الإمارات العربية المتحدة في البحر الأحمر وشرق أفريقيا
دعا مركز الدراسات الدولية والإقليمية إسلام حسن، محلل أبحاث بالمركز، لتقديم دراسته التي أجريت بالتعاون مع نائل شاما، وذلك في فعالية حوارية أقيمت في 11 أبريل من عام 2018. وأشار حسن إلى أنّه على مدى العقد الماضي كان للسياسة الخارجية بالإمارات العربية المتحدة أهدافًا في البحر الأحمر وشرق إفريقيا في إطار سعيها لتحقيق الأمن وبسط النفوذ في منطقة الشرق الأوسط. ولتحقيق ذلك، انخرطت دولة الإمارات بشكل مكثف في تأسيس القواعد العسكرية والحصول على حقوق التشغيل والإدارة للموانئ والمناطق الاقتصادية في منطقة البحر الأحمر وما حولها. ويصاحب هذا الغزو لواحد من أهم الممرات البحرية العالمية حضور بحري بارز في خليج عدن ومضيق باب المندب. علاوةً على ذلك، تشهد المنطقة توسعًا في وجود الشركات الأمنية الإماراتية الخاصة بهدف إجراء عمليات مكافحة أنشطة القرصنة وتوفير الحماية للسفن الإماراتية.
ويرى حسن من خلال دراسته أن السياسة الخارجية للإمارات العربية المتحدة كانت في عهد الشيخ زايد آل نهيان، الذي امتد لسنوات طويلة (1971-2004)، أقرب للمثالية منها للواقعية، فنجدها سياسة تميل إلى رد الفعل والحدّ من استباقية الأحداث، وهي السياسة التي يصفها حسن بأنها “عروبية في أوج الحركة القومية العربية في سبعينيات القرن العشرين، ثم أضحت إسلامية بقدر طفيف إبان ذروة التيار الإسلامية في ثمانينيات القرن العشرين، ثم أمست سياسة أكثر براجماتية في العقود التي شهدت تراجع الأيديولوجيات خلال تسعينيات القرن العشرين وما بعدها”. وخلال السنوات الأولى من عمر اتحاد الإمارات العربية المتحدة، الذي تأسس في عام 1971، كان على زايد مواجهة ما يبرز أمام تشكيل الدولة من تحديات عادية، فكان احتلال إيران لثلاث جزر إماراتية في نفس العام الذي اتحدت فيه الإمارات يعني أنّ الإمارات “خضعت للاختبار منذ اليوم الأول لتأسيسها”، على حد تعبير حسن.
وبعد وفاة الشيخ زايد، شهدت الإمارات خمسة تطورات رئيسة على الصعيدين المحلي والإقليمي: الثروة الهائلة التي اكتسبتها البلاد في السنوات الأخيرة، والثورات العربية التي اندلعت في عام 2011، والتنافس المحتدم مع دولة قطر، والتوتر بين الولايات المتحدة والإمارات خلال السنوات الأخيرة من إدارة أوباما وتطلعات القيادة الجديدة للبلاد.
شهد اقتصاد الإمارات العربية المتحدة نموًا كبيرًا خلال العقد الأخير. فمنذ عام 2004، تضاعف إجمالي الناتج المحلي للبلاد بأكثر من الضعف، مما وضع البلد في المرتبة الثالثة في العالم العربي من حيث إجمالي الناتج المحلي للفرد. وقد شجعت هذه القوة الاقتصادية القيادة الجديدة للسعي نحو تعزيز النفوذ السياسي بصورة متزايدة والبحث عن فرص الاستثمار الأجنبي، لا سيما في دول البحر الأحمر التي شهدت اقتصاداتها ارتفاعًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، ويتوقع لها مزيدًا من النمو مستقبلًا، وفقًا لما أكده حسن.
جدير بالذكر أن المشهد العربي قد تغير تغيرًا جذريًا منذ عام 2011، خاصة عقب اندلاع الثورات التي يصفها حسن بأنها: “صحوة عروبية تجاوزت الحدود بسهولة فتحررت قوى التغيير العميقة، وأطلق الربيع العربي موجات صادمة على جميع أركان المؤسسات الحاكمة في دول الخليج”. ووسط هذا الزخم، لم تكن الإمارات العربية المتحدة بمعزل يحول دونها والانتفاضات التي ضربت شواطئ البحرين وسلطنة عمان المجاورة، وتردد صداها داخل الإمارات نفسها. وفي هذا الصدد، يبين حسن أنّ الخوف من الآثار الجانبية المحتملة ارتفع في ظل دعاوى عاجلة تنادي بالإصلاح والمساواة، وكان ما “يقلق القيادة الإماراتية على وجه الخصوص” هو احتمالية أن تصبح حركة “الإصلاح الإسلامية” المحلية أكثر نشاطًا وتأثيرًا. ويواصل حسن مصرحًا أن هذه التطورات الإقليمية اقترنت بـ”تصدعات عميقة اكتسحت دول مجلس التعاون الخليجي”، الأمر الذي أسفر عن تجذر المنافسة واحتدامها مع دول الخليج الأخرى ومنها دولة قطر.
“صحوة عروبية تجاوزت الحدود بسهولة فتحررت قوى التغيير العميقة، وأطلق الربيع العربي موجات صادمة على جميع أركان المؤسسات الحاكمة في دول الخليج”.
