خطط جديدة لفلسطين عالقة في برزخ أبدي؟
ألقى سام بحور، الشريك الإداري في إدارة المعلومات التطبيقية، مدير في البنك العربي الإسلامي، ومستشار السياسة لشبكة السياسة الفلسطينية “الشبكة”، محاضرة ضمن سلسلة الحوارات الشهرية التي يقيمها مركز الدراسات الدولية والإقليمية حول “خطط جديدة لفلسطين عالقة في برزخ أبدي” في 21 أبريل 2014. ركزت المحاضرة على استمرارية الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني. وأوضح بحور أنه لا يجب على فلسطين التغلب على أفعال العنف والظلم الإسرائيلي العلنية وحسب، وإنما على “صناعة السلام” نفسها التي تم إنشاؤها حول المشكلة ومن المفارقة أنها أسهمت في استمرار الصراع في وقت كانت تسعى فيه للمساعدة في التوصل إلى حل له. كما تم إنشاء بنى صلبة حول الصراع تمثلت بالمنظمات غير الحكومية الدولية، ومنظمات حقوق الإنسان، والمجموعات الدفاعية، والمؤسسات الفكرية الأكاديمية، والبرامج الثقافية، ومجموعات التضامن التي ازدهرت بفضل وجود هذا الصراع.
ناقش بحور أسباب حالة النسيان الدائم عندما يتعلق الأمر بفلسطين معللاً ذلك بأن “الموقف الإسرائيلي اليوم يرتكز إلى افتراض أن عملية المماطلة سوف تستمر لإمالة التوازن الاستراتيجي على نحو متزايد لصالح إسرائيل.” وعقداً إثر آخر، قام بحور برصد الحالات الرئيسية لعلاقات القوة بين إسرائيل وفلسطين وكيف أنها كانت تميل دوماً وبشكل مطرد لصالح دولة إسرائيل وبدعم أو لامبالاة المجتمع الدولي. كما أن الاحتلال الإسرائيلي قد عمد إلى نشر أمراض أيديولوجية تصور الفلسطينيين وكأنهم غير مكافئين أو أنهم لا يستحقون المساواة بالمعاملة. وأوضح بحور: “نحن لا نواجه حكومة إسرائيلية يمينية. بل نواجه مؤسسة دولة إسرائيل، والتي تضم أيديولوجية صهيونية حصرية تعتزم المحافظة على الرأي العالمي الذي يحابي اليهود، وتعقد العزم على تخليص أرض إسرائيل”.
تتحفظ إسرائيل على التوصل إلى تسوية نهائية ووضع حد للصراع لاعتبارها أربعة بدائل محتملة قد توصلها لاتفاق يمكن التفاوض عليه – وتصب جميع هذه البدائل في مصلحة إسرائيل وتقويض الموقف الفلسطيني. الأول هو إطالة إسرائيل لعمر المفاوضات إلى أجل غير مسمى عبر افتعال التقدم حتى وإن كان يمس الأرض والحقوق الفلسطينية. والثاني هو أن تتولى إسرائيل ترتيبات إقامة دولتين زائفتين شبه مؤقتتين حيث تتنكر السلطة الفلسطينية الضعيفة بزي حكومة فلسطينية. والثالث هو فصل أحادي الجانب من قبل إسرائيل، أما الرابع فهو تولي مصر والأردن السيطرة على الأراضي المحتلة.
وعلى الرغم من ذلك، وعلى حد قول بحور: “يبالغ المخططون الاستراتيجيون الإسرائيليون في تقدير قوتهم، ويقللون من شأن الفرص الاستراتيجية المتاحة للفلسطينيين”، ويمكن تحدي هذه النتائج الأربعة المحابية لإسرائيل من خلال إعادة توجيه الاستراتيجية الفلسطينية عبر أربعة نماذج جديدة. بما يشمل وضع حد لفكرة التفاوض بين الدولتين، وإعادة تشكيل السلطة الفلسطينية لتصبح كياناً أكثر فعالية بما يخدم الأولويات الفلسطينية، وتصعيد عمليات المقاومة الذكية عبر المفاوضات وإعادة تأكيد الوحدة الوطنية من خلال إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية والحصول على دعم طرف دولي ثالث؛ والتحول من حل الدولتين إلى دولة واحدة ديمقراطية ثنائية أو وحدوية القومية. وحين يقر الفلسطينيون في النهاية بحقيقة أن نتائج التفاوض الحقيقية لا يمن بها الإسرائيليون عليهم، سوف يتمكنون من رفض فكرة حل الدولتين.
