التحوّل الأصولي: تطور أيديولوجية حزب الله من المثالية إلى البراغماتية

Massaab

دعا مركز الدراسات الدولية والإقليمية، في 16 يناير 2019، محلّل شؤون الشرق الأوسط مصعب الألوسي لمناقشة بحثه حول موضوع “التحوّل الأصولي: تطور أيديولوجية حزب الله من المثالية إلى البراغماتية”. ورسم الألوسي، في محاضرته، مسار حزب الله، وهو حركة إسلامية سياسية شيعية مسلّحة، منذ نشأتها إلى الوقت الحاضر. فقد نشأت هذه المنظمة عقب الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982، وكان محور اهتمامها الأساسي إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للبنان ودعم القضية الفلسطينية.

وقبل أن ينظَّم حزب الله رسميًا في عام 1985، اشتغل بالعمل السري متأثرًا بأحداث جيوسياسية شتى، منها الثورة الإيرانية والإطاحة بالشاه في عام 1979، والفكر الشيعي الثوري لآية الله الخميني، الذي تم تصديره إلى المجتمعات الشيعية، بما في ذلك الطائفة الشيعية في لبنان. وقال الألوسي إن الخميني “أعطى توجيهًا لرجال الدين بحكم البلاد والمشاركة في السياسة. وكان لذلك تبعات كبيرة على المنطقة ككل وعلى الشيعة والعالم العربي تحديدًا “.

وهناك حدث آخر، وفق الألوسي، كان له تأثير في أعمال حزب الله، وهو غزو إسرائيل للبنان في عام 1982 في محاولة لاقتلاع منظمة التحرير الفلسطينية من جنوب لبنان؛ “لقد كانت رؤية عاصمة عربية تغزوها القوات الإسرائيلية صدمة كبيرة للبنانين والعالم العربي”. وكان لهذا الحدث أثر عميق في شيعة لبنان بسبب احتكاكهم المستمر مع إسرائيل، وهو ما جعل حزب الله يشنّ عمليات عسكرية ضد أهداف إسرائيلية، منها هجومه على معسكر إسرائيلي، وهو أحد أشدّ هجماته تدميرًا على قوات الدفاع الإسرائيلية.

حزب الله “جسّد جانبًا مهمًا من الخطاب الثوري الإيراني؛ المضطهَدون مقابل المضطهِدين؛ والانحياز إلى الشعب؛ وخلق الثورات في جميع أنحاء المنطقة.”

وفي عام 1985، بعث حزب الله إلى العالم رسالةً مفتوحة أعلن فيها أهدافه، ويرى الألوسي أنها “جسّدت جانبًا مهمًا من الخطاب الثوري الإيراني؛ المضطهَدون مقابل المضطهِدين؛ والانحياز إلى الشعب؛ وخلق الثورات في جميع أنحاء المنطقة.” وكان من بين الأهداف إقامة دولة إسلامية، وتبيّن أن هذا الهدف شديد الطموح لأن لبنان “دولة متعددة المذاهب والأديان والأعراق والطوائف”. وكان من بين الأهداف أيضًا تدمير إسرائيل. وقال الألوسي إن حزب الله “اعتبر إسرائيل غدةً سرطانية يجب تدميرها بالكامل، وأنه لن يتوقف حتى يحرّر كل شبر من أرض فلسطين”.

وفي عام 1989، جمعت المملكة العربية السعودية العديد من السياسيين اللبنانيين ودفعت لهم بسخاء لكي يوقّعوا اتفاقًا لإنهاء الحرب الأهلية اللبنانية وتعديل النظام السياسي المنقسم، على حد قول الألوسي. عارض حزب الله اتفاقَ الطائف في البداية، لكنه قرر لاحقًا أن من الضروري الانخراط في السياسة اللبنانية. وقال الألوسي إن حزب الله، باتخاذه هذه الخطوة البراغماتية، “كانت لديه نظرة ثورية تغيرت تمامًا بقبوله بالنظام السياسي”.

