أندرو ناتسيوس
رعى مركز الدراسات الدولية والإقليمية بتاريخ 24 يناير 2008، محاضرة متميزة لأندرو ناتسيوس أستاذ الممارسات الدبلوماسية في جامعة جورجتاون والمبعوث الخاص الأمريكي الأسبق لدارفور. أقيمت المحاضرة في فندق قرية الشرق، بحضور خمسين مدعواً، لتناول مأدبة العشاء ومناقشة إحدى أبرز الأزمات في العالم. وفي وقت سابق من اليوم، تحدث ناتسيوس عن السودان في خطاب رئيسي وجهه إلى نحو 350 طالباً من طلاب المدارس الثانوية الذين تجمعوا في حفل افتتاح المؤتمر السنوي للأمم المتحدة برعاية مركز الدراسات الدولية والإقليمية.
وفي معرض تعليقه على الأزمة المستمرة في السودان، ذكر ناتسيوس بالتفصيل التوترات المعقدة التي غذت الصراعات العنيفة في منطقة دارفور، وذلك بناء على معرفته المباشرة في السودان والجهات السياسية الفاعلة فيه، بالإضافة إلى العلاقات المتوترة القائمة بين السودانيين من أصول عربية والسودانيين المتحدرين من أصول أفريقية، تطرق نقاش ناتسيوس “إلى سلسلة من القضايا الأقل شهرة، مثل العلاقات المتوترة بين الحكومة المركزية والجنجويد (الميليشيات القبلية).
ألقى ناتسيوس الضوء على الخطر الحقيقي لانهيار السلطة المركزية في أكبر بلد في أفريقيا ما من شأنه أن يعيد البلاد إلى الحرب بين الشمال والجنوب وهذا ما حدث تقريباً في أكتوبر ونوفمبر من عام 2007. يمثل التطهير العرقي في دارفور جانباً واحداً فقط من أزمة تجاوزت ذلك بكثير، حيث من الممكن أن تؤدي إلى تفكك السودان، دون إغفال ما سيلي ذلك من عواقب سياسية وإنسانية مأساوية لعموم شرق أفريقيا. إلا إذا أدرك المجتمع الدولي خطورة الوضع وهشاشة السلطة المركزية في الخرطوم، وأجبر كل الأطراف السياسية الفاعلة على تغيير مسارها الحالي في العمل، وإلا فمن المرجح أن تنهار الدولة تحت ضغط مختلف القوى المتطرفة في البلاد.
ذكر ناتسيوس أن الحكومة المركزية في الخرطوم تمكنت من إبعاد العديد من الفئات الاجتماعية السودانية التي لم تكن سياسية في السابق، وكان ذلك من بين أمور أخرى فشلت الخرطوم بالالتزام بها وفقاً لبنود اتفاق السلام الشامل لعام 2005 الذي كان يهدف إلى وضع حد للنزاع المدني طويل الأمد بين الشمال الذي تسكنه أغلبية مسلمة والجنوب المسيحي الغني بالنفط. تيجة لذلك، فإن الصراع الأكثر خطورة في التاريخ السوداني الحديث – الذي خلف ضحايا تقدر بعشرة أضعاف ضحايا أزمة دارفور – لا يزال قضية لم تحل ولا تزال تهدد استقرار البلاد بأسرها. مع ارتفاع مستويات السخط والاستياء في أوساط السكان ووجود نسبة عالية من المسؤولين الحكوميين الذين لا يرغبون في نزع فتيل الوضع الحالي سلمياً خوفاً من انقلاب أو من المثول للمحاكمة بتهم ارتكاب جرائم حرب، تتحول السودان بشكل متزايد إلى دولة غير مستقرة وبالتالي من المتوقع عودة الشمال والجنوب إلى الحرب وتفكك الدولة.
لحل الأزمات الحالية ولتجنب التدهور في المستقبل، يقول ناتسيوس إن على المجتمع الدولي أولاً وقبل كل شيء أن يشجع الطرفين على تنفيذ اتفاق السلام الشامل الموافق عليه من قبل جميع الأطراف، ويتوجب تطبيع العلاقات السياسية مع الحكومة السودانية. ونظراً لأن محكمة الجنايات الدولية هي سيف مسلط على المسؤولين السودانيين، فقد أصبحت عائقاً أمام حل النزاع، لهذا السبب، أوصى ناتسيوس المجتمع الدولي بأن يتخلي عن الحق في تقديم المشتبه بهم في ارتكاب جرائم حرب إلى العدالة مقابل الحصول على السلام والاستقرار. وسوف يتعين على الحكومة السودانية من جانبها تقاسم عائدات النفط بشكل عادل، وكبح جماح المتشددين داخل صفوفها، وإعطاء قدر أكبر من الحكم الذاتي الإقليمي لدارفور. تبدو هذه التدابير إلى جانب مع انتخابات حرة ونزيهة ومفتوحة الخيارات الوحيدة القابلة للتطبيق لإنقاذ السودان من التمزق إلى محافظات مختلفة ودفع أزمة دارفور إلى نهايتها.
أعد الملخص من قبل هنري لوزيير، المعيد في كلية الشؤون الدولية في جامعة جورجتاون في قطر.