بشأن اندماج المهاجرين والعمالة الوافدة العالية المهارات.

أدار ماثياس زايكا النقاشات التالية حول موضوع “سياسات وممارسات العمالة الوافدة العالية المهارة في الاقتصاديات الصاعدة.” وتركزت أبحاث الدكتور زاكيا على الاقتصاديات الصاعدة، وخصوصا مجموعة “بريكس” وهي البرازيل وروسيا والهند والصين إضافة إلى تركيا وإندونيسيا، باعتبارها “مراكز جديدة” لاستقطاب المهاجرين تجتذب إليها المهاجرين من ذوي المهارات العالية. واظهرت أبحاث الدكتور زايكا حول التطورات الأخيرة في سياسات الهجرة أنه في الدول المتقدمة (معظمها دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية)، يتم تطبيق سياسات لجذب العمالة العالية المهارة، كما يتم وضع سياسات للهجرة بتفصيل يحرص على السماح بانتقاء العمالة العالية المهارة والسماح لها بالهجرة.

تعتبر دول الاقتصاديات الصاعدة التي تعرف بتجمع “بركس بلاس” في طور مختلف من التنمية، وكنتيجة لذلك “تمر بمرحلة انتقالية فيما يتعلق بالهجرة”. ويختتم الدكتور زايكا بالإشارة إلى أن “السباق العالمي بحثاً عن المواهب والكفاءات العالية” ليس محتدماً بين “المراكز الجديدة” بقدر ما هو محتدم بين “المراكز القديمة” أي الدول المتقدمة.

بعد ذلك قدم مارتن هيفيت عرضاً عن دور ورد فعل المهاجرين ذوي المهارات العالية في الاقتصاديات النامية في دول مجلس التعاون الخليجي. وأظهر بحث الدكتور هيفيت أن مساهمات العمالة الوافدة العالية المهارة في دول مجلس التعاون هي أمر حيوي للغاية، خصوصا عند الأخذ في الاعتبار التركيز على بناء اقتصاد يقوم على المعرفة. فبينما تعتبر العمالة الوافدة العالية المهارة مكونا هاما في منظومة العمالة الماهرة في الدول المتقدمة والناضجة صناعيا، فإنها تعتبر عاملا أساسيا لا يمكن لدول مجلس التعاون أن تحول اقتصاداتها إلى اقتصادات تقوم على المعرفة دون الاستعانة بالعمالة الوافدة العالية المهارة.

نقل ما طرحته “بايال بانرجي” التركيز الإقليمي مرة أخرى من خلال عرض بحثها عن العمالة الهندية المتخصصة في مجالات تقنية المعلومات في قطاع التكنولوجيا في الولايات المتحدة الامريكية. ويساعد بحث الدكتورة بانرجي على فك بعض الغموض والتفكير في المزدوجة القائمة والتي تشير إلى أن العمالة الوافدة “الماهرة والعالية المهارة” تتعرض لقدر أقل من الاستغلال والمعوقات في حياتهم مقارنة بالعمالة “المنخفضة المهارة”.

يشير بحث الدكتورة بانرجي إلى وجود ميوعة في تصنيفات المهاجرين وفئات تأشيرات الدخول. ويشير الى كيف أثر تطور الرأسمالية والعولمة الاقتصادية الليبرالية الجديدة في خلق تصنيفات للمهاجرين وتأشيرات العمل في الولايات المتحدة، مثل تأشيرة H-1B وL-1 و B-1. وتقول دكتورة بانرجي إن هذه البرامج تسمح بإيجاد تفاوتات في أوضاع المهاجرين من حيث إنتاج امتيازات مختلفة، و درجات رواتب ومعاشات مختلفة، وحقوق مختلفة ودرجات متفاوتة من الحماية بموجب القانون. وتشير الدكتورة بانرجي إلى وجود انفصال مزعج بين السرد الليبرالي الجديد الذي يرفع شعارات سياسات “السوق الحرة” وبين الممارسات اليومية التي تتسم بالقمع والسيطرة التي تشير إليها طرق توظيف العاملين الوافدين حسب أسلوب المقاولين من الباطن.

وبناء على الاختلافات بن العاملة الوافدة من حيث الحكم والحقوق، ناقش بينود خضرية قضية “الحاجز الخليجي: العمالة الهندية العالية المهارة مقابل العمالة الوافدة.” وركز على ما اذا كان ما يعرف باسم “القرن الاسيوي” قد زرع بذور تحول نمطي في دول مجلس التعاون الخليجي، ليتغير التناسب بين “عمال المعلومات ” و “عمال الخدمات”. فالكثير من العمال الهنود يفدون كعمال غير محددي المهنة وأيضا كطلاب من خلفيات متنوعة، وخبرات متعددة و تدريب. هذه الهجرات حولت دول مجلس التعاون الخليجي من سوق لاستقبال العمالة وسوق ينتقي العمالة المناسبة للوظائف المطلوبة، إلى سوق مفتوح أمام الجميع منهم للاختيار.

آخر الجلسات أدارتها نيها فورا عن موضوع “الخبراء الغربيون في عصر الاقتصاد المعرفي.” وقد استكشفت الدكتورة فورا تجارب العمالة الوافدة العالية المهارة الذين تم تعيينهم بسبب خبراتهم بهدف تطوير الاقتصاديات المعرفية لدول مجلس التعاون الخليجي. وهؤلاء الوافدون من ذوي المهارات العالية، وهم في معظمهم من الغربيين يتضمنون: مستشارين، واداريين، ومعلمين في جميع مجالات وقطاعات البحث العملي، والتنمية والتعليم، وبشكل رئيسي من يشاركون في مشروعات التعليم الحر. وقد درست فورا دور “بياض البشرة” والفصل الذاتي ضمن تجربة الوافدين الغربيين، وما إذا كانوا يمارسون أساليبا قديمة ويعيدون تجربة العصور الاستعمارية والمواقف الحضارية القديمة يطبقونها في مشروعات تتعلق بالتنمية والحداثة، وتوصيفهم لأنفسهم ومكانهم ضمن نظام طبقي مصنف بعناية للعرقيات والأصول و الطبقات الاجتماعية بين أوساط العمالة الوافدة والعمال الأجانب.

المقال بقلم إسلام حسن، محلل باحث بمركز الدراسات الدولية والإقليمية.