تقرير موجز
يخلص التقرير الموجز رقم 11، والصادر عن مركز الدراسات الدولية والإقليمية تحت عنوان: السياسات الهشة: الدول الضعيفة في الشرق الأوسط الكبير,، إلى سرد تفاصيل النتائج التي توصلت إليها مبادرة المركز البحثية الأكبر حول ““الدول الضعيفة في الشرق الأوسط الأكبر.” ويبدأ بتحليل نقدي للتعريفات والمصطلحات الحالية حول الدول الضعيفة والهشة، مع التدقيق في الآثار السياسية المترتبة على الخطاب السائد في سياق الشرق الأوسط الكبير. قام الباحثون بعد توظيف وجهات نظر متعددة التخصصات، بدراسة الأسباب والآثار المترتبة على المفاهيم النظرية حول هشاشة الدولة في جميع أنحاء المنطقة وبما يتعلق بمجالات مثل السياسة والأمن والاقتصاد والموارد الطبيعية والعلاقات البينية وبين الدول والهجرة وتحركات السكان والاقتصادات السياسية الإقليمية والعالمية الأوسع.
فيما يلي مقتطفات من مقدمة أعدها مهران كمرافا. انقر هنا لقراءة التقرير كاملاً.
أدى اندلاع الانتفاضات وانتشارها المتسارع كأحجار الدومينو في كثير من أنحاء العالم العربي بدءاً من عام 2011، إلى إيجاد حاجة ملحة لدراسة الدول الضعيفة والفاشلة في الشرق الأوسط. وعلى الرغم مما شهدته المنطقة في تاريخها من حروب وثورات، فإن الإجماع العام في كثير من الأحيان يفضل انتشار دول قوية وعملاقة في الشرق الأوسط. في الواقع، وعلى الرغم من الاختلافات الإقليمية الكبيرة في المجالات السياسية والمظهر المؤسساتي في دول الشرق الأوسط، تبدو الدولاتية (statism) كأكثر القواسم المشتركة شيوعاً حيث تتشاركها الأغلبية الساحقة من دول المنطقة. ومع ذلك، فكما يوضح هذا المجلد بإسهاب، فلا يقتصر “الضعف” المزمن على العديد من دول الشرق الأوسط وحسب – لبنان واليمن والسودان – فقد تلازم وجود معظم الدول الأخرى مع سمات هيكلية ومؤسساتية تهدد قدرتها، وتجردها من الشرعية، وتعرضها للضعف.
يقدم هذا الفصل التمهيدي مسحاً واسعاً من دراسة الدول الضعيفة باعتبارها ممارسة علمية وذات علاقة بالشرق الأوسط على حد سواء. كما يظهر فصل دراسة الدول الضعيفة أنها أراض متنازع عليها. وينبع الكثير من الجدل من حقيقة أن دراسة الدول الضعيفة ليست مجرد مسعى أكاديمي بل يدخل في صميم سياسات التطوير العملي أيضاً. كما أن ارتباط الدول الضعيفة أو المنهارة مع الإرهاب والجماعات الإرهابية يعد أمراً مقلقاً بشكل مماثل، وليس صعود أول قرصنة بحرية ومن ثم حركة الشباب في الصومال، وحركة 23 مارس في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية في اليمن، سوى أمثلة قليلة تدلل على ذلك. ليس من المستغرب في بعض الأحيان استخدام خبراء السياسة لمفهوم “الدول الفاشلة” لربط الأمن الدولي مع الاستقرار الداخلي وتعزيز التنمية.
يبدأ الفصل بمناقشة بعض أكثر القضايا بروزاً وإثارة للجدل، بما يشمل خطاب الدول الضعيفة والفاشلة. وتؤكد هذه الخلافات على تسمية الدول بالضعيفة، أو قيد الفشل، أو الفاشلة. ثم ينتقل الفصل إلى مسألة من أين تأتي الدول الضعيفة، حيث يقوم بدراسة أسباب وخصائص ضعف وفشل الدولة. يتجذر ضعف الدولة في تقلص “القدرة” وتآكل أو عدم وجود “الشرعية”. وعلى المستوى الأوسع، تتميز الدول بمكونين رئيسيين. فجميعها تمتلك أطراً مؤسساتية تولد قدرة هذه الدول وتتم الممارسة من خلالها. وجميعها أيضاً تمتلك قادة يعملون ضمن هذه الأطر المؤسساتية ويتخذون الخيارات باستمرار. ويمكن للقادة في بعض الأحيان حرف أو تشكيل المؤسسات تبعاً لأهوائهم، لا سيما في الدول غير الديمقراطية، والتي عادة ما توجد في منطقة الشرق الأوسط. ولفهم ضعف الدولة، بعبارة أخرى، فلكل من الهيكلية والقوة أهميته.
