في ظلال كأس العالم لكرة القدم: الرياضات المفضلة “الأخرى” في قطر
في وقت مبكر من صباح يوم الجمعة في الدوحة، بينما يكون معظم الناس نائمين، يقوم المئات – وربما الآلاف – من الرياضيين الهواة بحمل معداتهم والخروج قبل أن ترتفع الشمس في وسط السماء وترتفع معها درجة الحرارة، حيث يتجمعون في أرض مفتوحة ويشكلون فرقًا ويلعبون رياضتهم المفضلة. بعض هذه الألعاب عبارة عن وسائل تسلية بسيطة مع الأصدقاء. والمباريات الأخرى هي جزء من بطولات أو منافسات أكبر. قيادة السيارات في أنحاء الدوحة في هذا الوقت هي محال مغلقة وطرق هادئة، ولكن أيضًا بقع من المساحات الخالية تعج بالإثارة والضوضاء في مباريات رياضية.
سوف يُغفر لك إذا ظننت أن الرياضة المعنية هي كرة القدم. لان الشعور السائد سببه أنه في غضون ثلاثة أشهر، ستستضيف قطر بطولة كأس العالم لكرة القدم للرجال فيفا 2022. ولكن على الرغم من أن قطر هي المستضيفة لأكبر بطولة كرة قدم في العالم، فإن الرياضة التي يمكن القول إن المزيد من الناس يلعبونها تتضمن كرة أصغر ومضرب.
من الصعب المبالغة في تقدير شعبية لعبة الكريكيت في قطر. فهي اللعبة الشعبية الاولى ومشاهدتها بشكل حصري تقريبًا من قبل الاشخاص من أصول جنوب آسيوية ، ولكن نظرًا لأن المهاجرين من الهند وباكستان وسريلانكا ونيبال وبنغلاديش يشكلون أكبر نسبة من السكان في البلاد – ما يقرب من 1.8 مليون أو 55٪ من إجمالي عدد السكان. فقد أصبحت الرياضة الأكثر شعبية لديهم وهي الكريكيت هي أشهر رياضة في قطر.
على الرغم من عدد الأشخاص الذين يلعبون ويشاهدون اللعبة، وعلى عكس الاهتمام الكبير الذي توليه الحكومة لكرة القدم، فإن لعبة الكريكيت في قطر هي رياضة صغيرة.
الاختلافات بين كرة القدم والكريكيت في قطر صارخة. فقد تم إنفاق مليارات الدولارات الأمريكية على تجهيز قطر لكأس العالم في كرة القدم فيفا 2022، بما في ذلك بناء 7 ملاعب كرة قدم جديدة يضم كل منها أستاد يتسع لعشرات الالاف من المشجعين. في المقابل، يتلقى الاتحاد القطري للكريكيت (QCA) ، الجهة المنظمة للعبة، مئات الآلاف من الدولارات. يبنما لاعبو المنتخب الوطني لكرة القدم هم أكثر سكان قطر احتراما، ويعيشون على رواتب سخية. بينما أولئك الاعضاء في فريق الكريكيت الوطني ليسوا محترفين حتى؛ إنهم يعملون في وظائف أخرى بدوام كامل وبالتالي يضطرون إلى التدريب في أوقات فراغهم فقط، ويقول أحدهم بانقباض: “أنا أعمل مثل آلة الصراف الآلي، 24/7” قال لي لاعب كريكيت وطني. وعلى مستوى الهواة ، ربما يكون الأمر أكثر إثارة للإنبهار: يمكن للاعبي كرة القدم الوصول إلى ملاعب مغلقة وملاعب التدريب المجهزة المعدة للفرق في كأس العالم. يبنما يلعب معظم لاعبي الكريكيت بكرة التنس على بقع من الأراضي القاحلة الحضرية ومواقف السيارات الفارغة، ويحددون خطوط الملعب بالحجارة والصنادل القديمة وزجاجات المياه الفارغة.
لماذا الفارق الكبير؟ يعتقد البعض أن الأمر سببه صعوبة جذب السكان المحليين إلى لعبة الكريكيت. فقد قال لي مسؤول مشارك في اللعبة، من باكستان ، “فقط الآسيويون يحبون هذا الشيء”. بينما يقترح آخرون أن حالة الإهمال لرياضة الكريكيت هي نتيجة لاخفاق اتحاد الكريكيت وعد فعاليته حيث استضاف بطولات دولية خاسرة وفشل في تطوير الاهتمام باللعبة محليا.
هناك مؤشرات على أن الأشياء قد تتغير. ففي ديسمبر 2021، انتخب اتحاد الكريكت القطري رئيسًا جديدًا لديه خطط طموحة تشمل إنشاء أكاديميات الكريكيت الوطنية وتنظيم مسابقات محلية جديدة تتسم بالتنافس. ولكن هناك آخرين أكثر تشككًا، حيث يرون أن إهمال لعبة الكريكيت هو انعكاس لتناقض أوسع في قطر تجاه شعوب شبه القارة الآسيوية. على الرغم من أهمية عملهم الضروري لصالح البلد ، إلا أنه نادرًا ما يتم احتضانهم كجزء من ثقافة الأمة. قال لي أحد لاعبي الكريكيت في المنتخب الوطني: “أريد أن أخدم قطر ، لكن إذا كان نظامهم لا يسمح لي بالخدمة ، فماذا عساي أن أفعل؟”
يعتبر انخفاض قيمة لعبة الكريكيت تصحيحًا مهمًا للرواية القائلة بأن قطر تنفق الآن أموالًا على جميع أنواع الرياضة، فاستثمار قطر في مجال الرياضة انتقائي. وبالإضافة إلى فحص الدوافع والعواقب المترتبة على دعم بعض الرياضات، من المهم التفكير في كيفية وأسباب التغاضي عن الرياضات الاخرى.
مقال بقلم جون مكمانوس، كاتب وزميل مشارك في المعهد البريطاني في أنقرة.
جون مكمانوس عالم أنثروبولوجيا اجتماعي وكاتب يبحث في الرياضة والهجرة والتعددية الثقافية في الشرق الأوسط، ولا سيما في تركيا وقطر. وهو مؤلف كتاب “داخل قطر: قصص من واحدة من أغنى دول العالم” (دار نشر أيكون، 2022) ، و”مرحبا بكم في الجحيم؟ البحث عن كرة القدم التركية “الحقيقية (نيكولسون ووايدنفيلد، 2018).
يمكن شراء كتابه عن قطر من هذا الرابط.
المشاركات والتعليقات على هذه المدونة هي وجهات نظر وآراء المؤلف (المؤلفين). المشاركات والتعليقات هي مسؤولية المؤلف (المؤلفين). لم يتم اعتمادها أو إقرارها من قبل مركز الدراسات الدولية والإقليمية أو جامعة جورجتاون في قطر أو جامعة جورجتاون في الولايات المتحدة، ولا تمثل آراء أو اتجاهات أو سياسات المركز أو الجامعة.