ينتقل بحور بعدئد ليعرض وجهة نظره كوالد فلسطيني، ويتحدث عن رؤية بناته لمستقبل فلسطين. وعلى الرغم من أن أطفاله يدركون مجمل أعمال الاحتلال العسكري التي تقيد حياتهم، فإن موقفهم المتأثر بالحداثة والعولمة يعني أنهم يفكرون بشكل مختلف حيال القضايا ذاتها، ولديهم آرائهم الخاصة إزاء الأسلوب الأنجع لحل الصراع. وللتعبير عن رأي جيل الشباب الفلسطيني تعرب بنات بحور عن أسفهن لعدم جدوى القتال ضد الجيش الإسرائيلي الجرار وقدرته النووية، ويعبرن عن الإنهاك من عقود من المقاومة لتطبيق قانون دولي لا يمكن تنفيذه. لذلك فقد اخترن بدلاً من ذلك إعادة تعريف تقرير المصير الفلسطيني، والتوصل إلى بديل جذري لا يمكن للجيل السابق من الفلسطينيين تصوره أو تقبله وهو: الاعتراف بأن الفلسطينيين عاجزون عن إنشاء دولة يمكنها النجاة في ظل الظروف الراهنة، وبالتالي استسلام المقاومة الفلسطينية في سبيل إقامة دولة تكفل لهم كامل حقوقهم الإنسانية والمدنية والسياسية داخل بنية الدولة الإسرائيلية.
ويتابع بحور: “تعكس القضية الفلسطينية ظلماً تاريخياً كبيراً جداً لدرجة أن شعلتها لن تنطفئ”، إلا أن هذا النموذج الجديد من تقرير المصير بحسب تصور الشباب الفلسطيني يقلب نموذج الصراع رأساً على عقب ويتحدى عقوداً تحكمت فيها إسرائيل بمسار الأمور من خلال طروحاتها التي تفتقد المنطقية. وهكذا يخلص بحور إلى القول بأن جيل الشباب “يقف عند مفترق طرق فإما نستمر على مسار إقامة الدولة، الذي يثبت فشله حتى اليوم […] أو أن نسقط الدولة وندعو للحصول على الحقوق المدنية.”
سام بحور: فلسطيني – أميركي يقيم في البيرة / رام الله، فلسطين. وهو مستشار تجاري مستقل يعمل في إدارة المعلومات التطبيقية، ومتخصص في تطوير الأعمال مع التركيز على المشاريع الناشئة. وكان له دور فعال في تأسيس شركة الاتصالات الفلسطينية ومركز بلازا للتسوق، وأنهى مؤخراً فصلاً كاملاً كعضو في مجلس أمناء جامعة بيرزيت. ويقدم بحور خدمات متنوعة في العديد من منظمات المجتمع المحلي، بما في ذلك منصبه كمستشار السياسة لدى (الشبكة)، شبكة السياسة الفلسطينية، وهو أحد الأعضاء البارزين في المجموعة المرجعية المحلية لبرنامج المرافقة المعيشية في فلسطين وإسرائيل، وهو أحد مؤسسي مؤسسة دالية. وكاتب في الشؤون الفلسطينية حيث نشرت كتاباته على نطاق واسع. بالإضافة إلى أنه محرر مشارك في كتاب الوطن: التاريخ الشفوي لفلسطين والفلسطينيين، ويمكن التوصل معه عبر بريده الإلكتروني sbahour@gmail.com، ومدونته: www.epalestine.com.
المقال بقلم: سوزي ميرغاني، مدير ومحرر المطبوعات في مركز الدراسات الدولية والإقليمية.