في دراسة ضعف الدولة، لا بد من ضبط المفاهيم التقليدية لدينا لكل من مفهومي القدرة والشرعية لنأخذ بعين الاعتبار قدرة قادة الدولة على التلاعب بالانقسامات الاجتماعية القائمة من أجل مصالحهم وتعزيز ولاياتهم في مناصبهم. هذا هو الحال بصفة خاصة في منطقة الشرق الأوسط، كما تظهر الفصول حول اليمن والسودان في هذا المجلد، حيث على الرغم من الضعف الكبير للدولة تمكن القادة من البقاء في مناصبهم من خلال الاعتماد على المؤسسات التي كانت قوية بما يكفي، ومن خلال الممارسات التي كانت مجزية سياسياً بما فيه الكفاية، للحفاظ على بقائهم في السلطة.
بداية، ثمة ثلاث وجهات نظر واسعة حول الدول الفاشلة. ينظر بعض العلماء إلى مفهوم الدولة الفاشلة على أنها مفيدة من الناحية التحليلية، لا سيما فيما يتعلق بدراسة العلاقات الدولية والأمن. في حين نجد مجموعة ثانية من العلماء منفتحة على هذا المفهوم لكنها لا تراه مفيداً من الناحية التحليلية، وذلك لأنهم لا يزالون يواجهون صعوبة في تعريفه. وكثيراً ما ينتقد مصطلح الدولة الهشة بسبب افتقاره للدقة التحليلية. أما المجموعة الثالثة من العلماء، فتعادي هذا المفهوم علناً، وتعتبره مفهوماً عرقياً، ومدفوعاً بأجندات سياسية مهيمنة. كما تشير هذه المجموعة إلى حقيقة أن المصالح الدولية لاسيما مصالح الولايات المتحدة في دراسة الدول الضعيفة والفاشلة قد بلغت ذروتها بعد هجمات 9/11. ونظراً لاعتبار الدول الهشة تشكل تهديداً لأمن الولايات المتحدة والأمن الدولي، فقد ركزت معظم جهود بناء الدولة في جميع أنحاء العالم من قبل الولايات المتحدة وحلفائها أولاً وأساساً على بناء القطاع الأمني.
يطرح الكثير من الجدل حول الخطاب نفسه، بسبب القلق المزعوم حول حماية مصالح الأمن القومي والدولي الأمريكي والغربي. بالإضافة إلى عدد من العيوب المفاهيمية في لقب “الدولة الفاشلة”، كما يؤكد عدد من العلماء، أن هناك أسساً أيديولوجية للمفهوم تؤكد على استخدام الطاقة وتعزيز الهيمنة. ومع إدراك أنه يمكن للدول الضعيفة أن تهدد الأمن، فقد استثمرت الدول الأكثر قوة والمنظمات الدولية مبالغ كبيرة لمواجهة الصراع وتحقيق الاستقرار في المجتمعات. وغالباً ما يفترض العلاج اللازم لإصلاح الدول الضعيفة بأن تكون أكثر تنظيماً؛ “دون أمن، لا شيء آخر ممكن.” ثمة افتراض، نجده بشكل خاص ضمن منظومة الأمم المتحدة، يتحدث عن أن بناء السلام وبناء الدولة مرتبطان، ما يستلزم التركيز على القوة والمؤسسات القسرية للدولة: الجيش والشرطة والخدمة المدنية ونظام العدالة والقيادة. تبدو العلاقة بين بناء السلام وبناء الدولة أكثر تعقيداً، فمع بناء الدولة يحتمل تفضيل مجموعة عرقية على أخرى، في حين أن اتفاقات السلام قد تمكن القادة العسكريين من تقسيم غنائم الدولة فيما بينهم.
يرتبط بعض الجدل الذي ينطوي على دراسة الدول الضعيفة والفاشلة مع الفئات الدقيقة -أو الافتقار لذلك – في الدول التي تستحق مثل هذه التسميات، لا سيما حين تعتمد الوكالات المانحة على نماذج ودرجات هشاشة الدولة لتحديد الاستراتيجيات الملائمة لمشاركة الجهات المانحة. تتعرض التعاريف المحددة للدول “الضعيفة” أو “المنهارة” أو “الفاشلة” للطعن. وبصفة عامة، فإن التمييز بين فئتي الدول “الضعيفة” و “الفاشلة” أمر بديهي. ونحن نرى بالإجمال، كما توضح المساهمات في هذا الكتاب، أن عدداً من دول الشرق الأوسط في حالة دائمة من الضعف على ما يبدو – كالسودان واليمن ولبنان، بالإضافة إلى باكستان وأفغانستان، إن كان بالإمكان مد التحديد الجغرافي للمنطقة قليلاً – ومن ثم تكرار الحلقات التي دفعت الدول نحو الضعف، والتي تعتبر الحروب وصناعة الحروب والتمرد الجماعي من أهمها. ابتكر قادة الدولة، في هذه الأثناء، مجموعة متنوعة من آليات التكيف واستراتيجيات البقاء على قيد الحياة، ما أطال مدة حفاظهم على مناصبهم وضمان عمليات المؤسسات الداعمة بمستويات كافية، وإن لم تكن الأمثل بالضرورة. بالتالي فما يكاد يحصل في بعض الأحيان هو أن الضعف يستمر، لكنهم يتجنبون الفشل والانهيار..