وخلال تسعينيات القرن العشرين، مرّ حزب الله بعملية “إعادة تشكيل التوجه الإسلامي”، وفق تعبير الألوسي. فقد كانت مواقفه في ثمانينيات القرن الماضي شديدة التطرف، ولكن مع مرور الوقت “غيّر كل هذا الخطاب، وحاول إعادة تفسير مقولاته السابقة”. وانصبّ تركيز حزب الله على إسرائيل، فأضحى منظوره قوميًا أكثر من كونه إسلاميًا. فعلى سبيل المثال، يقول الألوسي، أصبح الخطاب: “نحن هنا لتحرير الأراضي اللبنانية في المقام الأول. فذاك هو هدفنا”.

ولاحظ الألوسي أن السعي إلى إقامة الدولة الإسلامية ظلّ قائمًا، لكنه “أرجِئ إلى أجل غير مسمّى”. بالإضافة إلى ذلك، يقول الألوسي، أقرّ حزب الله بأن هدف إقامة الدولة الإسلامية لا يعني أنه سيتم فرضه بالقوة، بل يجب أن تقام بتوافق آراء جميع اللبنانيين. “يمكنك أن تتخيل مدى استحالة تحقيق ذلك”، حتى الشيعة أنفسهم لا يتفقون على الدولة الإسلامية. وقال إن التوصل إلى توافق في الآراء بين مكونات المجتمع اللبناني العديدة –بمن في ذلك السنّة والمسيحيون والدروز وغيرهم– إنجازٌ يكاد يكون مستحيلاً.

في عام 1999، انتخب إيهود باراك رئيسًا لوزراء إسرائيل على خلفية وعد بسحب القوات الإسرائيلية من لبنان، وهو ما حدث في عام 2000. وعلى الرغم من ذلك، واصل حزب الله هجماته على إسرائيل من عام 2000 إلى عام 2006، لكنها لم تكن مكثفة كما كانت في تسعينيات القرن العشرين. وأوضح الألوسي أنه حدث في عام 2006 “خطأ كبير في التقدير من جانب كل من حزب الله وإسرائيل”. فقد قررت إسرائيل تحت رئاسة إيهود أولمرت أن تدمّر حزب الله. وفي عام 2006، اندلعت حرب بين إسرائيل وحزب الله استمرت لأكثر من شهر. لم يُدمَّر حزب الله في هذا الصراع، لكن الحدود بين إسرائيل ولبنان ظلّت منذئذ هادئة مقارنةً بذي قبل.

وقال الألوسي إن سوريا كانت طوال التسعينيات تستخدم هجمات حزب الله للضغط على الإسرائيليين للجلوس إلى طاولة المفاوضات، لكن انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان حرم سوريا من أداة تفاوض بالغة الأهمية مع الإسرائيليين. وكان اندلاع الانتفاضة الأهلية في سوريا في عام 2011، “حدثًا آخر ساعد على جعل أيديولوجية حزب الله أكثر براغماتية وأقل مثالية”، على حد قول الألوسي. فقد اختار حزب الله أن يقف إلى جانب الرئيس السوري بشار الأسد بدل مؤازرة المضطهَدين.

وفي الختام، قال الألوسي إن حزب الله تحوّل من قوة هجوم على الإسرائيليين لتحرير جنوب لبنان إلى قوة ردع، مضيفًا أن حزب الله يواصل استخدام خطاب تحرير فلسطين، لكنه في الواقع لا يفعل الكثير لأجل ذلك. و”بخصوص إقامة دولة إسلامية، من الواضح جدًا أن هذا الهدف لا يمكن تحقيقه، خصوصًا في ظل الفسيفساء الطائفية في لبنان. وبالتالي فقد عمل حزب الله على تغيير خطابه وبدّل نظرته إلى الأمور بشكل غير مباشر “.

مقال بقلم الخنساء ماريا، زميلة منشورات كيورا 


حصل مصعب الألوسي على درجتي الدكتوراه والماجستير في القانون والدبلوماسية من كلية فليتشر للقانون والدبلوماسية بجامعة تافتس. عمل سابقًا في مؤسسة السلام العالمي، ويعمل حاليًا منتجًا لدى شبكة الجزيرة الإعلامية. وهو مؤلف كتاب سيصدر قريبًا بعنوان “الأيديولوجية المتغيرة لتمرد حزب الله والحرب الأهلية في الشرق الأوسط”.