خلفية المشروع ونطاقه

خلفية المشروع ونطاقه

تعدّ نسبة المهاجرين إلى المواطنين في شبه الجزيرة العربية من أعلى نسب المهاجرين في أي مكان آخر في العالم. فما يقرب من نصف سكان المنطقة حالياً من الأجانب. وتبلغ نسبة غير المواطنين في دول مثل قطر والكويت والإمارات العربية المتحدة نحو ثلاثة أرباع السكان. والهجرة إلى المنطقة ليست ظاهرة جديدة. فبدءاً من ظهور الاقتصاد النفطي في خمسينات القرن العشرين، تتزايد الهجرة باطراد على مدى عقود لتلبية احتياجات التنمية المزدهرة لدول مجلس التعاون الست. لقد أدت التنمية المكثفة لصناعة النفط والغاز الإقليمية إلى تعاظم الحاجة للعمالة التي لا يمكن لسكان الخليج المحليين محدودي العدد توفيرها. فالمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت وقطر وسلطنة عمان والبحرين كلها بحاجة لإمدادات ثابتة من العمال الأجانب لتلبية الطلب المتزايد على قوة العمل. وتشير الأبحاث إلى أن دول المجلس كانت تستوعب أكثر من سبعة ملايين من المهاجرين قبل حرب الخليج عام 1991؛ وبحلول عام 2008 ارتفع هذا العدد إلى ما يقرب من ستة عشر مليوناً.

كان الطلب على قوة العمل في دول مجلس التعاون يلبى في البداية من الدول العربية المجاورة. وكانت التدفقات الإقليمية للعمال القادمين من الدول العربية ذات الكثافة السكانية العالية مثل اليمن ومصر والأردن وسورية والعراق هي السمة السائدة في مشهد الهجرة في الخليج خلال الستينات والسبعينات، كما كان للاجئين الفلسطينيين وجود واضح في معظم الدول الست، حيث جذبتهم الفرص الاقتصادية المتوفرة في تلك الدول. وكانت الهجرة فيما بين دول المجلس أقل أهمية على مدى عقود، باستثناء بعض العمانيين والسعوديين الذين سعوا نحو فرص العمل في الدول المجاورة الأكثر ثراء. وعلى مدى العقد الماضي كان البحرينيون أيضا أكثر عرضة للتحرك خارج وطنهم لتحسين فرصهم الاقتصادية في أماكن أخرى في المنطقة.

لقد بَدَت ظاهرة الهجرة البينية العربية، في البداية على الأقل، على أنها تبادل للمنفعة  والتكافلية رحبت به الحكومات العربية في كل من الدول المستقبلة والمرسلة للعمالة على حد سواء. كان أحد أجزاء منطقة الشرق الأوسط يواجه نقصاً يائساً في القدرة على تلبية حاجة سوق العمل، بينما كانت دول المنطقة الأخرى، التي تعاني من السبات العميق لخطط التنمية الاقتصادية، ومن تورم السكان، بحاجة ماسة لصمام الأمان الذي يقدمه التوظيف في دول الخليج. فمنذ ستينات القرن الماضي حتى ثمانيناته، كانت الدول المستقبلة للعمالة من دول مجلس التعاون تستقبل، بشكل غير رسمي، من المهاجرين العرب أكثر من غير العرب، رغم انها لم توقع اتفاقات ثنائية بشأن الهجرة مع الدول العربية المرسلة. وخلال السبعينات غالباً ما أثير مفهوم سوق العمل العربية المتكاملة، ولاسيما من جانب البلدان المرسلة، وكذلك الدعوات للتداول الحر للعمال .

لكن هذا لم يدم طويلاً. فبحلول نهاية الثمانينات وبداية التسعينات، شهدت دول مجلس التعاون تحولاً ديموغرافياً في تركيبة السكان المهاجرين، حيث انخفضت نسبة العرب بشكل كبير وزاد عدد المهاجرين الآسيويين زيادة هائلة. والتدفقات الحالية من هجرة اليد العاملة إلى المنطقة  تأتي في الغالب من جنوب وجنوب شرق آسيا.

تتميز الهجرة العربية إلى الخليج بخاصيتين: العوامل الاقتصادية الجاذبة المتصلة بالاقتصاد الهيدروكربوني في المنطقة، والعوامل الطاردة الناشئة عن الصراعات الإقليمية، والفرص الاقتصادية المحدودة، وعدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. فالصراع العربي الإسرائيلي، إضافة إلى حروب الخليج الأولى والثانية والثالثة، قد تضافرت لدفع موجات مستمرة من المهاجرين العرب الباحثين عن الأمن الوظيفي والمزيد من الازدهار في دول الخليج. وقد أظهرت أنظمة دول مجلس التعاون وصناع سياساتها مبدئياً تفضيلاً ملحوظاً للوافدين العرب على غيرهم من العمال المهاجرين المحتملين. فنظراً للانتماءات اللغوية والعرقية والدينية، كان من المفترض أن وجود المهاجرين العرب سيكون أقل تأثيراً في عدم الاستقرار، ويضع ضغوطاً أقل على الوسط الاجتماعي والثقافي المحلي. غير أن وجهات نظر حكومات الدول النفطية بهذا الشأن قد تحولت تحولاً كبيراً في غضون بضعة عقود، إذ صارت الأنظمة الخليجية تواجه قلقاً متزايداً إزاء التهديد المحتمل الذي يشكله المهاجرون العرب.

