هل هي حرب بوسائل أخرى؟ إيران تحت العقوبات
نظم مركز الدراسات الدولية والإقليمية حلقة نقاش في 12 مارس 2013 تحت عنوان “هل هي حرب بوسائل أخرى؟ إيران تحت العقوبات”، جمعت حلقة النقاش كلاً من: مهران كمرافا مدير مركز الدراسات الدولية والإقليمية، منصور معدل الأستاذ الزائر في مركز الدراسات الدولية والإقليمية، وماناتا هاشمي زميل ما بعد الدكتوراه في مركز الدراسات الدولية والإقليمية. هدف اللقاء لإجراء نقاش حول طبيعة العقوبات ونتائجها على كل من الفرد الإيراني والدولة الإيرانية.
بدأ مهران كمرافا مدير مركز الدراسات الدولية والإقليمية النقاش بتلخيص تاريخ العقوبات المفروضة على إيران، وتأثيرها على حياة الإيرانيين العاديين. مشيراً إلى أن فرض العقوبات على إيران قد تم من قبل الولايات المتحدة وحكومات غربية أخرى كردة فعل على حادثة رهائن السفارة الأمريكية عام 1979، وكطريقة لعزل الجمهورية الإسلامية في السنوات اللاحقة. بعد ذلك بعشرين عاماً قامت إدارة كلينتون بتمرير ” قانون العقوبات الإيرانية” الذي جعل نظام العقوبات مكوناً أساسياً للسياسة الخارجية الأمريكية. شرح كمرافا بأن العقوبات “لم تنظم بشكل فعلي إلا في التسعينيات عندما ازدادت مخاوف الولايات تجاه برنامج إيران النووي”. وهكذا فقد تم استخدام العقوبات كوسيلة لضمان عرقلة التقدم في البرنامج النووي الإيراني بسبب حظر الاستيراد والتصدير. وأضاف كمرافا “تمثل الافتراض بأنه بمجرد إيقاف إيران لعمليات تخصيب قدرتها النووية سيتم رفع العقوبات”.
في السنوات التالية، هددت إدارة بوش إيران بإمكانية شن حرب عليها، في حين قامت إدارة أوباما بتطبيق المزيد من العقوبات على الجمهورية الإيرانية لتضييق الخناق عليها. يؤكد كمرافا أن “إدارة أوباما كانت الأكثر عدوانية بشأن نظام العقوبات”، وذلك لأن الرئيس أوباما كان يحاول إبقاء الجمهوريين في وضع حرج عن طريق التزامه بوسائل الكونغرس وغيرها من الوسائل المؤسساتية كأسلوب عمل بدلاً من مهاجمة أو غزو إيران.
يشرح كمرافا مشكلة العقوبات الشاملة بأنها لا تفرق دائماً بين الاحتياجات المدنية والعسكرية. فقلما استهدفت العقوبات المفروضة على إيران الدولة فقط حيث أن للتدابير المقيدة آثار مدمرة على السكان المدنيين كذلك. وما اصطلح على تسميته بـ “تقنية ثنائية الاستخدام” تشمل طيفاً كاملاً من البضائع التكنولوجية التي تعتبر مكوناً أساسياً لتعزيز القدرات العسكرية، ومع ذلك فهي ضرورية أيضاً للصناعات الأساسية المدنية. ويعتبر الطيران المدني مثالاً على ذلك حيث أن نقص المواد الأساسية يعني تدهور ناقلات الركاب على نحو مطرد وعلى مدى عقود دون التمكن من تجديدها. علاوة على ذلك، تم إعفاء مواد المساعدات الإنسانية كالدواء مثلاً من نظام العقوبات، إلا أن العقوبات الصارمة على النظام البنكي أدت إلى صعوبة إجراء أي نوع من أنواع التعاملات المالية للحصول على الدواء.
