خلفية ونطاق المشروع
في هذه المرحلة الراهنة والحرجة إلى حد ما، وفي ظل الأزمات التي تعصف بالحكومات الضعيفة في مصر والعراق وليبيا ولبنان واليمن وسوريا، وطبيعة الصراع العربي الإسرائيلي غير المستقرة، وتوسع مجموعة من الجهات غير الحكومية والتي باتت تهدد الاستقرار الإقليمي والدولي كليهما، لا تزال منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا محل اهتمام المجتمع الدولي. ونتيجة لتفكك الدول التي طالما كانت توصف بقوتها كالعراق وسوريا، وانقباض إيران، وفقدان مصر قدرتها على فرض أي نفوذ حقيقي أو عرض قوتها في المنطقة، يبدو أن القدرة على معالجة القضايا الإقليمية الملتهبة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قد تضاءلت.
وكما يرى كثير من العلماء، فإن منطقة الشرق الأوسط من الناحية التاريخية هي واحدة من أكثر أجزاء العالم اختراقا ، فلطالما شاركت قوى من خارج المنطقة في الشؤون الإقليمية، ورغم أن فراغ السلطة الحالي في الشرق الأوسط قد وفر إلى حد ما فرصة لدول مجلس التعاون الخليجي التي تنعم باستقرار اقتصادي وسياسي أكثر، وسمح للمملكة العربية السعودية، وقطر، والإمارات العربية المتحدة تبني دورا أكثر نشاطا في الشؤون الإقليمية ، فما من دولة من هذه الدول قادرة على توفير الأمن في المنطقة، وفي أجزاء من أوروبا والولايات المتحدة على الأقل لا يزال هناك شعور بأن الاستقرار الإقليمي لا يمكن تحقيقه إلا من خلال الحضور الفاعل للأطراف الخارجية والقوى العالمية
وعلى الرغم من مرور ما يزيد على ثلاثة عقود على مبدأ كارت لذي عزز مصالح الهيمنة للولايات المتحدة في الخليج الفارسي، فإن ذلك لم يمنع القوى الأخرى خارج الإقليم من تطوير وإقامة مصالح نشطة في المنطقة، وقد أدى الوضع الاقتصادي السياسي الفريد في الدول الغنية النفط والغاز في الخليج الفارسي إلى احتفاظ المنطقة بأهمية جيواستراتيجية بالنسبة للعديد من اللاعبين العالمين، وفي الوقت الذي ضمنت فيه الدول الصغيرة في الخليج الفارسي لنفسها مكانا أكثر أهمية في المنطقة في ظل المناخ العالمي الحالي، إلا أنها لا تزال تعتمد اعتمادا كبيرا على المتعاونين والحلفاء الخارجيين لتوفير احتياجاتها الأمنية.
أصبحت تدخلات الصين ونواياها في الشرق الأوسط محورا لمجموعة من الدراسات الأكاديمية والسياسية على نحو متزايد، وتنظر الكثير من المنح الحالية التدخلات الصينية في الشرق الأوسط من خلال عدسة الأمن، مع إبلاء اهتمام خاص إلى الآثار المترتبة على تدخلات الصين على الولايات المتحدة وحلفائها، وذلك رغم أن علاقة الصين المتطورة في المنطقة يجب أن ينظر إليها أساسا كنتيجة لمصالحها الخاصة في تأمين احتياجاتها من الطاقة، وتطوير أسواق التصدير، فضلا عن حقيقة أنها أصبحت قوة عالمية كبيرة ولا تستطيع أن تعزل نفسها عن الأحداث في العالم العربي.
وبينما تحاول الصين كثيرا في لآونة الأخيرة تنويع مصادر احتياجاتها من الطاقة وتقليل اعتمادها على دول الخليج من خلال مصادر النفط من آسيا الوسطى وروسيا، إلا أن أكثر من خمسين في المائة من النفط في الصين حاليا يتم استيراده من الخليج الفارسي، وتوفر دول مجلس التعاون الخليجي وحدها أكثر من ثلث واردات النفط الصينية.ولا تقصر أهمية الخليج على النفط الذي يوفره للصين، ولكن أيضا لأنه سبيل الوصول التي أسواق الشرق الأوسط الأخرى، ولموقعه الاستراتيجي بين طرق النقل العالمية والمراكز التجارية الواقعة في دبي وغيرها من مدن الخليج الساحلية.
