ميخا كورتس في محاضرة عن "تعبئة المجتمعات المحلية في القدس المحتلة"
ألقى ميخا كورتس أحد مؤسسي “جذور مقدسية” محاضرة ضمن سلسلة الحوارات الشهرية التي ينظمها مركز الدراسات الدولية والإقليمية حول “تعبئة المجتمعات في القدس المحتلة” وذلك بتاريخ 12 نوفمبر 2013. يعمل كورتس لدعم المنصة الفلسطينية للدفاع المجتمعي في القدس، وذلك لوضع القدس مرة أخرى على الخريطة الدولية باعتبارها عاصمة للدولة الفلسطينية. ركزت محاضرة كورتس على مدى التضليل الكبير الذي تتعرض له الحقائق السياسية الخاصة بالمجتمع الفلسطيني المعزول، فغالباً ما يتم تهميش قضايا الإفقار المتزايد للفلسطينيين، ومعاناتهم اليومية من عمليات التطهير، تحت المسمى السياسي الإسرائيلي بخصوص “الأمن والسلام”. وعلى الرغم من الإسرائيليين والفلسطينيين يتقاسمون بعض المساحات في المدينة، إلا أن تجاربهم كانت دائماً متباينة ما أدى إلى استمرار الصراع والتوتر.
يقول كورتس: لفهم تاريخ القدس، لا بد من فهم تشعبات تاريخ الصراع. فبالنسبة للجانب الإسرائيلي، بدأ الفهم التاريخي المعاصر للتوتر في عام 1967، بالإضافة إلى مناقشات “حل الدولتين”، أما بالنسبة للجانب الفلسطيني فقد كانت البدايات قبل ذلك بكثير مع حدوث النكبة عام 1948. ويوضح كورتس أن تدريس تاريخ النكبة في المدارس الإسرائيلية، يعد أمراً غير شرعي. لذلك نجد أن العديد من الإسرائيليين وكذلك المجتمعات الغربية لا تدرك أو حتى لا تبالي عادة بمعرفة الحقيقة الكاملة لما يجري على أرض الواقع.
يقول كورتس إنه إذا عاد المرء بالتاريخ إلى أبعد من ذلك، قبل أن يكون هناك أي انقسامات بين الإسرائيليين والفلسطينيين، نجد القدس التي كان يسكنها اليهود والمسلمون والمسيحيون. كانت القدس مدينة مركزية في المنطقة تصل مدن بيت لحم والخليل وبئر السبع في الجنوب بمدن نابلس والناصرة وطبريا في الشمال. كما كانت المدينة تشكل صلة وصل بين أريحا في الشرق وميناء يافا والبحر الأبيض المتوسط في الغرب، وذلك عبر أقدم طريق تجاري في العالم. لم تكن المدينة مجرد عاصمة روحية أو دينية؛ بل كانت عاصمة اقتصادية في المنطقة. لكن إسرائيل فصلت المدينة عن ضواحيها وعن الضفة الغربية، وعزلت القدس وتعاملت معها كما لو أنها مدينة في أوروبا، لا كعاصمة في الشرق الأوسط.
في محاولة للسيطرة على التركيبة السكانية، على مدار العقود الأربعة الماضية، رمت سياسة الحكومة الإسرائيلية للمحافظة على إبعاد الأجزاء الفلسطينية من المدينة عن ركب التطور، مع توسيع مشاريع الإسكان والاستيطان الإسرائيلي بصورة يعتبرها القانون الدولي غير شرعية. وفي حين نما الاستيطان الإسرائيلي على الأراضي الزراعية الفلسطينية المسروقة خلال السبعينيات والثمانينيات، لم يكن لدى الأسر الفلسطينية الشابة التي منعت من تطوير أحيائها، خيار سوى الانتقال إلى خارج المدينة، وسكنى الضواحي. في وقت لاحق في التسعينيات وخلال ما وصف بأنه “خطوة نحو السلام”، أقيمت نقاط التفتيش التي حدّت من وصول الفلسطينيين إلى منطقة الأعمال المركزية وإلى السوق الرئيسية، وأماكن العمل، ونقاط الرعاية الصحية، ومراكز التعليم. وبالنسبة للفلسطينيين الذين تم القبض عليهم عند نقاط التفتيش أو عبر مداهمات الجيش الإسرائيلي للمنازل واتهموا بأنهم لا يقطنون داخل الحدود الإسرائيلية المحددة للمدينة فقد تم إلغاء “تصريح الإقامة” الخاص بهم. ولن يكون لدى هؤلاء بعد ذلك الحق في زيارة مسقط رأسهم دون تصريح إسرائيلي. كما قامت إسرائيل مؤخراً بفصل القدس عن الضواحي القديمة عبر بناء “جدار الفصل”. وقد بني “الجدار” خلال الفترة المعروفة باسم “حرب بوش على الإرهاب”، وكثيرا ما تم تبرير تشييده تحت مسمى “الأمن”. ومع ذلك، فقد أثبتت العديد من المصادر الإسرائيلية أن الأمر ليس كذلك، وأن “الجدار” قد خدم الاقتصاد الإسرائيلي عبر عزل المدن الفلسطينية بعضها عن بعض.
لا تسمح الحكومة الإسرائيلية اليوم للسلطة الفلسطينية ببسط نفوذها على القدس. وفي غياب حق التصويت في انتخابات حكومية مناسبة، لم يعد سكان القدس الفلسطينيون ممثلين سياسياً على مدى العقود الأربعة الماضية. ناقش كورتس الانقسامات والانفصالات التي حدثت، فالفلسطينيون الذين يعيشون في ضواحي المدينة أضحوا معزولين عن مجتمعاتهم وعن المرافق الأساسية. ونتيجة لذلك، فقد أغلق أكثر من 5,000 مشروع تجاري أبوابه على مدى العقد الماضي، لتصل معدلات البطالة والفقر وتصاعد التوترات إلى مستويات الذروة. كما تمت عمليات تطهير للطابع القديم للقدس كما حدث مع سكانها الفلسطينيين.
روى كورتس بأسى كيف “تمكنت إسرائيل مع مرور الوقت حيازة الأراضي الواقعة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط، بما يشمل الاقتصاد والموارد والشعوب التي كانت تعيش هناك”. وأضاف لاحقاً: “أجد صعوبة في وصف إسرائيل بالدولة الديمقراطية أو اليهودية”. وفي الختام، تساءل كورتس كيف “لكثير من الناس في جميع أنحاء العالم مناقشة حل الدولتين، متوقعين ’السلام والحوار والتعايش’ في حين أشعر أننا ينبغي أن نناقش حقوق الإنسان والعدالة وقيادة عملية المحادثات حيال حرية التنقل والتنمية في العاصمة الإقليمية الهامة”.
ولد ميخا كورتس ونشأ في القدس. وأدرك خلال الانتفاضة الثانية حين كان جندياً إسرائيلياً معنى الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين أرضاً وشعباً. وفي عام 2004، كان أحد مؤسسي حملة “كسر الصمت”، وتركز عمله منذئذ في مدينة القدس “بؤرة الاحتلال المنسية”. وقد فتحت مؤسسة “جذور مقدسية” أبوابها مؤخراً أمام المرسى، وهو مركز مجتمعي سياسي ومكتب قانوني أنشئ لمواجهة التهديدات التي تعيق حرية التعبير والتجمع في القدس اليوم.