كاي هينريك بارث يتحدث عن الطموح النووي في منطقة الخليج
ألقى أستاذ الشؤون الحكومية كاي هينريك بارث الحوارية الشهرية لمركز الدراسات الدولية والإقليمية في السادس من ديسمبر 2009 بعنوان: “الطموح النووي في منطقة الخليج”. وركز على المخاوف من انتشار نووي مترافق مع أهداف طموحة لإنتاج طاقة نووية في دول الخليج، مع التركيز على دولة الإمارات العربية المتحدة.
قسمت حوارية بارث إلى خمسة أقسام. أكد في الأول منها على “اللغز” الكامن في قلب الجدل: لماذا تسعى دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، رغم ضخامة احتياطياتها من النفط والغاز، إلى تطوير مشاريع للطاقة النووية؟ وأوضح في الثاني مخاطر انتشار الطاقة النووية، وألقى الضوء في الثالث على السياق الاستراتيجي لمنطقة الخليج، مؤكداً على مخاوف مجلس التعاون لدول الخليج العربية المتعلقة ببرنامج إيران النووي، وقام في الرابع بتحليل مساعي دولة الإمارات العربية المتحدة في الشأن النووي، وأخيراً اختتم باقتراح بعض التوصيات لسياسة ناجحة.
وفي معرض بحثه في مشاريع الطاقة النووية حول العالم، قال بارث: “تمتلك ثلاثون دولة اليوم محطات للطاقة النووية، ويتم تشغيل 436 مفاعل نووي بالمجمل. وطلبت أكثر من أربعين دولة أخرى في السنوات القليلة الماضية المساعدة من وكالة الطاقة الذرية لتطوير برامج جديدة. وقال بارث: “في الفترة القصيرة الممتدة بين فبراير 2006 ويناير 2007، أطلقت ثلاث عشرة دولة في المنطقة خططاً لاستخدام الطاقة النووية.” وهي دول في منطقة الشرق الأوسط الكبير وتشمل كل دول الخليج، باستثناء العراق.
وأضاف بارث “ينطلق الاستثمار في الطاقة النووية في منطقة الخليج لأسباب تبدو أمنية أكثر منها اقتصادية.” ويكتسي توقيت إعلان سياسة مجلس التعاون لدول الخليج العربية عام 2006 أهمية خاصة لأنه يوضح أن الطموح النووي في الخليج جاء رداً على ثلاثة تطورات: المخاوف المتنامية حول تراجع الدور الأمريكي في المنطقة، خاصة بعد حرب العراق 2003، وتنامي الثقة الشيعية بعد الصراع الإسرائيلي اللبناني في 2006، والأهم: المخاوف حول البرنامج النووي الإيراني. وأكد بارث على أن المشاريع النووية في الخليج “تتمحور حول الأمن بشكل أساسي، وتدفعها مخاوف من البرنامج النووي الإيراني.”
وأشار بارث، بما يخص مخاطر الانتشار النووي، إلى الإمكانية الدائمة لتصنيع أسلحة نووية بغض النظر عن النوايا المصرح عنها وعن مدى سلميّة المشاريع المدنية المقترحة. حيث يمكن استخدام مرافق تخصيب اليورانيوم، على سبيل المثال، لأغراض سلمية، ولكن يمكن استخدامها كذلك في تصنيع أسلحة نووية. كما يمكن فصل البلوتونيوم عبر عمليات إعادة المعالجة الكيميائية للوقود المستهلك في مفاعل نووي، والذي يمكن استخدامه بدوره في تصنيع أسلحة نووية. وأضاف بارث أن “تاريخ العديد من برامج التسلح النووي يظهر العلاقة القريبة بين التطبيقات المدنية والعسكرية للطاقة النووية: فغالباً ما استفادت البرامج العسكرية من تقنيات اكتسبت واختبرت في برامج سلمية. وقال بارث: ”على الرغم من تطبيق إجراءات السلامة الخاصة بوكالة الطاقة الذرية لمنع حدوث ذلك، تبقى المخاطر حاضرة على الدوام.”
أشار بارث، مؤكداً على السياق الاستراتيجي للبرامج النووية في الشرق الأوسط، إلى أن التهديد الكامن وراء الطموحات النووية الإيرانية يهيمن على المنطقة. ولإلقاء الضوء على الوضع الراهن لقدرات إيران النووية قال بارث: “لدى دول الخليج والشرق الأوسط الكبير ما يكفي من الأسباب التي تدفعها للقلق، ويزيد البرنامج الصاروخي الإيراني من حجم المخاوف في المنطقة.” وأضاف “تتصف العلاقة بين إيران ودولة الإمارات العربية المتحدة بالتوازن الدقيق، والتنافسية، فهما جارتان، وشريكتان اقتصاديتان، مع وجود خلاف قديم حول ثلاث جزر في الخليج، والأهم من ذلك كله، استضافة دولة الإمارات العربية المتحدة لأكبر جالية من المغتربين الإيرانيين. لذلك فالعلاقة بين البلدين شديدة التعقيد والتشابك.”
