خلفية المشروع ونطاقه
تمثل القبيلة، في دول منطقة الخليج الكبرى (دول مجلس التعاون، واليمن، والعراق، وإيران)، المؤسسة الاجتماعية الأقدم، ولا تشكل العائلة الوحدة الأساسية للمجتمع فحسب، بل هي أيضاً الفاعل الرئيسي في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية المستدامة. وتحدد العلاقات الاجتماعية بالأعراف والقيم الثقافية المستمدة من الثقافة، وبناء على هذه العلاقات، تتحدد صورة التفاعل الاجتماعي مع بقية أفراد العائلة وأفراد آخرين من المجتمع. وقد أحدثت التنمية السريعة في دول مجلس التعاون (الكويت، البحرين، الإمارات العربية المتحدة، قطر، المملكة العربية السعودية، عُمان) منذ اكتشاف النفط تغييرات كبيرة في البنى السياسية والاقتصادية والاجتماعية التقليدية التي تعم المجتمعات الخليجية. أما خارج دول مجلس التعاون، تأثرت العائلات في اليمن والعراق وإيران بالصراع السياسي والحر والاحتلال الأجنبي والحرب الأهلية والثورة. وتهدف هذه المبادرة البحثية إلى اكتساب فهم أدق للتحديات التي تواجه العائلات الخليجية وكيفية انعكاس قوى التغيير الهيكلية والفكرية على الحياة اليومية للعائلات والبيوت الخليجية.
وتأثرت خصائص العائلات في دول مجلس التعاون بتطور المجتمع الحَضَري، والتحول التكنولوجي، والتقدم في التعليم، وأنماط الهجرة، والعولمة، وتغير مكانة المرأة، والتوجهات الإيديولوجية الجديدة المتعلقة بالمساواة الاجتماعية والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان. كما شهدت اليمن والعراق وإيران تغيرات في مجال العائلة رغم اختلاف المسارات السياسية فيها عن نظيرتها في دول مجلس التعاون، وبالتحديد، النزاع السياسي والحرب والاحتلال الأجنبي والحرب الأهلية والثورة. ورأى البعض أن تحولاً في الخصائص الديموغرافية للعائلة، سواء بسبب العولمة أم بسبب الصعوبات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، أدى إلى تقلص أو تراجع دور العائلة ووظائفها وسلطتها وبينتها التقليدية. وفي مواجهة هذا التهديد المُتَصوَّر للقيم التقليدية، تبحث الحكومات في منطقة الخليج عن استراتيجيات لمواجهة التحديات التي تواجه العائلة في سياق القوى العالمية المؤثرة في منطقة الخليج.
وتبني الدراسات الموجودة استنتاجاتها على البيانات السكانية، وتعمِّم النزعات على العالم العربي. إلا أن ما ينقص هذه الأدبيات البحثية هو استكشاف قيم المجتمع على أساس تحليل النظرة العامة إلى التغيير المحتمل في بنية العائلة. وتركز الدراسات حول العائلة على الاتجاهات التي يمكن ملاحظتها في الزواج والخصوبة والحياة الحَضَرية وبنية العائلة ومشاركة النساء في قوة العمل والوصول إلى التعليم ومستواه وغيرها من المعايير المرتبطة عموماً بالتحديث. وفي سياق هذه الاتجاهات الديموغرافية، ينظر إلى «العائلة الحديثة» على أنها تظهر معدلات خصوبة منخفضة، واستثماراً كبيراً في تعليم الأطفال، وبنية “نووية” للأسرة (تتألف من أب وأم وأولادهما)، بدل العائلة الممتدة، ومساواة أكبر في دور الجنسين ضمن العائلة. وفيما نجد بعض الأعمال التي تركز على بنية العائلة وغيرها من الخصائص العائلية في العالم العربي، فإن البيانات المنشورة ذات الصلة بمنطقة الخليج قليلة جداً.
وقد عرّضت عملية العولمة العائلات في دول مجلس التعاون إلى تدفق متزايد من الأفكار والتكنولوجيا ورأس المال والناس، ما أثر على وظائف وأدوار وسلطة وبنية العائلة وأفرادها. فقد قلّلت الثورة النفطية، على وجه الخصوص، من الوظائف التقليدية للعائلة الخليجية، إذ قدّمت هذه الثروة خدمات اجتماعية عامة وافرة وإعانات وحوافز مالية للمواطنين. كما أدى الاتجاه السريع نحو التصنيع وتطوير البنية التحتية إلى تدفق كثيف للعمالة الأجنبية، ما سبّب مخاوف لدى مواطني دول مجلس التعاون بشأن أصالة العائلة الخليجية، وزرع لديهم قلقاً من أن تصبح العائلة الخليجية عرضة للتآكل بل ولخسارة التقاليد العائلية المحلية المتماسكة. وقد أتاحت الثروة المتعاظمة للعائلات الاعتماد على عمال المنزل المهاجرين الذين أعادوا تشكيل الحياة العائلية، ومسؤوليات أفراد العائلة.
