تقرير موجز
يسرد هذا التقرير الموجز تفاصيل النتائج المعروضة في المبادرة البحثية من خلال اجتماعات فريق العمل. تتألف المبادرة من تحقيقات أصيلة قائمة على أساس تجريبي، تقدم مجتمعة الدراسة الأكثر شمولاً حتى الآن حول الأمن الغذائي في الشرق الأوسط. انقر أدناه لقراءة التقرير كاملاً بالإنجليزية والعربية:
فيما يلي مقتطفات من مقدمة أعدها كل من مهران كمرافا وزهرة بابار. انقر هنا لقراءة التقرير كاملاً بالإنجليزية
لقد أحيا ارتفاع أسعار السلع الزراعية في الفترة 2007-2008 ومرة أخرى في عام 2011 النقاش العالمي حول الأمن الغذائي، فوفقاً للبنك الدولي بحلول عام 2008 ارتفعت أسعار المواد الغذائية العالمية بنسبة خطيرة وصلت إلى 83 في المئة على مدى السنوات الثلاث السابقة. وبالنسبة للعالم العربي الذي يستورد أكثر من 50 في المئة من حاجاته الغذائية كل عام، فإن تأثير مثل هذا التصعيد في أسعار المواد الغذائية يكتسي أهمية بالغة. وفي العام التالي، حث البنك الدولي بشكل كبير بعض الدول العربية لتحاول احتواء الآثار المتوقعة لأزمة غذائية كبرى في بلدانهم. وقبل أن تمر فترة طويلة، ارتفعت أسعار المواد الغذائية مرة أخرى في عام 2011 على الصعيد العالمي، ودفعت ما يقدر بنحو 44 مليون شخص نحو الفقر. كان لهذا الارتفاع في الأسعار عواقب وخيمة لاسيما في منطقة الشرق الأوسط، حيث ما يقرب من ربع سكان المنطقة فقراء ونحو ثلاثة أرباع هؤلاء الفقراء يعيشون في مناطق ريفية يصعب فيها الوصول بشكل متساو إلى الموارد الغذائية.
دعمت جميع دول الشرق الأوسط تقريباً أسعار المواد الغذائية بشكل كبير، وذلك كجزء من المساومات الحاكمة التي تشرع حكمها السياسي. وقد تم ذلك بتحفيز من قبل ما يسمى “بانتفاضة الخبز” في أواخر الثمانينيات وفي تسعينيات القرن الماضي، فضلاً عن انتفاضات الربيع العربي التي اجتاحت المنطقة منذ عام 2011. وعلى الرغم من الدعم الحكومي الكبير، فإن صدمات أسعار الغذاء الدولية أدت بشكل سريع إلى ارتفاع الأسعار في الأسواق المحلية في جميع أنحاء المنطقة. فعلى سبيل المثال، ارتفعت أسعار المواد الغذائية بين عامي 2006 و2011، بمعدل 10 في المئة سنوياً في مصر وإيران واليمن، وبما يقرب من 5 في المئة أو أكثر في جيبوتي والكويت ولبنان وعمان وقطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. ومن المفارقات، أنه على الرغم من أن الارتفاع في أسعار المواد الغذائية الدولية ينعكس بسرعة على الأسواق المحلية في جميع أنحاء الشرق الأوسط، فإن انخفاض أسعار المواد الغذائية في العالم نادراً ما ينعكس بالمثل محلياً.
تتنوع الأسباب التي تؤدي إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية، والخبراء غير قادرين على الاتفاق على عامل واحد ليمثل السبب الرئيسي للقفزة المفاجئة للأسعار. وفي الواقع، نتج ارتفاع الأسعار من تراكم عدة ديناميات هيكلية تتعلق بالإمداد، بما في ذلك تباطؤ الإنتاج العالمي من الحبوب، ومخزونات غير كافية من الحبوب في جميع أنحاء العالم، وفرض قيود تجارية أو فرض حظر على تصدير المنتجات الزراعية الرئيسية، وتحويل الأراضي الزراعية لإنتاج الوقود الحيوي، وارتفاع تكاليف النفط وما ينتج عنه من ارتفاع في نفقات الأسمدة والطاقة، والاستثمار المضارب في السلع. كما كانت ضغوط الطلب المتزايد على المواد الغذائية مسؤولة أيضاً عن ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وتمثل السبب وراء هذا الطلب المتزايد بالنمو السكاني العالمي وتغير أنماط الاستهلاك في دول العالم النامي.