يكمن الخطر الذي يشكله المهاجرون العرب بوجه خاص في قدرتهم على الاندماج بسهولة أكبر داخل المجتمع الخليجي. فتحدثهم اللغة نفسها وتقاسمهم تقاليد متشابهة مع المواطنين يعني قدرة أكبر على الاندماج. كما يعني ذلك قدرة أكبر على الترويج لمفاهيم اجتماعية وسياسية في صفوف المواطنين، قد لا تناسب الملكيات الاستبدادية المحلية. وكان قلق الأنظمة يتركز بوجه خاص إزاء المهاجرين العرب الذين يحملون أفكار القومية العربية والناصرية، والداعين، على سبيل المثال، لمزيد من تكامل دول الخليج مع قلب العالم العربي، حيث يجب إلغاء الحدود بين الدول العربية والسماح للعرب أن يتحركوا بحرية، وأن يتم تقاسم الثروة النفطية بين الأشقاء العرب على نحو أكثر إنصافاً. لقد صارت دول الخليج ترى في القوة العاملة العربية التي تطالب بنصيبها من ثروة النفط تهديداً سياسياً لشرعيتها لا يمكن لها أن تقبل به.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن للعرب غير الخليجيين أن ينشروا بين المواطنين الأيديولوجيات الثورية مع أفكار القومية العربية، كما يحتمل أن يقدموا الدعم السياسي والمادي للمنشقين المحليين. ومنذ الستينات كانت الدول الخليجية قد أخذت تعتبر المهاجرين العرب مصدراً للنشاط السياسي وتهديداً كامناً للأنظمة الحاكمة. واستقر التهديد من شبكة الشتات العربي العابر للوطنية على أن الأيديولوجيات المتطرفة يمكن لها أن ترحل باتجاه شبه الجزيرة العربية وتندرج في العمل السياسي داخل الدول المضيفة. لقد خشيت دول مجلس التعاون من الخطر الذي يمثله المهاجرون العرب على هويتهم الوطنية التي صيغت  بعناية، وعلى المساومات الناشئة الخاصة بالحكم، وعلى الشرعية والمصادر التقليدية للرعاية السياسية. وبحلول منتصف السبعينات، أخذت برامج التجنيس التي فُتحت للمهاجرين العرب قبل عقد من الزمن بالتقلص على نحو مطرد. ووُضعت قوانين صارمة للجنسية والمواطنة في جميع أنحاء شبه الجزيرة، تستند إلى معايير صارمة في إثبات النسب، جنباً إلى جنب مع زيادة في “تأصيل” الهوية الخليجية التي وُضعت على أنها شيء فريد ومتميز عن الهوية “العربية” الأوسع.

كان التغيير في تركيبة المهاجرين إلى الخليج وتفضيل انتقاء المهاجرين الآسيويين بحلول الثمانينات محاولة من قبل الدولة لتأكيد سيطرتها وقدرتها على وضع حدود الإدماج والإقصاء. وهكذا انخفضت نسبة العمالة العربية ببطء خلال الثمانينات، وبحلول عام 1995 فاق عددُ العمال الآسيويين العربَ بنسبة كبيرة. كان فصل العمال الآسيويين واستبعادهم من التفاعل الاجتماعي مع مواطني دول مجلس التعاون أسهل بكثير. ولم يكن هؤلاء العمال يشكلون تهديداً يذكر من حيث التحريض على الاحتجاج، كما أنهم يفتقرون إلى الأصالة العرقية للمطالبة بحصة من حقوق المواطنة. وفي غضون بضعة عقود تم استبدال المزيد من العمال الآسيويين بالعرب، على الرغم من أن السياسات الرسمية لا تشير إلى النوايا بهذا الشأن صراحة. وقد مكّن نظامُ الكفالة، باعتباره الآلية الرئيسية التي تحكم الهجرة في منطقة دول الخليج، من السيطرة على تدفق العمال الأجانب وتركيبتهم. وبالإضافة إلى نظام الكفالة، ضمنت عقودُ العمل لمدة عامين نظامَ تناوب العمالة الأجنبية على المدى القصير، وعدمَ ثبات مدة إقامة المهاجرين. وعلى هذا النحو، عززت القيودُ على التجنس والحد من حقوق المواطنة جهودَ دول مجلس التعاون لإيجاد قوة عمل مهمشة فيزيائياً واقتصادياً، معزولة تماماً، وغير مسيسة على الإطلاق.