وتتأثر التنشئة الاجتماعية للأطفال الذين يترعرعون في مجتمعات دول مجلس التعاون المعاصرة بما يلي: التكنولوجيا، والإنترنت بشكل خاص؛ والتعليم، ولا سيما المناهج ووسائل التعليم المستوردة من الغرب؛ والعاملون في المنازل، الذين يتولون غالباً جزءاً من دور الوالدين. ومع انتشار الهواتف النقالة، والقنوات الفضائية، والإنترنت، يتعرض الأطفال إلى مصادر جديدة للمعلومات قد تشكل تحدياً لسلطة آبائهم والأكبر منهم سناً، وتغير العلاقات السلطوية في العائلة. كما يتزايد الانفصال بين الأجيال، من دون شك، إذ يواجه الأطفال، الذين يتعلمون وينشؤون في مجتمع متغير، صعوبات في التواصل مع الأجيال الأكبر، التي نشأت في زمن هيمنت فيه الأنظمة التقليدية.
وتتميز كل من اليمن والعراق وإيران بميزات فريدة، إلا أن الدول الثلاث شهدت تغيرات متشابهة في البيئتين السياسية والقانونية، بين الزمن الذي سبق الصراع والزمن الذي تبعه في كل من هذه الدول. حيث شهدت كل من هذه الدول مرحلة سياسة علمانية اجتماعية أعطت النساء قدرة مقبولة على المساهمة في المجتمع خارج المنزل. كما شهدت كل من هذه الدول تحولاً في السياسات عبر تواريخها، بما في ذلك فترات تركت أثراً اجتماعياً عميقاً، كالحرب الأهلية والتوحيد، والحرب والعقوبات الاقتصادية، والتغيير الاجتماعي والثورة. وتحرّكَ الفاعلون المحافظون في هذه المجتمعات ضد ما يمكن أن يُنظَر إليه على أنه تحديث للعائلة، ما أدى غالباً إلى حلول نظم تشريعية مبنية على الشريعة الإسلامية محل القوانين العلمانية السابقة.
ليس المهم فقط دراسة خصائص العائلات الخليجية وآثار القوى العالمية عليها، فمن الحتمي أيضاً أن يؤخذ في الحسبان واقع أن هذه العائلات قد تحافظ على اتباعها القوي للعادات والتقاليد والقيم القبلية والعشائرية، رغم الضغوط الشديدة الماثلة في المجتمع الخليجي المعاصر. في الواقع، يرى الكثيرون أن التغير الاجتماعي السريع والصعوبات الاجتماعية والاقتصادية والأزمات السياسية تدفع بمسألة العائلة إلى المقدمة، ولا سيما بالنسبة للفاعلين المحافظين داخل المجتمع. وكما هو مذكور أعلاه، تشهد الكثير من الدول نكوصاً نحو القيم المحافظة مضاداً «لتحديث» العائلة العربية. ولا بد من دراسة تحولات بنية العائلة إلى جانب انتقال القيم التقليدية من جيل إلى آخر. والأهم من النظر في التغيرات الديموغرافية للعائلة، النظر في مدى هيمنة البنى العائلية والعشائرية التقليدية، وإن كانت هذه الهيمنة حقيقة، فلا بد من استكشاف أسباب ذلك وأثره على حضور هذه المجتمعات في السوق الدولية، التي رسخت دول الخليج فيها مكانتها كفاعل أساسي.
وليست الموضوعات المُجمَلة أعلاه إلا لمحة سريعة على حجم البحث المطلوب لاكتساب فهم أفضل للتحولات التي تشهدها العائلات الخليجية بتأثير القوى العالمية. وفي إطار سعيه لسد بعض من هذه الثغرات، يطلق مركز الدراسات الدولية والإقليمية مبادرة بحثية متعددة التخصصات العلمية بعنوان «العائلة الخليجية». وتهدف هذه المبادرة، في المحصلة، إلى استكشاف المسائل المتعلقة بالموضوع من خلال تمويل اقتراحات مبنية على أبحاث ميدانية مدعومة بمعلومات نظرية دقيقة. لقراءة المزيد عن كيفية تقديم اقتراح بحث، يرجى الضغط على هذا الرابط.