بالرغم أن أسعار المواد الغذائية قد انخفضت منذ أعلى مستوى لها عام 2008، إلا أنها تظل أعلى بكثير من مستويات ما قبل الأزمة، ويشير رأي الخبراء أن هذا الحال سيظل كما هو نظراً لعدم معالجة العوامل التي أدت إلى ارتفاع التكاليف بشكل كاف. ولا تزال برامج إنتاج الوقود الحيوي تلقى التشجيع في البلدان الرئيسية المنتجة للحبوب. لم تعزز احتياطيات الحبوب العالمية بما فيه الكفاية في سنوات التدخل، والإمدادات الغذائية لم تواكب الطلب المتزايد الناشئ عن ارتفاع دخل الفرد وتغير أنماط الاستهلاك في أجزاء معينة من العالم النامي.
فيما يخص منطقة الشرق الأوسط، ثمة عدة عوامل أساسية وخاصة في المنطقة من المرجح أن تستمر لتساهم في تفاقم قضايا انعدام الأمن الغذائي والسيادة على الغذاء، حيث تميل الأراضي الزراعية الصالحة للزراعة في جميع أنحاء الشرق الأوسط لأن تكون مجزأة للغاية بسبب برامج الإصلاح الزراعي المتعاقبة والتي تنفذها الأنظمة الشعبية الكثيرة في المنطقة. ففي مصر على سبيل المثال، يمتلك نحو 90 في المئة من الملاك أقل من 1 هكتار، وتميل حيازات الأراضي في أماكن أخرى في المنطقة وعلى الأخص في الجزائر، والأردن، والمملكة العربية السعودية، وتونس، لتكون أيضاً صغيرة نسبياً لأسباب مماثلة إلى حد كبير. ويميل الجفاف وموجات الجفاف الدورية وندرة المياه المزمنة إلى أن تكون ميزات مزمنة في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك شبكات التوزيع غير الفعالة بشكل عام في الموانئ والطرق وأسواق الجملة ومحلات السوبر ماركت وغيرها من المحلات. وذلك لأن حجم الهدر في جميع أنحاء المنطقة يميل إلى أن يكون مرتفعا للغاية، وأخيراً، وعلى الرغم من الخطاب الرسمي، يتحيز معظم صناع القرار في الشرق الأوسط للمناطق الحضرية ما يؤدي إلى معاملة تفضيلية للصناعات الحديثة الواقعة بالقرب من المراكز الحضرية، وبالتالي يتم في كثير من الأحيان إهمال المناطق الريفية والقطاع الزراعي.
تحلل المساهمات في هذا الكتاب كل المسارات التاريخية للتنمية الزراعية في منطقة الشرق الأوسط، وكيف أثرت عولمة إنتاج الغذاء على الأمن الغذائي المحلي. يعتمد هذا الكتاب على البحوث الأصيلة التي تناولت أسباب وعواقب الأمن الغذائي في الشرق الأوسط على المستوى الكلي (على الصعيدين الوطني والإقليمي)، فضلاً عن أسباب وعواقب الأمن الغذائي على المستوى الجزئي (المنزل والفرد)، وكما سيظهر جلياً في الدراسات القادمة، فإن الذاكرة التاريخية تؤكد وجود نقص في المواد الغذائية وندرة في المنطقة، ما أثر على صياغة التفكير في الأمن الغذائي. وإذا كانت العوامل الاقتصادية والسياسية في الماضي قد أدت إلى اضطراب مفاجئ في توفر الغذاء، فإن هذا يؤكد عقلانية لماذا تنظر دول الشرق الأوسط حالياً في وسائل يمكن من خلالها أن تحقق الاكتفاء الغذائي الذاتي. ويمر معنا عبر هذا الكتاب موضوع آخر ثابت وهو أثر الأرباح الريعية على التنمية الزراعية في الشرق الأوسط أو انخفاض الاستثمار المحلي في القطاع الزراعي. إن الشعور الدائم بكون الدولة تعتمد على الغير لتأمين الغذاء، أو أجبرت قسراً لتكون معتمدة على برامج المساعدات الغذائية قد حفز هذه الدول لتفكر إقليمياً بشأن الأمن الغذائي.