تقرير موجز
يتضمن هذا التقرير الموجز ملخصات من فصول مكتوبة لصالح المبادرة البحثية: “السياسة الطائفية في منطقة الخليج” التي جرت خلال اجتماعين لفريق العمل في الدوحة.
فيما يلي مقتطفات من مقدمة أعدها لورنس ج. بوتر. انقر هنا لقراءة التقرير كاملاً.
يسعى هذا الكتاب لاستكشاف العلاقة بين السياسة والهوية الطائفية في الخليج الفارسي. يعتبر موضوع الطائفية أمراً هاماً على نطاق واسع ويمكن أن يشمل المجموعات العرقية والقبلية وكذلك الدينية. وقد يتم الاعتقاد به كبديل عن الهويات السياسية، التي اكتسبت في السنوات الأخيرة أهمية متزايدة في الشرق الأوسط عموماً والخليج الفارسي بشكل خاص. تشمل العوامل التي تسهم في التوترات الطائفية الحالية الحرب بين إيران والعراق، وسقوط صدام حسين، وآخرها الربيع العربي.
على الرغم من أهمية هذا الموضوع، ثمة نقص واضح في التحليل وتحتاج قضايا عدة إلى التوضيح. فعلى سبيل المثال، هل الطائفية ظاهرة حديثة أم أنها ظاهرة استمرت على مر التاريخ؟ في الوقت الحاضر، أنتجت سنوات من الحرب مجموعات الهوية المسيسة، وخاصة تلك القائمة على العرق. فكيف تنتقل الهوية من حالة سلبية إلى حالة تأكيدية؟ وما هي الآليات التي تستدعي تفجير الصراع؟ وهل تلعب القوى الخارجية دوراً فيما يحدث، وكيف يؤثر شكل استجابتها على النتيجة؟ وكم تخدم حركات رئيسية مثل الإحياء الإسلامي أو الربيع العربي في حجب استمرار بروز الانقسامات الدينية والعرقية؟
تتمثل إحدى سمات الطائفية في الخليج الفارسي في أن العديد من الجماعات عابرة للوطنيات، واستقرت غالباً في المناطق الحدودية حيث كانت في الماضي تتمتع بحكم ذاتي واسع. وفي الفترة التي سبقت العصر الحديث، تقاسمت الشعوب في الخليج الفارسي ثقافة بحرية مشتركة واختلطت الجماعات الدينية واللغوية، مع توضع العديد من الناطقين باللغة العربية والمسلمين السنة على الجانب الفارسي من الخليج، وتوضع الشيعة الناطقين بالفارسية على الجانب العربي. ما سبب صعوبة عند الحديث عن الهوية، لتمتع الناس في هذه المنطقة بهويات متعددة يمكن تفعيلها في أوقات مختلفة.
يعتبر مشروع الحكومات لابتكار الهويات والتقاليد الوطنية عاملاً هاماً يؤثر على العلاقات الطائفية. ففي دول الخليج، على سبيل المثال، بقي المواطنون الشيعة خارج الحسابات الرسمية. ولم يسمح لهم بالخدمة في الشرطة والجيش في حين فسح المجال أمام الجيران السنة، وخاصة البلوش، للانخراط في الجيوش الخليجية. وتعتز المجتمعات الشيعية في المملكة العربية السعودية والبحرين بذكرى “العصر الذهبي” قبل غزوهم من قبل الغرباء السنة في القرن 18. لذلك فمن البديهي أن تشعر الفئات المستبعدة بالنفور من هذا الأمر، كالسواحيلية والبلوش في سلطنة عمان، والأفارقة والفرس في دولة الإمارات العربية المتحدة، والبحارنة المحليين في البحرين.
أدى سقوط حكومة صدام حسين في العراق في عام 2003 إلى تغيير كبير في التوازن الديني في المنطقة وتعزيز قوة إيران. وامتلك العراق للمرة الأولى حكومة يقودها الشيعة ما أخاف الحكومات السنية الذين شعروا بالقلق إزاء ولاء الأقليات الشيعية لديهم. لكن هل يشكل إحياء الشيعية خطراً؟ فالشيعة لا يشكلون كتلة موحدة، وأولئك الذين يعيشون في دول الخليج العربية منقسمون حول ولائهم لإيران.
