الأسرة الخليجية: مجموعة العمل الأولى

The Gulf Family Working Group I

عقد مركز الدراسات الدولية والإقليمية  مجموعة العمل الأولى حول “الأسرة الخليجية”  حيث ناقش الباحثون القضايا التاريخية والحالية التي تؤثر على بنية الأسرة الخليجية. وبخلاف ما أوردته الدراسات حول الأسرة في الشرق الأوسط الأكبر، فإن هناك فجوات كبيرة لا تزال موجودة في المنح الدراسية التي تتعلق بديناميات الأسرة في الخليج العربي، وقد تم تقديم خمس منح لعدد من الباحثين لإجراء العمل الميداني والبحث الأصلي في الموضوعات المتعلقة بالأسرة الخليجية. وبالتزامن مع المنح الدراسية، عقد مركز الدراسات الدولية والإقليمية  مجموعة عمل لمدة يومين لمناقشة قضايا مثل القبلية والزواج المختلط، وآثار التعليم الديني على ديناميات الأسرة وموضوعات أخرى. وإلى جانب مقترحات الأبحاث والنتائج الأولية التي قدمها الفائزون بالمنح الخمس، فقد ناقش المشاركون في مجموعة العمل القضايا التي تواجه المنطقة حاليا.

شهدت العائلة الخليجية على مدى السنوات الستين الماضية تغيرا كبيرا. وسعيا لفهم الأهمية التاريخية للعائلة الخليجية، لابد من وضع سرد شامل يتضمن مختلف القبائل والأعراق التي أقامت في المنطقة. وتحديا لفكرة أن وجود الأسرة الخليجية يعتمد على القرابة، فإن الروايات الخطابية الحديثة ترى أن الأمر أبعد من ذلك. وهذا يوضح العديد من الأسس التاريخية حول القومية والحداثة والطبقية. كما تم فحص السكن والإيجار في محاولة لفهم ارتباط المساحة والفضاء بالأسرة في الماضي، وكيفية تأثير التغيرات الطبيعية في بنية الأسرة التي تعيش في إطار هذا الجوار.

وخلف وجود الأسرة الخليجية تكمن مفاهيم القبلية والعصبية (التضامن القبلي)، وتعد القبلية في الخليج سمة أساسية في فهم الديناميات الاجتماعية السائدة في المنطقة.  يستخدم المنطق الوظيفي للنظام القرابة لشرح التضامن من خلال الممارسة

العملية، وهو ما يمكن ملاحظته في التعبير عن الوحدة القبلية من خلال الوسائل الأدبية والقانونية والسياسية والإعلامية، وتساءل المناقشون عن مدى هيمنة القبلية على شؤون الأسرة ومدى أهمية الانتماء إلى قبيلة على هوية الفرد.

وفي وقتنا الحاضر، نادرا ما تظهر الهوية القبلية الحديثة عن طريق نمط الحياة البدوية التي طالما ارتبطت بها، وتخترق بدلا من ذلك الشعور المجتمعي والفكر العقلاني. إلا أنه في حالة اليمن فإن تأثير عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي للدولة دفع المواطنين إلى الاعتماد على قبائلهم لتوفير الخدمات الضرورية مثل الكهرباء والماء. كما أن ارتفاع أسعار الوقود وانخفاض الدعم الذي تقدمه الحكومة اليمنية يعني تدهور إمكانية حصول المواطنين على التعليم والرعاية الصحية.

وقد ساعد بقاء النظام القبلي والتضامن في اليمن في الحفاظ على الشعور بالنظام والتنظيم داخل البلاد وسط حالة الفوضى السياسية، ثم تساءل المتناقشون لاحقا عن أثر القبلية على الأسرة النواة وتداعيات العودة إلى القبلية في المناطق الحضرية داخل المدن.

كما أن للقبلية أيضا تداعيات أعمق في القضايا المجتمعية مثل الزواج، فالزواج القبلي عادة ما يكون قاعدة بين السكان المحليين، وفي ظل عدم وجود نظام طبقي بين السكان المحليين في منطقة الخليج، فإن النسب القبلي  يحدد التسلسل الهرمي الاجتماعي في الوقت الحاضر، ومحاولة لفهم القوى الاجتماعية التي تؤثر على نظام الزواج في الخليج، أوضح المناقشون التحولات الهيكلية البالغة  التي شهدتها منطقة الخليج خلال السنوات العشرين الماضية.