نقلاً عن استطلاع غالوب الذي أجري مؤخراً في الأوساط الإيرانية، استطلعت آراء أشخاص إيرانيين حول تأثير العقوبات على حياتهم اليومية، ويقول كمرافا أن معظمهم أجابوا بأنهم تأثروا بشكل شخصي. إلا أن الأمر المثير للاهتمام هو أنه وبالرغم من أن معظمهم قد أقروا بأن البرنامج النووي هو السبب الرئيسي لفرض العقوبات، إلا أنهم يلقون اللوم على الولايات المتحدة بوصفها المتسبب بمعاناتهم الشخصية. ويضيف كمرافا “بالتالي، فإن تأثير العقوبات كان عكسياً، مقارنة بنوايا الولايات المتحدة”.
أنهى كمرافا حديثه باستخلاص أربعة استنتاجات رئيسية: أولاً: “أضحت العقوبات أداة الضغط المفضلة للولايات المتحدة”، ثانياً: “ثمة تصور ذاتي للمعاناة بين صفوف الشعب الإيراني”، ثالثاً: “ثمة مستوى عال من التأييد للبرنامج النووي”، وأخيراً “يحمل الشعب الإيراني الولايات المتحدة مسؤولية المحنة الإيرانية”.
قدمت ماناتا هاشمي العرض الثاني وحللت فيه شدة تأثر المشاهد الاجتماعية والاقتصادية بالعقوبات الأمريكية والأوروبية، ما أدى إلى هبوط قيمة الريـال وارتفاع حاد في أسعار البضائع اليومية. وأوضحت هاشمي: “لم ترتفع أسعار البضائع المستوردة فقط، بل ارتفعت أسعار البضائع المنتجة محلياً أيضاً وذلك لأن بعض التجار قد تذرعوا بانخفاض قيمة الريـال ليرفعوا أسعار بضائعهم”. علاوة على ذلك، انخفض الإنتاج في جميع أنحاء البلاد بسبب التدابير المقيدة ما أدى بدوره إلى انخفاض عدد الوظائف وزيادة معدل البطالة.
مع ذلك، وعلى عكس الخطابات الإعلامية العالمية التي تتحدث عن معاناة الإيرانيين الشديدة في حياتهم اليومية، أوضحت هاشمي كيف أن الناس – خاصة أفراد الطبقة الدنيا في المجتمع – قد تأقلموا مع هذه القيود والتفوا عليها، وقالت: “نحن نعلم يقيناً أن العقوبات مؤلمة، فقد تسببت بالتضخم وانهيار العملة، فضلاً عن إضرارها بالفرص الاقتصادية للأشخاص العاديين، وليس مستغرباً أن ذلك قد عزز شعوراً عاماً ضد الغرب”. على الرغم من ذلك، فقد طورت المنظمات الحكومية سلسلة حملات تم من خلالها توزيع الصدقات والمساعدات لمن هم في أمس الحاجة إليها. وأكدت هاشمي أنه بالتزامن مع هذه الإجراءات الرسمية، “ساهمت المنظمات غير الحكومية أيضاً بالتخفيف من آثار العقوبات عن طريق توزيع المساعدات العينية غير النقدية كالملابس واللوازم المدرسية وغيرها من الضروريات للفئات الأشد فقراً”.
إلا أن الناس الذين يشكلون الطبقات الدنيا والمتوسطة في المجتمع لا يجلسون بانتظار الصدقات، بل يعملون بجد لتحسين حياتهم وذلك من خلال اتخاذ سلسلة من التدابير الإبداعية من شأنها أن تخفف من تأثير العقوبات. فقد أصبح الإيرانيون أكثر وعياً تجاه عادات الإنفاق وقاموا بتغيير ممارساتهم التسوقية عن طريق شراء السلع المنتجة محلياً، والتي كانوا يتجنبون شراءها فيما مضى لاعتبارها أقل جودة ودليلاً على تدني الوضع الاجتماعي. شملت التدابير الأخرى الالتحاق بأعمال إضافية – في السوق غير الرسمية في أغلب الأحيان – أو يشاركون في شبكات المقايضة بين العائلة والأصدقاء. تقول هاشمي “من خلال السماح للشباب بالحصول على الممتلكات المادية، فإن هذا النوع من شبكات مقايضة الملابس يساعدهم على تخفيض نفقاتهم الشخصية إلى أدنى حد ممكن، فضلاً عن أنها وسيلة لحفظ ماء الوجه والمحافظة على سمعتهم بين أقرانهم”.
