خلفية المشروع ونطاقه
لقد تناولت مجموعة متزايدة من الأدبيات ضمن تخصصات العلوم الاجتماعية على مدى العقود القليلة الماضية مفهوم “فشل الدولة”. وفي البداية، ركزت المنح الدراسية على الأداء الاقتصادي الضعيف لبعض الدول، وإبراز نقاط ضعفها في تحقيق النمو الاقتصادي الفعال وتعزيز التنمية. وقد بينت مؤشرات الأداء سوء أداء الهياكل المؤسسية وعدم كفاءتها، والقدرة المحدودة للدول الضعيفة على توفير الرفاه الطبيعي والمادي لمواطنيها. كما أضاف الخطابُ التنموي الناشئ، الذي عززه حماس المنظمات الدولية التي تبنت مفهوم نقاط الضعف الكامنة التي “يمكن حلها”، وزناً لهذه الفئة من المنح الدراسية. وتم تنفيذ برامج المعونات والمساعدات على أساس فكرة ضعف الدولة هذه، وعلى افتراض أن “نقاط الضعف” الداخلية يمكن أن تخفَّف بطريقة ما من خلال مبادرات تنموية مدعومة من الخارج وموجهة توجيهاً محدداً. وخُصصت الجهود الثنائية والمتعددة الأطراف لتحويل هذه الدول الضعيفة من كيانات يفترض أنها على حافة الفشل إلى كيانات صحية قابلة للحياة.
واجهت هذه التعريفات القائمة على الأساس الاقتصادي لضعف الدولة تحديات نقدية جدية خلال العقدين الماضيين، حيث اعتبرتها الجهودُ العلمية التالية مرغوبة لأغراض تحليلية فقط. وقد تركَّز المزيد من الاهتمام حول فشل الدولة مؤخراً على بعض القضايا الفرعية الأخرى المتعلقة بقدرات الدولة وضعفها، وتم توسيع نطاق المناقشة في اتجاهات مختلفة. وأُعير اهتمام أكبر بكثير للظروف السياسية الأكثر عمقاً، مثل شرعية الدولة وقدرتها على النفاذ إلى المجتمع على نحو فعال، وقدرتها على ضمان كل من الأمن الخارجي والداخلي. لم تعد الدول الضعيفة هي فقط تلك التي تواجه قيوداً من حيث الموارد والجدوى الاقتصادية، بل أيضاً تلك التي تحكمها أنظمة سياسية هشة وغير متماسكة أو مختلة وظيفياً. ويركز معظم الأدبيات حول الدول الضعيفة الآن على الهشاشة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ككل متكامل يمارس الضغط على الدولة إلى حد نشوب الصراع الداخلي أو ربما إمكان الانهيار التام.
ضمن هذا التعريف الموسع لمفهوم الدولة الضعيفة، قد يبدو عدد متزايد من البلدان في خانة الفشل، وبخاصة في أفريقيا، ولكن أيضا في منطقة الشرق الأوسط الكبير. هذه الموجة من الاهتمام في السنوات الأخيرة بدراسة الدول الضعيفة والمفككة صارت جزءاً لا يتجزأ من الخطاب الأوسع المتعلق بالأمن. فغالباً ما اعتُبرت الدول الهشة من منظور العلاقات الدولية “خطراً” سياسياً على بقية العالم وتهديداً للأمن الدولي، بنشرها عدم الاستقرار لجيرانها، وخلقها ملاذات آمنة محتملة للإرهابيين ذوي الأجندات العالمية. وبالنسبة لهؤلاء تُدرس السياسة الداخلية والصراع والتحريض الداخلي والحرب الأهلية بوصفها ناجمةً كلها عن الضعف والفشل أو عن انهيار الدولة المعنية.
