خلفية المشروع ونطاقه

منذ بداية القرن الحادي والعشرين، أعادت عوامل عالمية وإقليمية ومحلية مختلفة تعريف العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية لدول الشرق الأوسط على المستويين الإقليمي والدولي. وتتفاوت هذه العوامل بين عدم الاستقرار في النظام العالمي والأزمات الاقتصادية العالمية والحروب والانتفاضات التي هزت علاقات القوة وأعادت تعريف العلاقات الدولية والإقليمية في الشرق الأوسط.

ركز التراث البحثي في العلاقات الدولية في الشرق الأوسط على العواقب المترتبة على المكائد البريطانية أولا ثم الأمريكية، والمنافسات والخصومات الإقليمية، وأهداف السياسة الخارجية، والأمن، والمساعدات الخارجية، والعولمة، وتشكيل التحالفات، والمنظمات الدولية والإقليمية.

في عام 2008، أطلق مركز الدراسات الدولية والاقليمية مشروعًا بحثيًا لعدة سنوات غطى معظم الموضوعات المتعلقة بالخليج الفارسي، مما أدى في عام 2011 إلى إصدار مطبوعة السياسة الدولية للخليج الفارسي. لكن دور وأهمية سياسة القوة الوسطى لا يزال موضوعًا لا يحظى بالقدر الكافي من البحث في العلاقات الدولية في الشرق الأوسط. وابتداءً من العام الدراسي 2016-2017، يطلق مركز الدراسات الدولية والاقليمية مبادرة بحثية جديدة تستكشف سياسة القوة الوسطى في المنطقة.

وتركز هذه المبادرة تحديدًا على مفهوم القوى الوسطى في سياق الشرق الأوسط، وأسباب صعود وانحدار القوى الوسطى في المنطقة وعواقبه، والعلاقة بين السياسة الداخلية والسياسة الخارجية للقوى الوسطى، وتصوراتها الذاتية على أنها القوى المتوسطة العالمية والقوى الإقليمية الكبرى، وتحويل التحالفات والتوترات مع القوى الكبرى ومع بعضها البعض.

تعّرف العلاقات الدولية القوى الوسطى بأنها تلك البلدان التي ليست في قمة التسلسل الهرمي للقوة الدولية ولا في أسفله. ولأنها غير قادرة على متابعة العديد من برامجها وخططها بمفردها، فإنها غالباً ما تتبنى اساليب ومقاربات متعددة الأطراف من خلال المشاركة النشطة في المؤسسات الدولية والإقليمية ومن خلال المشاركة في عمليات بناء السلام والبعثات الإنسانية والتحالفات والتجمعات الأمنية.

عقب انتهاء الحرب الباردة، كان الجيل الأول من القوى الوسطى لا يميل لمواجهة قوى عظمى بوجه عام ويسعى للاستقرار ضمن النظام الدولي. بينما صار الجيل الثاني من القوى الوسطى أكثر حزما في سياساته الخارجية، ويتحدى بشكل صريح هيمنة القوى العظمى القائمة، ليس على المستوى العالمي على وجه التحديد، بل على نحو أكثر تحديدا في المواقع القريبة منه مباشرة.

تستكشف هذه المبادرة البحثية القوى الوسطى في الشرق الأوسط من خلال دراسة المستويات المتفاوتة للسلطة المادية، والجوانب السلوكية، والخصائص المثالية لست قوى إقليمية متوسطة الحجم، وهي تركيا وإيران ومصر والجزائر وإسرائيل والمملكة العربية السعودية. إضافة إلى القوى الوسطى الطموحة، مثل قطر والإمارات العربية المتحدة. وحتى الآن، لم يتم استكشاف العلاقات الدولية في الشرق الأوسط من خلال عدسة سياسات القوة الوسطى.

يستكشف هذا البحث كيف ولماذا تشارك القوى المتوسطة في الشرق الأوسط في التجارة العالمية، وفي المؤسسات الدولية والإقليمية، والانخراط في عمليات بناء السلام والبعثات الإنسانية، وتشكيل التحالفات، والانضمام إلى التجمعات الأمنية؟ وكيف تتفاعل مع القوى العظمى ومع القوى المتوسطة الحجم الأخرى، ومع المنافسين الإقليميين؟ وما هي العوامل التي تساهم في صعود وتراجع القوى الوسطى في الشرق الأوسط؟ سيساعد تناول هذه الأسئلة وغيرها من الأسئلة المماثلة سيساعد في سد الثغرات الموجودة في الأدبيات الناشئة عن العلاقات الدولية في الشرق الأوسط، ولا سيما حول سياسات القوة الوسطى. تتناول هذه المبادرة البحثية موضوعًا يتزايد أهميته، ولكنه مهمل بحثيا إلى حد كبير، في مجال دراسات الشرق الأوسط.

مقال بقلم إسلام حسن، محلل بحثي بمركز الدراسات الدولية والاقليمية