نظريات المؤامرة في العالم العربي
ألقى ماثيو جراي، الأستاذ المحاضر في مركز الدراسات العربية والإسلامية في الجامعة الوطنية الأسترالية في كانبيرا محاضرة بعنوان “شرح نظريات المؤامرة في العالم العربي” وذلك بتاريخ 11 يناير 2011.
ارتكزت محاضرة جراي إلى ما قام به من أبحاث لصالح كتابه الذي حمل عنوان: نظريات المؤامرة في الشرق الأوسط: المصادر والسياسة (روتليدج، 2010). وأشار إلى أن “نظريات المؤامرة هي لغة سياسية حقيقة”، لذلك فهي تستحق الدراسة الجادة. وعلى الرغم من أن انتشار قصص غير معروفة المصدر يعد ظاهرة اجتماعية يمكن تصنيفها ضمن فئة الإيهام أو المبالغة، إلا أنها مع ذلك مؤشرات هامة عن المخاوف الاجتماعية التي يمكن أن تكشف عن أفكار كامنة عادة ما يتم تجاهلها في الخطاب السائد.
يقول جراي إن أول مهمة شاقة عند دراسة هذه الظاهرة كانت تعريف نظرية المؤامرة. الأمر الذي يعد صعباً، لأن مثل هذه النظريات تنقلب إلى حقيقة في بعض الأحيان أو ينتشر اعتقاد على نطاق واسع أنها صحيحة. بشكل عام، “تنطوي نظرية المؤامرة بشكل شبه دائم على عنصر السرية المطلقة، وغالباً ما تكون سلبية ومؤذية. وفي كثير من الأحيان تبدو وكأنها تستخدم الحجج المنطقية، لكن بمجرد التعمق فيها، يظهر الخلل المنطقي أو الخطأ الواقعي”. وعلى هذا النحو، تزدهر نظريات المؤامرة لأنها تبدو وكأن من غير الممكن دحضها.
ثمة ثلاثة مجالات رئيسية تعزز الظروف التي تسهم في ازدهار نظريات المؤامرة، وهي عوامل محركة تاريخية وأيديولوجية وذات علاقة بالدولة والمجتمع. أشار جراي إلى أن الاتفاق حول بعض الروايات التاريخية من شأنه أن يبني شبكة دعم بين صاحب نظرية المؤامرة والمتلقي. “يعتبر التاريخ مهماً لإرساء أسس نظرية المؤامرة”، والسماح بإعادة تقييم الآثار والقيم التاريخية، بالتالي فهي وسيلة للمشاركة السياسية.
أما الأيديولوجية فهي المحرك الرئيسي الثاني لنظريات المؤامرة برأي جراي. وقد أوضح أن بعض الأيديولوجيات مثل التنمية التي تقودها الدولة، والاشتراكية العربية، والقومية العربية، والديمقراطية، والإسلام، قد فشلت في جذب اهتمام غالبية الناس، لذلك وفي ظل غياب أيديولوجية مقنعة، تنتشر نظريات المؤامرة.
يدور العامل الثالث حول المشاكل التي تعتري العلاقة بين الدولة والمجتمع في العالم العربي. وصف جراي منطقة الشرق الأوسط بأنها المكان الذي تعمل فيه بنى حاكمة غامضة على مستوى النخبة السياسية. وأنه منطقة تزدهر فيها عادة شبكات البيروقراطية المعقدة ومؤسسات الدولة القمعية. في ظل هذه الظروف، أشار جراي إلى أن “المجتمعات تواجه صعوبة في إدراك كيفية عمل من يمسكون بزمام السلطة”، ما يشكل بيئة مثالية لظهور نظريات المؤامرة.
أحياناً يكون العكس هو الصحيح، ويمكن لانتشار نظريات المؤامرة أن يكون أمراً يناسب المتحكمين بمراكز السلطة. يقول جراي: بالفعل، “يمكن أن تكون الدولة والنخبة السياسية من رواة نظريات المؤامرة”. يمكن لنظريات المؤامرة التي تصادق عليها الدولة صرف الانتباه عن تفسيرات أخرى أو عن غيرها من القضايا الملحة.
يوضح جراي: “يمكن لنظريات المؤامرة أن تساعد في بناء واقع مضاد لتشويش الناس أو تضليلهم. حيث يمطر الناس بوابل من المعلومات الواقعية، بشيء من الانحياز، وتبث نظريات المؤامرة، وبعد فترة من الزمن، يصبح من الصعب تمييز ماهية الحقيقة، وما الذي يجب قوله أو لا، خاصة في سياق سلطوي صارم”.
اختتم جراي المحاضرة بشرح أن نظريات المؤامرة ستستمر بالازدهار في أعقاب ظهور محطات التلفزة العالمية، ووسائل الإعلام الجديدة، وتكنولوجيا الاتصالات. يقول جراي: “تكمن المفارقة في أنه مثلما تمكنك تكنولوجيا الاتصالات من نشر الحقيقة والتعليم بسهولة جداً عبر الفضائيات والإنترنت، تمكنك أيضاً من الحصول على جزء من المعرفة والسلطة ليصبح من الصعب بالنسبة للمستمع أو المشاهد العادي التمييز بين شخص يتحدث من موقع رسمي وسلطة تقليدية وشخص يدعي السلطة”.
المقال بقلم: سوزي ميرغاني، مدير ومحرر المطبوعات في مركز الدراسات الدولية والإقليمية.