دعت الصحوة العربية التي بدأت في أوائل عام 2011 وانتشرت بسرعة في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط مرة أخرى الانتباه إلى القضايا الطائفية. وبشكل مثير للاهتمام، انطلقت دعوات التغيير في قيادة الدول العربية من قبل العلمانيين إلى حد كبير، ولم تكن بإلهام ديني. وفي حين كانت مطالب المعارضة في الماضي قد أتخمت بشعارات مثل “الإسلام هو الحل”، والدعوة إلى إقامة دولة إسلامية، كانت الأجندة الدينية هذه المرة غائبة بشكل واضح. إلا أن سقوط الطغاة قد أشعل التوترات الطائفية أيضاً حيث سعى الناس لتصفية الحسابات والوصول إلى السلطة، لا سيما في مصر.
من المهم استكشاف العوامل التي تؤدي إلى صراع طائفي. حيث يبدو أن ثمة نمطاً من التحدي والاستجابة يتزايد ضمنه النشاط من جانب مجموعة واحدة ما يحفز النشاط لدى الجانب الآخر، وغالباً ما تكون المجموعة المضادة. لذلك فإن وصعود الشيعة في العراق منذ عام 2003 والاضطرابات الأخيرة في البحرين قد حفزت الاهتمام من جانب السنة حول هويتهم، وأدت إلى البحث عن الرموز الثقافية التي يمكنهم التماهي معها. وبالمثل، أدى ترويج الحكومة الدؤوب للتشيع في إيران والوهابية في المملكة العربية السعودية إلى زيادة شعبية الصوفية.
من الواضح أن العرقية ليست ثابتة دوماً؛ وأنها دائماً قابلة للتكيف وإعادة تعريف نفسها. وثمة نقطة هامة واردة في هذا الكتاب وهي أن الخلافات والمنافسات الطائفية يتم تشجيعها من قبل الحكومات التي تستفيد منها سياسياً. وفي حال عدم وجود خيارات بديلة لتشكيل جماعات المجتمع المدني والأحزاب السياسية التي يمكن أن تهدد الحكومة على أسس ايديولوجية، يتم إعادة الناس إلى الهويات البدائية مثل القبيلة والدين.
من المرجح أن يستمر تصاعد الصراع الطائفي والعرقي في دول الخليج الفارسي حيث لا تزال العوامل التي تعزز ذلك قائمة: تصريحات ساخنة كما ورد في وسائل الإعلام، ونزاعات أو صراعات محتملة، وشرعية سياسية للحكام مشكوك بها، وتوق إلى الأمن والمشاركة لا يتم الوفاء بها. يجري استغلال مثل هذه التوترات من قبل الحكومات التي تسعى إلى التقسيم من أجل الحكم، وفي محاولات مضللة من قبل القوى الخارجية، وآخرها الولايات المتحدة، لمعالجة تمييز الأقلية. من المهم ملاحظة دور الولايات المتحدة في تعزيز الهوية الطائفية بعد حروب “تحرير” العراق وأفغانستان.
لعرض ملاحظة أكثر إيجابية، فإن الدول متعددة الأعراق هي القاعدة التاريخية في المنطقة، ويبدو من غير المرجح أنها سوف تنفصل مثل يوغوسلافيا. وعلى سبيل المثال، فعلى الرغم من تكهن الغرباء فيما إذا كان العراق سيبقى دولة موحدة، لم يكن هذا السؤال يشغل بال العراقيين الآمنين ضمن هوية وطنية. فالقومية إذاً متوافقة بالفعل مع الحفاظ على الهوية الطائفية، كما يتضح من العرب الشيعة، والصراع ليس حتمياً.
يبقى الخليج الفارسي منطقة تتميز بالجماعات الدينية والعرقية والسياسية عبر الحدود الوطنية وذلك بسبب تاريخه وموقعه. للأسف، فإن عدم القدرة على الاعتراف بالآخر كان السبب الجذري للعديد من المشاكل. وفي منطقة ذات تفاوت كبير في حجم وثروة الدول، سوف يشعر الجميع بأنهم معرضون للخطر بطريقة ما وفي وقت ما. ومع ذلك، فإن جذور الصراع العرقي والطائفي ليست غامضة، ويمكن بسهولة أن تؤخذ مجموعة من تدابير بناء الثقة للحد من الصراع. ألقت صفحات هذا الكتاب الضوء بشكل كبير على هذه المشكلة قليلة الاستكشاف، ولماذا لا يمكن للحلول أن تنتظر. ما يستحق القراءة من قبل جميع الطلاب وصناع القرار في المنطقة.