خلفية الموضوع ونطاقه

لا تزال قضية ندرة المياه تمثل أحد التحديات الحرجة التي تواجهها منطقة الشرق الأوسط. ويمكن القول إن المنطقة هي الأكثر فقراً مائيا في العالم، وقد أدت تأثيرات التغيرات في المناخ والاستهلاك والممارسات الزراعية، فضلاً عن سوء الإدارة في توزيع المياه إلى تفاقم المخاوف بشأن مستقبل موارد المياه في الشرق الأوسط. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن 18 دولة من بين الثلاثين دولة التي ستعاني من شح بالمياه بحلول عام 2025 تقع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.هذه التقديرات المتشائمة تثير المخاوف إذا ما اخذنا في الاعتبار الدور الأساسي الذي تقوم به المياه في سد الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية مثل الطعام والطاقة والنظافة والصناعة. تعتبر المساواة في الحصول على موارد مائية شحيحة داخل الدولة شرطًا اساسيا إذا كانت المنطقة ستدعم السكان الأصحاء والآمنين في الدول الهشة. وتعتبر آليات ضمان المساواة في الحصول على المياه وتخفيف التهميش المتوقع للمجتمعات المختلفة أمرا ضروريا داخل الدول التي تعاني من قضايا مزمنة من عدم الاستقرار.ركزت الأبحاث الأكاديمية حول المياه في الشرق الأوسط على توسيع فهم كيفية وتوقيت تأثير ندرة المياه في الصراعات والحروب الأهلية وتأثرها بها، وتسليط الضوء على الظروف في بلدان مثل اليمن التي تواجه تحديات هائلة عندما يتعلق الأمر بالمياه.

وبينما تتضح الحجج على امكانية استخدام الماء كسلاح للحرب، وأن هذا يحدث بالفعل، فإن حالة اليمن تُظهر أيضًا أن المياه هي في كثير من الأحيان ضحية حرب. ويرجع السبب الرئيسي في فظائع وباء الكوليرا المنتشر في اليمن في الفترة من عام 2016-2017 إلى سوء المرافق الصحية وعدم إمكانية الوصول إلى المياه النظيفة، وقد وضع العواقب البعيدة المدى لشح المياه في قلب النزاع بشكل واضح.

قبل أن تبدأ الحرب الأهلية اليمنية، كان ملايين المواطنين اليمنيين يواجهون عواقب ضغوط مائية كبيرة، لكن الصراع المستمر والحرب قد زادوا من تدهور الوضع الآن إلى مستوى أكثر خطورة.

بالإضافة إلى التركيز على الظروف الاجتماعية والسياسية المحلية وموارد المياه، كان هناك بحث عن تحديات المياه العابرة للحدود في الشرق الأوسط. وقد تركز جزء كبير من العمل الحالي على أنظمة الأنهار الثلاثة المشتركة الأساسية في المنطقة؛ وهي حوض نهر الأردن، وحوض نهر النيل، وحوض نهري دجلة والفرات.

خصص الخطاب العلمي لاستكشاف العلاقة بين سياسات المنطقة وتخصيص موارد المياه من حيث كيفية تأثير الاثنين على بعضهما البعض، لا سيما في مجالات الخصومات السياسية المعقدة مثل بلاد الشام، وكيف أن المنافسة على موارد المياه المشتركة تثير الشكوك وغياب الثقة. وتزيد من سوء العلاقات بين الدول.

إن الفكرة القائلة بأن المياه والأمن مرتبطان ومتداخلان بشكل جوهري يؤيدها كل من العمل البحثي والتركيز على السياسات، ولكن لا يوجد دليل قاطع على أن تقاسم موارد المياه الشحيحة يؤدي دائما إلى اندلاع الصراعات بين الدول.

في حين أن بعض الدراسات الأكاديمية تشير إلى أن المنافسة على المياه تعمل على تقويض التعاون بين الدول ويمكن أن تكون دافعاً للنزاع بين الدول، فليس لدينا حتى الآن “حروب مياه” رئيسية في المنطقة. في الواقع، تؤكد هيئة منافسة من الدراسات أن المياه مورد شديد التعقيد، يؤدي في الغالب إلى إقامة علاقات تعاونية، ويمكن في بعض الأحيان أن يعمل على إصلاح بعضا من أكثر حالات العلاقات بين الدول تعقيدا واختلالا.

