إيذاء أم تمكين؟ الأدب السعودي نموذجاً
قدمت أميرة الزين، الأستاذ مشارك في جامعة جورجتاون كلية الشئون الدولية في قطر والحاصلة على زمالة مركز الدراسات الدولية والإقليمية عام 2014-2015 نقاشا مركز حو على “الإيذاء أم التمكين؟ في حالة الأدب السعودي” وذلك يوم 10 مارس 2015. ركزت المحاضرة على عدة أعمال من تأليف الروائيات السعوديات والتي نشرت خارج المملكة العربية السعودية في أماكن مختلة مثل بيروت والدار البيضاء والقاهرة. تناولت الزين الأعمال بما فيها مدينة الفردوس اليباب (الجنة القاحلة) أليف ليلى الجهني، و(الجاهلية) ،و (هند والعسكر) تأليف بدرية البشر؛ (طوق الحمام) تأليف رجاء عالم.
شهدت المملكة العربية السعودية في السنوات الأخيرة تزايدا في الكتابة الأدبية من تأليف الإناث، وعلى الرغم من غرابتها، إلا أن هذه الكتابات كانت بارزة، وأوضحت الزين مقدرتهم على نحت الفضاء، بل والازدهار في بيئات ثقافية شديدة التقييد، أو “الوسط الأصولي” حسب وصفها، وبغض النظر عن الطبيعة الخيالية في الكتابة،، فإنه يمكن اعتبار هذه الأعمال بمثابة وثائق ثقافية معاصرة تشكك في النظام الأبوي الجامد للمعرفة الذي تقوم عليه المملكة العربية السعودية الحديثة.
وعلى الرغم من التجارب العامة لعجز المرأة في إطار مؤسسي في المملكة العربية السعودية الحديثة، فإن الخطابات حول المرأة تأخذ دورا مركزيا في المفارقة بين أقوى الكيانات الدينية والسياسية التي تتنافس في لعب دور “أفضل مشرف على النظام الأخلاقي في المجال العام، ولتسليط الضوء على أن هذه الأعمال الأدبية تعد بديلا للحياة في المملكة العربية السعودية، قالت الزين أنها تلاحظ: “أن تحليل هذا المنظور المحافظ من خلال الروايات، و أعتبرها معايير هامة حول مأزق الفرد السعودي في كل من القطاعين العام والمحلي.”
من خلال تجاور التداخلات النصية بين الماضي والحاضر، فإن المؤلفات مثل رجاء عالم وليلى الجهني قد وضعن المملكة العربية السعودية الحديثة ضمن سلسلة تاريخية متصلة، وتكمن أهمية هذه الإستراتيجية الأدبية في أنها تشير إلى فكرة أن الأيديولوجيات التي تبدو راسخة في وقتنا المعاصر لم تعقد دائمة التأثير، وأن البنية التحتية الاجتماعية والسياسية والدينية القائمة يمكن اعتبارها غير مستقرة وسريعة الزوال، وأوضحت الزين أن رسالة المؤلفة رجاء عالم هي أنه كانت هناك فترات من الزمن كانت فيها النساء في المملكة أفضل حالا نسبيا مما هن عليه اليوم، حينما لم يكن الفصل بين الجنسين مطبقا كما هو اليوم”، ومن خلال زرع جذور البنى التحتية السياسية والدينية المعاصرة في منظور تاريخي، فإن الكاتبات يكشفن لحظات وجيزة في تاريخ طويل من الحضارة.
ومن خلال تمكين أسلوب الكتابة هذا ، فقد نجحت الكاتبات في زعزعة استقرار علاقات القوة المعاصرة التي تشير إلى أن التغيير ليس ممكنا فحسب، ولكن لا مفر منه، وترى الزين أنه “من خلال التناص، فإن رجاء عالم و رجاء الجهني قد استعادتا التاريخ والدين بدلا من مهاجمتهما، ونظرتا إليهما ليسا كأيديولوجيات، وإنما بوصفها مؤسسات رمزية تم التلاعب بها كأيديولوجيات من أجل الحفاظ على السلطات الحالية “.
في الختام، توضح الزين أن هذه النصوص هي معقدة ومتداخلة، واقترحت إبلاء اهتمام وثيق بالروايات من أجل الكشف عن العديد من الصفات غير واضحة على الفور، فحسب قولها فإن “القراءة الأولى لنصوص”، “تشي إلى أن المرأة السعودية عاجزة ومهزوم، وتخلص إلى أن هذه النصوص هي نصوص تعبر عن الإيذاء، أما القراءة المتعمقة الثانية، فتثير الفضول وتضعنا أمام صورة مختلفة، هي تمكين المرأة “.
أميرة الزين هي مؤلفة كتاب الإسلام والعرب والعالم الذكي من الجن، ومحرر مشارك في كتاب الثقافة والإبداع والمنفى، قامت بترجمة عمال العديد من الكتاب الفرنسيين إلى العربية مثل ج.م.ج لوكليزيو، أندريه مالرو، وأنطونين أرتو، ورشحت ترجمتها لقصيدة الشاعر الفلسطيني محمود درويش لجائزة القلم الدولي للترجمة، وتم اختيار بعض من شعرها ليتم إدراج في كتاب الأمم المتحدة للشعر لعام 2015.
ومن خلال منحة الزمالة، تعمل الزين في مشروع بعنوان ” الأدب السعودي المعاصر: قسوة التأقلم مع الحداثة”. وهو بحث يوضح أن الأدب السعودي المعاصر ينقل معضلة المجتمع السعودي الممزق بين الانبهار بكل ما هو غربي والالتزامات للتقاليد الراسخة التي لا تتزعزع، وقد أدت مسألة التقاليد وصعوبة التكيف مع التغيرات السريعة إلى الشعور بالضيق الشديد، وفقدان الهوية، والارتباك، والتي هي سمة من سمات الامبريالية الجديدة. يفسر هذا البحث العديد من الروايات والقصائد التي تعكس محن الشعب السعودي عندما يتحدى القواعد القاسية التي قام عليها، وسيتم إجراء مقارنات بين الأدب السعودي وما كتبه الكتاب الآخرين في منطقة الخليج.
مقال بقلم: سوزي ميرغاني، مدير ومحرر لمنشورات مركز الدراسات الدولية والإقليمية باللغة العربية