لكن مشاركة الصين في الشرق الأوسط بالتأكيد لا تقتصر على منطقة الخليج ، فهناك استثمارات صينية كبرى في جميع أنحاء المنطقة، منها على سبيل المثال، مشاركة شركات البناء الصينية بنشاط في مشاريع البنية التحتية الضخمة في العديد من الدول العربية، وبالإضافة إلى ذلك، صنعت الصين أيضا سوقا لنفسها في مجال بيع الأسلحة الصغيرة إلى العديد من البلدان في جميع أنحاء الشرق الأوسط، يقترب حجم التجارة السنوية بين الصين والشرق الأوسط حاليا من 2.5 مليار دولار، ومن المتوقع أن يتضاعف حجم هذه التجارة خلال السنوات الخمس المقبلة.
ونظرا لضخامة واتساع مصالحها في الشرق الأوسط، فليس من المستغرب تكثيف الصين لتدخلاتها الإقليمية خلال السنوات الأخيرة. ومع ذلك، ما زال غير واضح ما إذا كانت الصين ستوسع مشاركتها في منطقة الشرق الأوسط وتتجاوز المعايير التقليدية للطاقة والتجارة والاستثمار، أم لا. منذ فترة طويلة تعتبر دول الشرق الأوسط الصين قوة عالمية من الناحية الاقتصادية في المقام الأول، وأنشأت معها علاقات ثنائية على هذا الأساس، ونادرا ما تعتبر الصين شريكا أو موردا أمنيا كبيرا، خاصة وأن السياسة الخارجية الصينية في المنطقة سارت دوما على خطوط عملية وضمن الوضع الراهن المعمول به في بنية الأمن الإقليمي، وقد سعت الصين للتعامل مع مختلف دول الشرق الأوسط دون أن تظهر أي تحيزات سياسية أو أيديولوجية.
وعلى الرغم من الضغط الدولي الكبير لعزل إيران على مدى السنوات الماضية، إلا أن الصين قد أبقت على علاقات طيبة مع الجمهورية الإسلامية، وفي الوقت نفسه، حافظت الصين على علاقات ثنائية قوية مع المملكة العربية السعودية ومصر وإسرائيل، وتركيا، وفعلت ذلك دون أن تنجر إلى مختلف التوترات والصراعات بين بعضهم البعض، وبالنظر إلى عدم الاستقرار المتزايد في منطقة الشرق الأوسط، فإن بعض التحليلات تشير أن هذا الحياد و التوازن قد لا يدوم للصين على المدى الطويل، فإذا تعمق الاضطراب الإقليمي وانتشر، أصبحت الولايات المتحدة وشركائها غير قادرين على إدارة الترتيبات الأمنية الإقليمية، قد تجد الصين نفسها تنجر على مضض إلى الاهتمام بلعب دور سياسي وأمني موسع.، ونظرا لتزايد شعور بعض دول الشرق الأوسط بضعف الولايات المتحدة الأمريكية المنعزلة قد يكون حافزا إضافيا لزيادة دور الصين في المنطقة.
في العام الدراسي 2014-2015 أطلق مركز الدراسات الدولية والإقليمية مبادرة بحثية جديدة حول “الصين والشرق الأوسط”. والغرض من هذا المشروع هو دراسة العلاقة بين الصين والشرق الأوسط من خلال نتناول متعدد التخصصات، والقصد من هذا المشروع هو تقديم دراسة تحليلية للعلاقة بين الصين وبلدان الشرق الأوسط، ليس فقط من خلال منظور الأمن والطاقة والاقتصاد والاستثمارات الدولية، ولكن مع الأخذ في الاعتبار أيضا الارتباطات الأوسع بين الصين والمنطقة في المجالات الاجتماعية والثقافية أيضا.
ويركز هذا المشروع على تطور العلاقات المعاصرة بين الصين ودول الخليج الفارسي والمشرق العربي، والمغرب العربي. وجاء علماء من الصين والشرق الأوسط والولايات المتحدة، وأوروبا واجتمعوا معا لمعالجة المسائل البحثية الأصلية في عدد من الموضوعات ذات الصلة، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر: طبيعة العلاقات الثنائية بين الصين ودول الشرق الأوسط المختلفة؛ برامج تشغيل وتنفيذ السياسة الخارجية الصينية في الشرق الأوسط؛ دور الطاقة؛ تأثير ديناميات الأمن الناشئة؛ وتغييرات واستمرارية دور الصين في النظام الدولي وفي منطقة الشرق الأوسط؛ وظهور الصين كقوة ناعمة في الشرق الأوسط؛ والروابط الدينية والتعليمية والثقافية بين الصين والشرق الأوسط، وسيتم جمع هذا المشروع في كتاب بعنوان مبدئي هو الصين والشرق الأوسط، وسيقوم بالتعديلات الأخير البروفسير جيمس ريردون أندرسون،الأستاذ الجامعي، والقائم بأعمال عميد كلية الشؤون الدولية – بجامعة جورجتاون للخدمة الخارجية.
مقال بقلم زهرة بابار- معاون مدير قطاع الأبحاث في مركز الدراسات الدولية والإقليمية