سعى مركز الدراسات الدولية والإقليمية إلى المساهمة في هذه النقاشات الجارية حول المجتمع والمياه والسياسة من خلال مبادرته البحثية الجديدة حول المياه والنزاعات في الشرق الأوسط. الهدف من هذا المشروع هو دراسة العلاقة المعقدة بين موارد المياه والصراع المدني ضمن الأنظمة السياسية الهشة وكذلك بين الدول المختلفة في المنطقة.

إضافة إلى دراسة النزاعات حول المياه من داخل السياقات الداخلية للعراق واليمن وسورية وليبيا وفلسطين -وجميعها تشهد حاليًا مستويات عالية من عدم الاستقرار، يأمل مركز الدراسات الدولية والاقليمية، من خلال هذا المشروع، في إلقاء مزيد من الضوء على كيف اثرت الصراعات على موارد المياه على العلاقات السياسية بين مختلف البلدان في المنطقة.

يهدف هذا المشروع إلى الجمع بين مجموعة متنوعة من وجهات النظر المتعددة التخصصات التي تضيف رؤية عميقة لهذا الموضوع. وسيتناول المشروع معالجة دور المياه في سياق التحولات الاقتصادية والسياسية التي يمر بها الشرق الأوسط حاليًا وسيستمر في خوض تجاربها في المستقبل القريب.

بالنظر إلى الأمم المتأصلة في الحروب والصراعات الأهلية، مثل سورية واليمن، نأمل في تطوير فهم إضافي للدور الذي تلعبه ندرة المياه في أصل هذه الصراعات. هل الماء كمصدر للمنافسة يساهم في اشعال هذه النزاعات الأهلية، وما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه المياه في إعادة الإعمار في مرحلة ما بعد الحرب في هذه المجتمعات؟

في هذه الأنظمة الهشة، هل يرتبط توفير الأمن المائي بإضفاء الشرعية على السلطة وما هي الآثار المترتبة على هذه العلاقة من أجل إعادة بناء السلطة المركزية والمجتمع؟

وقد يتضح ارتباط سؤال مشابه له نفس القدر من الأهمية بالنسبة لبلدان الخليج التي تسير في الوقت الحالي على طريق التحول الاجتماعي والاقتصادي بشكل جذري في محاولة للحد من الاعتماد على النفط. بالنسبة لهذه الدول الريعية، حيث تكون الشرعية السياسية مستمدة إلى حد كبير من الموارد المجانية أو المدعومة بشدة من الموارد الحيوية (الماء والغذاء والطاقة) للسكان، ما هي العلاقة بين استدامة موارد المياه وشرعية الحكومة؟

كيف يؤثر غياب السيادة على المياه على الاستقرار المحلي في الدول الفقيرة مائيا، وكيف يؤثر الامساك بالسيطرة الكاملة على موارد المياه على تعاملات الدولة مع جيرانها؟يسعى المركز أيضًا إلى التعرف على مستقبل توزيع حصص المياه في سياق عدم المساواة في الشرق الأوسط، سواء كان بين الدول أو داخل الدولة نفسها. بالنظر إلى التاريخ الحديث للمنطقة مع الانتفاضات العربية لعام 2011 وما بعدها، كان عدم المساواة داخل الدول والمنطقة ووجود انطباعات قوية عن عدم المساواة امورا حاسمة في تأجيج الاضطرابات الواسعة النطاق في جميع أنحاء المنطقة.

هل تهدد إدارة المياه كمورد بمتابعة أنماط مماثلة من عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية التي أدت إلى اضطرابات مدنية واسعة النطاق؟ هل هناك شيء فريد من نوعه حول المياه كمصدر يتيح لها اتباع مسار التوزيع العادل داخل الدول وكذلك بين الدول في منطقة الشرق الأوسط ككل؟

علاوة على ذلك، فيما يتعلق بالسياسات المائية في المنطقة، يجب التعرف على مدى احترام المعاهدات السابقة وبأي طرق، إن وجدت، حيث تتعامل الحكومات مع قضايا موارد المياه بشكل مختلف عن الموارد الاخرى مثل النفط مثلا؟ وسيقوم المركز خلال هذا المشروع بدعم العلماء الذين يدرسون العلاقة بين السياسة والمياه في العراق واليمن وليبيا وسوريا من أجل توفير فهم أكبر حول ما إذا كانت هناك رابطة قابلة للتبرير بين المياه والصراعات.

مقال بقلم سحر ناقفي – متدربة بحثية خلال فترة الصيف، 2017