على الرغم من التركيز النشط للبحث العلمي والسياسات على دراسة الدول الضعيفة، كانت هناك تحديات محدودة لمدى صحة تلك المفاهيم الغامضة التي تتطور باستمرار حول الدول الضعيفة والفاشلة والمنهارة. هذه التعريفات للدول الهشة إشكاليةٌ ومتنوعة، وتحتاج لمزيد من التركيز والاستكشاف بشأن ما المقصود بالضبط بقوة الدولة وضعفها. لقد أصبحت المصطلحات في حد ذاتها مسيسة بالشكل الذي يتم تداوله في الخطاب العالمي، وتصنيف دولة ما على أنها دولة ضعيفة غالباً ما يحمل في طياته العديد من الآثار السلبية للدولة المعينة. فلدى الدول الضعيفة قدرات أقل على تأكيد السيادة على الساحة الدولية، بينما لها في واقع الأمر سيادة تم اختبارها مراراً وتكراراً من الناحيتين الاقتصادية والسياسية. كما أن هناك حاجة إلى مزيد من الدراسة لعدد من “المؤشرات” المعتمدة لتصنيف الدول الفاشلة والضعيفة.
وعلى الرغم من توسع نمو مؤسسات الدولة وانتشارها في جميع مجتمعات الشرق الأوسط، فقد كشفت الأحداث الأخيرة عن الهشاشة المتأصلة في جميع أنحاء المنطقة التي كان يعتقد أن دولها ” قوية” ومتضخمة. وفي حين تصنَّف بعض دول المنطقة (اليمن، السودان) بانتظام كدول ضعيفة أو فاشلة من قبل الباحثين والمحللين، نادراً ما اعتُبرت دول أخرى (ليبيا، تونس، مصر) كذلك. وفي الإقليم الأوسع تعرضت بعض الدول لهشاشة مستمرة فاقمتها الصدمات المتكررة الناجمة عن العمليات غير المناسبة وغير المكتملة لإضفاء الطابع المؤسسي عليها (باكستان، لبنان، السودان، اليمن) أوعن الغزو والاحتلال الأجنبي (العراق وأفغانستان)، أو عن الحروب الأهلية (أفغانستان، العراق، ليبيا، لبنان) أوعن الانتفاضات الشعبية ضد الأنظمة القمعية (تونس، مصر، البحرين).
تبدأ المبادرة البحثية لمركز الدراسات الدولية والإقليمية حول الدول الضعيفة في منطقة الشرق الأوسط بالتحليل النقدي للتعريفات والمصطلحات الحالية للدول الضعيفة والهشة، والتدقيق في الآثار السياسية المترتبة على الخطاب السائد في محيط الشرق الأوسط الكبير. وتتناول الأبحاث بالدراسة أيضاً الأسباب والعواقب المحلية والإقليمية والدولية لـ “هشاشة” الدول من أفغانستان وباكستان شرقاً إلى السودان وليبيا في الغرب. وبتوظيف وجهات نظر متعددة التخصصات، سوف ندرس الأسباب والآثار المترتبة على استخدام مفاهيم هشاشة الدولة في جميع أنحاء المنطقة بالعلاقة مع مجالات مثل السياسة والأمن، الاقتصاد والموارد الطبيعية، العلاقات داخل الدول وفيما بينها، الهجرة والحراك السكاني، وكذلك الاقتصادات السياسية الإقليمية والعالمية الأوسع.
موضوعات البحث
المجالات المتعلقة بالموضوع
- خطاب الدولة الضعيفة في الشرق الأوسط
- الدول الهشة في عالم معولم
- الهيمنة الخطرة: أمن الولايات المتحدة في الشرق الأوسط
- تشكل الطبقات والصراع الطبقي في الشرق الأوسط
- إعادة بناء الدول الضعيفة من الخارج: مجتمعات الشتات وتنمية الوطن
- توزيع المعونات وفعاليتها في الدول الضعيفةدراسات الحالة
- الحرب الأهلية والتصدع الاجتماعي في السودان
- الاقتصاد غير الرسمي والاقتصاد الموازي في أفغانستان
- الهوية والتماسك في باكستان
- صمود الأنظمة الاستبدادية في الدول الريعية الهشة: حالة ليبيا
- استراتيجية حزب الله الجغرافية- السياسية والاستقرار في لبنان
- سياسات التحضر وإعادة البناء في عراق ما بعد الحرب
- خطر الهشاشة: اليمن والأمن الإقليمي
- التدخل في الدول الضعيفة: دور المنظمات الإقليمية العربية
- تشكُّل الدولة في اليمن
- سورية: الدولة القوية/ الدولة الضعيفة
- بناء المؤسسات في باكستان
كتبت المقال زهرة بابار، مدير البحث المساعد في مركز الدراسات الدولية والإقليمية