مجالات البحث:
- هل هناك بنية نمطية للأسرة في منطقة الخليج؟ إذا كان الأمر كذلك، ما هي هذه البنية؟ كيف تشكلت الأدوار الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للأسرة في المجتمع من قبل القوى العالمية؟ ماذا يعني هذا للحياة الأسرية اليومية في الخليج؟
- هل تبدو الاتجاهات الديموغرافية للأسرة في المجتمعات الخليجية موازية لتلك التي في العالم العربي الأوسع؟ إذا لم يكن كذلك، ما هي العوامل التي تسهم في تكوين خصائص الأسرة الخليجية؟ ماذا تخبرنا هذه الخصائص عن القيم المجتمعية والمثل العليا للأسرة في الخليج؟
- من وجهة نظر سياسية، كيف تستخدم الحكوماتُ الخليجية السياسةَ والقانون لتخفيف ما تعدّه التأثير السلبي للعولمة على الأسرة الخليجية؟ ما هي أبرز الخطابات المحلية والوطنية والعالمية التي تقدم تعريفات للأسرة وقيمها المثالية؟ كيف أثرت المنظمات الدولية على سياسة الحكومة والقانون المتعلقين بالأسرة، والزواج، والمواطنة، وما إلى ذلك؟ كيف استجابت الأسر الخليجية لهذه الخطابات وتعاملت معها في الحياة الأسرية اليومية؟ هل يهدف سلوك الأسرة، إلى جانب السياسات العامة، إلى التأثير على تلك السلوكيات؟
- هل أدى التوسع في التصنيع والتحضر والتعليم المدعوم من الدولة إلى تقويض القبائل والعائلات الممتدة وسلطة العائلة الأبوية؟ هل إعادة توزيع ثروات الدولة تفترض أن الوظيفة الإنتاجية للأسرة تتحقق من خلال توفير الخدمات الاجتماعية السخية، والإعانات، والحوافز المالية الأخرى؟ كيف تقوم شبكة أمان الدولة بتكوين الأجيال الشابة اجتماعياً وغرس القيم المتعلقة بالعمل الجاد وتحقيق المكاسب المالية لدى هذه الأجيال؟
- كيف تتغير هياكل صنع القرار داخل البيت مع زيادة فرص الحصول على المعلومات من مصادر خارجية مثل: المدرسة ووسائل الإعلام والإنترنت والتلفزيون، ومراكز التسوق والأماكن العامة الأخرى؟ كيف أثرت الفجوة بين بين أجيال ما قبل النفط وأجيال ما بعد النفط على العلاقات العائلية؟ كيف تم تعديل تربية الأطفال مع وجود عاملات المنازل في المنزل؟
- كيف أثرت صعوبات الحياة السياسية والاقتصادية وعنف الحياة في اليمن على الأسر والعائلات اليمنية؟ كيف تغير الوضع المالي والاجتماعي والسياسي للأسر التي ترأسها إناث في اليمن والعراق في السنوات الأخيرة؟ هل تعكس السياسة الاجتماعية في إيران سلوك الأسر الإيرانية المعاصرة؟
- هل تمكنت العائلات الخليجية من الحفاظ على عاداتها القبلية التقليدية وقيمها في مواجهة العولمة؟ هل العادات والقيم التقليدية في تضاد مع العولمة أم يمكن أن تتعايش معها؟ كيف توفق الأسر الخليجية بين القيم التقليدية والقيم العالمية في حياتها اليومية؟ هل بمقدور القيم التقليدية الاستمرار في الانتشار في المجتمع الخليجي المعاصر؟ إذا كان الأمر كذلك، كيف يتم ذلك؟ وإذا لم يكن، ما هو الثمن؟
- مع تزايد نسبة كبار السن في إجمالي عدد السكان، وارتفاع العمر المتوقع الناجم عن التنمية، تغدو رعاية الأقرباء للمسنين أكثر فأكثر مدعاة للقلق. فالعائلات الممتدة هي التي تعتني بكبار السن في المنازل تقليدياً، ولكن مع تزايد انتشار الأسر النووية وتزايد تكاليف المعيشة الحضرية، صار على الأسر أن تكافح لتوفير متطلبات مسنيها. كيف تتمكن العائلات في الخليج من العناية بأقاربها من كبار السن؟ وكيف يؤثر شكل تلك الرعاية على حياتها اليومية؟
كتبت المقال إليزابيت وَنوشا، مديرة مشاريع في مركز الدراسات الدولية والإقليمية