تطور المدن العالمية في الخليج
عقد مركز الدراسات الدولية والإقليمية الاجتماع الأخير لفريق عمل المبادرة البحثية “تطور المدن العالمية في الخليج” خلال يومي 12 و 13 أبريل 2014. فقد التقى أكاديميون من تخصصات علمية متعددة وكذلك مهندسون معماريون ومخططون ومصممون حضريون للمرة الثانية لمناقشة نتائج بحوثهم وأوراق عملهم حول موضوع المدن الخليجية. وقد تناولت المناقشات الخليج الفارسي كمجال جغرافي، وامتد تحليلهم الزمني من أوائل القرن العشرين حتى الوقت الحاضر. كما نوقشت عناصر الاستمرارية والتغير في المشهد الحضري في إطار الخلفية السياسية والثقافية والتاريخية لمنطقة الخليج.
حثَّ التحضرُ السريع وارتفاع ناطحات السحاب على تركيز البحث الأكاديمي حول مدن الخليج. وقد شكك المشاركون في افتتاح مناقشتهم بالطريقة غير المسيسة التي تناقَش فيها مدن الخليج في الخطاب الشعبي. فقد وُصفت تلك المدن بشكل قاطع على أنها عالمية وعابرة للوطنية، وأنها أيضا “مزدهرة وحديثة ومستقرة في المنطقة الأكبر والأكثر تقلبا وفقراً” – كيف تُنشر هذه التصوراتُ عن الخليج لتشكل ركيزةً أيديولوجية معينة؟ طرح المناقشون إشكالية فئة “المدينة” نفسها، ودفعوا تحليلهم قدماً نحو فهم اجتماعي وسياسي أفضل لفضاء المدينة. كيف، على سبيل المثال، يعيش غير المواطنين ويتكيفون داخل فضاء المدينة؟ كيف يجد عمال البناء الذين ساعدوا في بناء المدينة مكانَهم في هذه المساحات التي وصفت بأنها عالمية وعابرة للوطنية مع أنها تعزلهم وتحدّ من تنقل لفيف من سكانها؟ هذه كلها أسئلة تؤثر على تشكيل الخطاب الحالي غير المعلن بشأن المدن في الخليج – ذلك الخطاب الذي يحدد “المدن” على أساس تفسيرات ضيقة وغير مسيسة.
وبما أن تصوير مدن الخليج على أنها “عابرة للوطنية ” و “عالمية” يفترض قطعاً وانفصاماً تاريخياً مع الخصائص الحضرية للخليج ما قبل النفط، فقد ناقش المشاركون أشكال العمران العابر للحدود الوطنية الذي وُجد في المدن الساحلية أوائل القرن العشرين. ومع أن المنطقة عرضت دائما عناصر عابرة للحدود الوطنية بشبكاتها العالمية الواسعة، فإن أشكال التحضر فيها عرضت تاريخياً أيضاً امتيازات للتجانس ولوحدة الهوية والطبقة. وقد أدت تلك الخصائص إلى السيطرة وإلى العزل المورفولوجي والفصل بين الناس المختلفين. إن النظر إلى التعددية في التطور التاريخي لمدن الخليج يشير إلى أنها ربما كانت دائماً عابرة للحدود الوطنية، لكنها لم تكن عالمية بالقدر نفسه.
في هذا السياق التاريخي، ناقش أعضاء فريق العمل الروابط بين الأراضي، والإقليمية، والبنية التحتية، وبناء الأمة في منطقة الخليج. ففي حالة دولة الإمارات العربية المتحدة، لعبت البنية التحتية دوراً محورياً في تحول البلاد من أراض للبدو الرحل إلى بلد ثابتة قائمة على استخراج النفط ومن ثم على التطوير العقاري. والأداة التي استخدمت لتطوير الأراضي والبنية التحتية استخدمت أيضاً من قبل الحكام السياسيين كوسيلة لبناء الأمة وشكلت جوهر الخطاب الإماراتي عن التنمية والنظام الإقليمي الحديث ونظام الدولة في نهاية المطاف. وحتى الآن يظل المطورون العقاريون الرئيسيون في دولة الإمارات العربية المتحدة – وخاصة في دبي – تحت سيطرة الحكام الإماراتيين وقوتهم، ما يسلط الضوء على الدور المميز لأصحاب العقارات جنباً إلى جنب مع الدولة في تعزيز النمو الاقتصادي وإعادة تشكيل هوية المدينة.
وبينما مولت عائداتُ النفط والغاز بشكل كبير تطورات البنية التحتية والمشاريع العملاقة في منطقة الخليج، فإن الخطوات الأخيرة المتخذة لوضع الأساس لعصر ما بعد النفط وتطوير الاقتصادات القائمة على المعرفة أثرت أيضاً في النسيج الحضري للمنطقة. يدل على هذا التحول انتشارُ “المدن الذكية”، والمدن داخل المدن، ومناطق التجارة الحرة، والمشاريع متعددة الاستخدامات، والمشاريع السياحية. وعلى الرغم من النمو الحضري السريع، لا تزال جيوب الأحياء التقليدية التاريخية موجودة في منطقة الخليج. وهذه المساحات توفر أفقاً ذا مغزى لمشاعر السكان وارتباطاتهم العاطفية وانتمائهم إلى المكان في خضم وجود المركبات المتكاثرة، والمجمعات السكنية ذات البوابات، والمنازل الكبيرة المحاطة بالأسوار العالية. فقد كشفت دراسة حالة حي من الأحياء التقليدية في مسقط أن هوية المكان تعدّ عنصراً أساسياً في الارتياح السكني، حيث يعزو السكانُ الإحساسَ بالانتماء للجماعة إلى المكان، وهذا الإحساس هو ما يعطي للمكان معنى ما. إن الجهود المبذولة لإعادة بناء الأحياء التقليدية وإعادة تأهيلها حول الخليج – مثل مشروع مشيرب في الدوحة، الذي يقوم على إعادة قلب المدينة إلى جذوره – تحمل في طياتها في الواقع خطر خسارة “معنى المكان”، من خلال ممارسة “صنع المكان” وتسليع “التقليدي”. وفي الخليج ككل، نجد أن إرهاق أو “اضمحلال الأماكن” في الأحياء التاريخية من مدينة بندر عباس التي تعاني من هبوط مادي واقتصادي قد توسع في جميع أنحاء المدينة. وفي حين تضع الحكومة خططاً للإسكان بترميم هذه المناطق، فمن المرجح أن يدفع ذلك السكانَ من ذوي الدخل المنخفض نحو هامش المدينة لتتفاقم “عشوائية” مستوطناتهم ويتقلص حقهم في المدينة.
اقرأ ملخص السيرة الذاتية للمشاركين
اقرأ حول الاجتماع الأول لفريق العمل
كتبت المقال دعاء عثمان، محلل البحوث في مركز الدراسات الدولية والإقليمية