وأكد بارث على قدرات دولة الإمارات العربية النووية بالقول: “تمتلك دولة الإمارات العربية البرنامج النووي الأكثر طموحاً بين دول مجلس التعاون.” حيث تضم دولة الإمارات محطتين نوويتين كبيرتين لتوليد الطاقة يتوقع تشغيلهما بحلول عام 2017. وطرح بارث أسئلة حول ذلك “هل تشكّل مسألة الطاقة مبرراً حقيقياً أم ظاهرياً في حالة دولة الإمارات؟ وهل هنالك عجز حقيقي فيها على الرغم من كل الثروة النفطية؟”
وفي معرض الرد على تلك التساؤلات، تؤكد حكومة دولة الإمارات أن “هنالك مخاوف لديها حول إمدادات الطاقة، وأنها تحتاج إلى تنويع مصادرها.” ومن جهة أخرى، وبسبب دعم الحكومة للماء والكهرباء، “يعد استهلاك الطاقة في دولة الإمارات مرتفعاً للغاية.” وتتوقع حسابات دولة الإمارات العربية المتحدة عجزاً في إنتاج الطاقة أمام الطلب المتنامي عليها خلال العقود القليلة القادمة. ووفقاً لتوقعات دولة الإمارات العربية الرسمية، “بحلول عام 2020، ستحتاج دولة الإمارات العربية المتحدة إلى قدرات إنتاج 20 جيجاواط إضافية من الكهرباء.” وقد درست دولة الإمارات، وفقاً للتصريحات الرسمية، إمكانية استخدام الفحم، ولكن تم استبعادها بسبب انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون بالدرجة الأولى، كذلك، وبينما تسعى دولة الإمارات العربية إلى الطاقة البديلة، مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية، خلصت التقارير الرسمية إلى أن القدرات الانتاجية لتلك المصادر محدودة. ووصف بارث المنافع الاقتصادية المفترضة للطاقة النووية في دولة الإمارات بأنها “مشكوك بها، في أحسن الأحوال.” إذ تجعل التكاليف الباهظة، وتقلب أسعار النفط والغاز، من مشاريع الطاقة النووية في منطقة الخليج مغامرة اقتصادية كبيرة. ويعتقد بارث أن الافتراضات المتفائلة بشأن توليد الكهرباء عبر الطاقة النووية بتكاليف منخفضة في منطقة الخليج محل شكّ. وأضاف، أنه على الرغم من شرعية مخاوف دولة الإمارات من العجز في الطاقة، لكنه يعتقد أن الأسباب الأمنية في مواجهة إيران هي المحرك الأساسي للمشاريع النووية في دولة الإمارات العربية المتحدة.
وفي الختام، قدّم بارث مجموعة توصيات من شأنها أن “تؤمّن أمن الطاقة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية دون التسبب بمشكلة انتشار نووي.” واقترح أن تمتنع الدول المصدرة للتكنولوجيا النووية عن بيع المفاعلات النووية إلى أية دولة دون التطبيق الصارم لإجراءات السلامة وفقاً لوكالة الطاقة الذرية. ودعا إلى إيقاف إمكانات التخصيب وقدرات إعادة المعالجة في العالم بوجه عام، وفي منطقة الشرق الأوسط بوجه خاص. أخيراً، أوضح بارث أن الطاقة النووية في نهاية المطاف “تعاني من مشكلات كبيرة ولم تلغ علاقتها مع الأسلحة النووية بعد، ولا أرى مستقبلاً يتم فيه إلغاؤها.”
يعمل كاي هينريك بارث أستاذاً مساعداً زائراً في كلية الشؤون الدولية بجامعة جورجتاون قطر. وشغل عضوية هيئة التدريس الأساسية في برنامج الدراسات الأمنية الخاص بجامعة جورجتاون من العام 2002 إلى العام 2008، كما شغل منصب رئيس الدراسات للبرنامج في السنوات الثلاث الأخيرة. وتركز أبحاث الدكتور بارث الحالية على أسباب وعواقب الانتشار النووي، مع التركيز على إيران. كما بدأ بتقصي الطموحات النووية في دول الخليج. نشرت أبحاثه في “الفيزياء اليوم” و”الدراسات الاجتماعية للعلوم” وغيرها، وهو رئيس التحرير الزائر (مع جون كريج) في مسألة خاصة في مجلة أوزوريس عن “المعرفة العالمية بالطاقة: العلوم والتكنولوجيا في العلاقات الدولية (جامعة شيكاغو 2006).
المقال بقلم: سوزي ميرغاني، مدير ومحرر المطبوعات في مركز الدراسات الدولية والإقليمية