وهذا ما نتج عنه  تغيرات في زواج الأقارب، حيث تظهر البيانات في قطر الزيجات المختلطة آخذة في الارتفاع بالنسبة للرجال ولكنها تنخفض بالنسبة للمرأة، وسابقا كان معدل الطلاق بين الأزواج في الزواج المختلط مرتفعا للغاية خلال الفترة 1985-2000 بالمقارنة بحالات الطلاق في  الزواج غير المختلط. إلا أنه خلال الفترة 2010-2013 بدأت الفجوة بين الزواج المختلط والزواج غير مختلطة تتضاءل، وتناول المناقشون أسباب تبدل اتجاه الطلاق بين مجموعتي وافترضوا أن السبب فيها يكمن في تزايد العولمة والتعليم والتدفقات العابرة للحدود الوطنية.

وفي ظل هذه الإحصاءات المرتفعة عن الطلاق في الخليج، أصبح إهمال النظم القانونية لإصلاح قانون حضانة الأطفال مشكلة متزايدة، فقد ركزت إصلاحات قانون الأسرة بصورة تقليدية على العلاقة بين الزوجين، وغالبا ما تهمل العلاقة بين الوالدين والطفل والتي تحدد  الحضانة والوصاية. كما أظهرت دراسات حالة عن قطر والبحرين والإمارات العربية المتحدة أن هناك مزيد من التطوير في مفهوم “المصلحة الفضلى للطفل”.

وبشكل أكثر تحديدا، فقد بذلت قطر جهودا رامية إلى تعزيز مفهوم “المصلحة الأفضل” كأداة لإصلاح تحديد الحضانة، أما البحرين والإمارات العربية المتحدة فقد اختارتا وضع مبادئ توجيهية للقضاة ينبغي إتباعها في حالات تحديد الحضانة.

وفي الوقت الذي كانت التحولات تحدث داخل المجتمع الخليجي على مدى العقود الماضية، فإن أثر جهود التحديث تظهر في الجوانب الدينية واللغوية والتعليمية للحياة الأسرية. إذ أن تشكيل الحياة العائلية في الخليج في حد ذاته هو عمل ديني تحث عليه السنة والأحاديث النبوية التي غالبا ما يعتنقها الأزواج كعنصر أساسي في العلاقة الزوجية وطرق تربية أطفالهم، وقد سعت منحة سابقة إلى استكشاف الدور الذي يلعبه التعليم الديني في وضع المرأة داخل المجتمع.

من الناحية النظرية، يرى الباحثون أن تزايد التعليم الحديث يعد وسيلة لتمكين المرأة من تولي أدوارا في الحياة العامة. إلا أن دراسات الحالة أظهرت أن نوعية التعليم الذي تتلقاه النساء يميل إلى إعادة إنتاج النظام التقليدي ويعزز الفصل بين الجنسين. كما أكد المناقشون صعود التعليم الديني داخل الأسرة، حيث تقوم الداعيات الإناث بزيارات منزلية في الأماكن المعزولة سعيا لتثقيف النساء بالقيم الإسلامية المتعلقة بالمنزل.

كذلك أعاقت القيم الإسلامية داخل الأسر الخليجية أيضا قنوات الاتصال بين الوالدين والطفل حول قضايا أكثر حساسية مثل تعليم الصحة الجنسية والإنجابية، وفي الوقت الذي يتزايد فيه متوسط عمر الزواج، يواجه الشباب مشاكل متزايدة في حياتهم الجنسية قبل الزواج. كما أن الشعور بالخزي بدلا من الذنب الحقيقي، وخاصة داخل الأسرة، إنما هو نتيجة ثانوية للمشاعر الدينية والقبلية التي تشكل العلاقات الاجتماعية في دول الخليج.

ونتيجة لذلك، يكون من المتوقع أن يحصل الشباب على المعلومات حول القضايا الجنسية من مصادرهم الخاصة، وغالبا ما يلجئون إلى الإنترنت كمصدر محايد للتعليم . كما أن الافتقار إلى تعليم الصحة الجنسية والإنجابية في أوساط الأسر الخليجية يؤدي إلى ضعف الشباب في مواجهة قضايا مثل الاغتصاب والتحرش الجنسي، والأمراض المنقولة. ويجاهد الوالدان في كثير من الأحيان لخلق قنوات مفتوحة وصادقة من التواصل مع أطفالهم، ويرجع بعضا من ذلك  إلى الحواجز اللغوية التي تواجهها الأسر ثنائية اللغة، ووصمة العار التي يتسم بها هذا الموضوع الحساس.

أوضح المناقشون أن التعاليم الدينية في واقعها تشجع على المناقشة المنفتحة حول هذه القضايا، وضمن نطاق الزواج المعترف به قانونا، إلا أن الضغوط الاجتماعية والخبرة العائلية تشكلان أكبر العقبات في وجه التثقيف الصحي الجنسي.

 

مقال بقلم: هايا النعيمي- محللة أبحاث- مركز الدراسات الدولية والإقليمية