أنهت هاشمي عرضها بالقول إن الناس في إيران لا يجدون سبلاً للنجاة في دولة تعاني الاختناق بسبب العقوبات فحسب، بل إنهم يكافحون أيضاً في سبيل “حياة طيبة” وكريمة ومليئة بالآمال والطموحات.” على الرغم من الأوضاع الصعبة التي فرضتها العقوبات، إلا أن الإيرانيين الموجودين في بلادهم قد وجدوا سبلاً للالتفاف عليها ومقاومة بعض آثارها المنهكة، بل إنهم حققوا بعض المكاسب الاجتماعية والاقتصادية الصغيرة على الرغم من هذه الأوضاع.
منصور معدل كان آخر المتحدثين وأنهى حلقة النقاش بتسليط الضوء على ما واجهته الجمهورية الإسلامية من تحديات رئيسية، “من شأنها تحويل النظام الإسلامي والمساهمة في نهوض السياسة المعتدلة والديمقراطية في إيران”. أول هذه التحديات هو الموقف الحازم للمجتمع الدولي ضد السياسة النووية للجمهورية الإسلامية وثانيها هو نمو حركة المعارضة الداخلية التي تدعو إلى القيم الليبرالية والحكم الديمقراطي. على الرغم من ذلك، ليس هناك تنسيق بين هاتين القوتين فنظام العقوبات قد طغى على أي شكل من أشكال التعامل مع إيران. والمفارقة أن تأثير نظام العقوبات كان أشد ضرراً على القوى الديمقراطية من قدرته على تقويض النظام وإمكاناته. وأوضح معدل “ساهم نظام العقوبات بفاعلية في تقويض القطاع الخاص والطبقة الوسطى مع تعزيزه لقوة الحرس الثوري الإسلامي”.
أشار معدل نقلاً عن نتائج استطلاعين أجريا في إيران ما بين عامي 2000 و 2005 إلى تحول ملحوظ في مشاعر الإيرانيين العاديين نحو القيم الليبرالية والقومية التي تناقض نظام الحكم الإسلامي. حالياً تعلي نسبة كبيرة من الإيرانيين القومية على الدين كأساس لهويتهم. وأكد على أن ضعف دعم المجتمع الدولي لهذه المواقف الليبرالية الجديدة يعتبر فرصة ضائعة.
ثمة العديد من نماذج العقوبات البديلة “الذكية” التي يمكن تطبيقها وأخرى قادرة على دعم عملية تغيير الاستراتيجية. تجدر الإشارة برأي معدل إلى عدم اتفاق كل أصحاب المصلحة في الولايات المتحدة على أن فرض عقوبات على إيران هو الوسيلة الأفضل لتحقيق الأهداف. فبينما يبدي اللوبي الإسرائيلي حماساً لفرض المزيد من العقوبات المقيدة، ترفض العديد من الشركات الأمريكية ذلك وتفضل الاستمرار بالعلاقات التجارية مع إيران. أكد معدل بأن “العقوبات الفعالة، من وجهة نظري، هي تلك التي تقوض بشكل فاعل القدرة القمعية للنظام، بما يشمل الحرس الثوري، في حين تعزز قوة المعارضة الديموقراطية”.
لا تستطيع الحكومات الغربية أن ترى أبعد من مخاوفها من الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل، في حين توجب عليها بدلاً من ذلك تشجيع ازدهار المجتمع المدني وتعبئة الشعب الإيراني لتبني الدعوة إلى الديمقراطية. اختتم معدل حديثه بالقول: “إن العقوبات القاسية الحالية قد تقوض النظام في الواقع، إلا أنها قد تدمر مؤسسات المجتمع المدني في الوقت نفسه، فضلاً عن إضعاف معنويات الجهات المعارضة. العقوبات الذكية جيدة، إلا أن العقوبات القاسية الحالية شاملة وعالمية وتؤثر سلباً على حياة جميع الإيرانيين، إنها ببساطة حرب بوسائل أخرى”.
المقال بقلم: سوزي ميرغاني، مدير ومحرر المطبوعات في مركز الدراسات الدولية والإقليمية.