كما أوضح حسن أنّ الساحة شهدت أيضًا ثلاثة تطورات متزامنة تقريبًا “سممت التحالف الاستراتيجي بين الإمارات والولايات المتحدة”، وهي: التحول الأمريكي التدريجي من منطقة الخليج إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ، واحتضان الإدارة الأمريكية الضمني للربيع العربي، والاتفاق النووي التاريخي الذي أبرم مع إيران في عام 2015. وتلقي هذه التطورات بظلال من الشك على مدى التزام الولايات المتحدة بمواصلة توفير مظلتها الأمنية طويلة الأمد فوق منطقة الخليج. علاوة على ذلك، يضيف حسن مؤكدًا أنّ تدهور العلاقات مع واشنطن أسهم في قيام الإمارات بإعادة صياغة سياستها الخارجية بشكل استراتيجي، وهو ما ظهر ملامحه بشكل أكثر وضوحًا بعد عام 2011، متضمنًا أهبة البلاد لاستخدام الوسائل العسكرية.
وقد جرى تفسير التطورات المحلية والإقليمية المذكورة أعلاه من خلال منظور “القيادة الجديدة ذات الطموح المفرط” التي تولت السلطة في عام 2004 (متمثلة في خليفة بن زايد، رئيسًا لدولة الإمارات، ومحمد بن زايد، ولي عهد أبوظبي). فيرى حسن أنّ القيادة الجديدة لها نظرة إقليمية ودولية تختلف اختلافًا واضحًا عن نظرة والدهما، إذ تميل نظرتهما لأن تكون أكثر براجماتية وواقعية وتصادمية في التعامل مع التحديات الإقليمية. لذا، فبدلًا من التركيز على الدبلوماسية والوساطة والحوار والمعونات الأجنبية – وهي الأدوات التي كان يستخدمها الشيخ زايد – سعت القيادة الجديدة إلى التأثير من خلال المشاركة العسكرية، والاستثمارات الأجنبية المباشرة الضخمة على المستوى الدولي، والوجود العسكري والبحري خارج محيط البلاد، لا سيما في البحر الأحمر وشرق أفريقيا واليمن وليبيا.
ويستطرد حسن أنّ هذا التغيير في السياسة الخارجية، الذي شهدته دولة الإمارات العربية المتحدة خلال العقد الماضي أو نحو ذلك، لم يقف عند التغيير في الوسائل (من القوة الناعمة إلى القوة الصارمة)، بل امتد أيضًا إلى التغيير في الأهداف (بالسعي لتحقيق الأمن والعمل على تعزيز النفوذ الإقليمي)، وأضاف قائلًا: “كان هذان الهدفان – الأمن والنفوذ – بمثابة الدافعين المحركين لتدخل الإمارات العربية المتحدة [من خلال الاستثمارات الاقتصادية والوجود العسكري] في البحر الأحمر وشرق إفريقيا”. وأورد حسن بأنّ المساعدات الاقتصادية التي تقدمها الإمارات العربية المتحدة قد زادت بمعدل عشرين ضعفًا بين عامي 2011 و2013. وشملت “استثمارات الإمارات الضخمة بالمال والسلاح” في منطقة البحر الأحمر تقديم معونات اقتصادية، وبناء موانئ، وتوفير خدمات بحرية وإنشاء قواعد عسكرية وبحرية.
ويرى حسن أن المنافسة الإقليمية قد احتدمت على البحر الأحمر وجزره وموانئه ومضائقه في السنوات الأخيرة بين كل من مصر وتركيا والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر، ومن المرجح أن يستمر هذا التنافس في المستقبل المنظور، وأضاف قائلًا: “لقد كان التحول الذي شهدته السياسة الخارجية الإماراتية على مدى السنوات القليلة الماضية تحولًا هائلًا، فلم يقتصر على التغيير في وسائل السياسة الخارجية، بل امتد أيضًا إلى تحديد مشاكل وأهداف جديدة للسياسة الخارجية”. ويستخلص حسن أنّ قدرة الإمارات على الحفاظ على موطئ قدمها هذا في البحر الأحمر وشرق إفريقيا رغم منافسة القوى الإقليمية والدولية وتمكنها من الحفاظ على تحالفها مع المملكة العربية السعودية ومصر، الذي سمح للإمارات بممارسة أنشطتها في مناطق لطالما كانت عمقًا استراتيجيًا للقوتين الإقليميين، أمر لن يكشف عنه سوى الزمن.
إسلام حسن هو محلل أبحاث في مركز الدراسات الدولية والإقليمية بجامعة جورجتاون في قطر. تشمل اهتمامات حسن البحثية الحالية مجال بناء الدولة في دول الخليج والسياسات المقارنة والعلاقات الدولية في غرب آسيا وشمال أفريقيا. شارك في تحرير الإصدار الخاص من مجلة The Muslim World والذي يحمل عنوان “الشباب في الشرق الأوسط” (صدر في عام 2017). تتضمن أيضًا أعماله المنشورة: “الخلافات الخليجية-الخليجية: الأسباب، القضايا، وآليات الحل” (باللغتين العربية والإنجليزية بالتعاون مع مركز الجزيرة للدراسات، نشر في عام 2015)، و”الأردن على شفا الهاوية” الذي صدر عن International Journal of Culture and History (نشر في عام 2016).
مقالة بقلم: خنساء ماريا، طالبة مساعدة في مركز الدراسات الدولية والإقليمية.