 وعلى الرغم من الهيمنة المتزايدة للمهاجرين الآسيويين إلى المنطقة، تشير التقديرات الحالية إلى أنه لا يزال هناك ما يقرب من أربعة ملايين من العرب غير الخليجيين في دول مجلس التعاون، أي أكثر من 25 بالمئة من مجموع السكان المهاجرين. ويتكون مجتمع المهاجرين العرب في الخليج في الغالب من المصريين واليمنيين والفلسطينيين والأردنيين والسوريين. ومع أن هناك اهتماماً متزايداً من عدد من الأكاديميين والمراقبين المهتمين بدراسة الهجرة إلى الخليج، فإن الجزء الأكبر من الجهود البحثية الجارية على أساس ميداني يتركز على المهاجرين غير العرب. أما المسائل الخاصة بالجاليات العربية المهاجرة حالياً في منطقة الخليج فتعد مهملةً من قبل البحث الأكاديمي وتستحق مزيداً من التركيز والمناقشة العلمية. تماشياً مع هذا، يطلق مركز الدراسات الدولية والإقليمية مبادرة بحثية متعددة التخصصات بعنوان “الجاليات العربية المهاجرة في دول مجلس التعاون”. وتهدف هذه المبادرة إلى استكشاف المسائل ذات الصلة بالموضوع من خلال تمويل مقترحات بحثية تستند إلى دراسة ميدانية مع تأسيس نظري مناسب.

مجالات البحث:

  • ما تأثير مؤسسات التعليم العالي الدولية (مثل المدينة التعليمية في قطر أو جامعة نيويورك أبوظبي) في جذب الطلبة من الدول العربية المحيطة؟ كانت القاهرة وبيروت في العقود السابقة بمثابة مراكز جذب لطلبة الخليج للحصول على التعليم العالي، أما اليوم فيبدو أن هذا الاتجاه قد انعكس والطلبة يتدفقون في الاتجاه الآخر.
  • ما نوع فرص العمل التي يبحث عنها أكثر العمال المهاجرين العرب في دول مجلس التعاون؟ وهل تختلف ظروف عملهم أي اختلاف عن العمال المهاجرين غير العرب؟ هل يشغل معظم العمال المهاجرين العرب مواقف تتطلب مهارات عالية أو متوسطة؟ هل هناك تحيز أو معاملات تفضيلية تجاه العمال العرب المهاجرين بالمقارنة مع الآخرين؟
  • ماذا يعني “الربيع العربي” لجاليات المهاجرين العرب المقيمين حالياً في دول مجلس التعاون؟ وهل ستواجه دول الخليج جولة أخرى من الهجرة القسرية العربية العائدة ضمن الوضع الحالي (الربيع العربي)؟ كيف تترجَم العوامل الطاردة في النزاع الإقليمي ضمن هذا السيناريو؟ هل ستكون دول مجلس التعاون أكثر استعدادا لزيادة أعداد المهاجرين العرب، أم أن تسييس المنطقة سوف يسبب مزيداً من المخاوف من أن المهاجرين العرب قد يشكلون تهديداً للدول المضيفة؟
  • كيف تؤثر مختلف برامج توطين العمالة (مثل التقطير والسعودة والأمرتة، وغيرها) على المهاجرين العرب في الدول المذكورة؟
  •  ما هي أنماط الاندماج الاجتماعي والثقافي للمهاجرين العرب المقيمين منذ وقت طويل في الخليج، أم أن مثل هذه الأنماط غير موجودة؟ هل يعدّ الزواج بين الخليجيين وغير الخليجيين من العرب ظاهرة شائعة؟
  • ما هي أوضاع الجاليات العربية المهاجرة منذ مدة طويلة في دول الخليج من حيث المعيشة والعمل والسكن بوجه عام؟  يفترض أن تكون الجاليات اليمنية والمصرية والفلسطينية في الجيل الثالث. هل كانت هناك مسارات لتجنيس هؤلاء المهاجرين؟ وما هي أنواع فوائد المواطنة التي يحصل عليها هؤلاء؟
  • كيف تؤثر تحويلات المهاجرين العرب في الخليج أو تساهم في سد العجز المالي لبلدانهم الأصلية؟ هل لهذه التحويلات تأثير عميق على مسارات التنمية في الدول العربية غير النفطية؟ ما هي القيمة المضافة التي أكسبتها الهجرة إلى مستويات المعيشة في كل من الدول العربية المرسلة والمستقبلة للعمالة؟
  • هل هناك شعور بأية آثار لـ “هجرة الأدمغة” في الدول العربية المرسلة مع توجه المهاجرين ذوي المهارات العالية والمتوسطة إلى دول الخليج بحثاً عن فرص اقتصادية أفضل؟

كتبت المقال زهرة بابار، مدير البحث المساعد في مركز الدراسات الدولية والإقليمية