تغير المياه والطاقة والمناخ في الخليج
نظم مركز الدراسات الدولية والإقليمية عرضاً جماعياً حول قضايا “تغير المياه والطاقة والمناخ في الخليج”. ترأس لجنة العرض العميد المؤقت لجامعة جورجتاون في قطر مهران كمرافا، و تألفت اللجنة من الأستاذ تيم بيتش من جامعة جورجتاون، والدكتور شريف الموسى من كلية الشؤون الدولية في جامعة جورجتاون في قطر، وماري لومي، الباحثة في المعهد الفنلندي للشؤون الدولية، وطالبة الدكتوراه في جامعة درهام. تناول الخبراء الثلاثة عرض المواضيع من وجهات نظر تخصصاتهم الفريدة في علوم الأرض، والسياسة البيئية ، والعلوم السياسية على التوالي.
اضغط هنا لتحميل تسجيل صوتي MP3 للعرض الجماعي
قدم تيم بيتش العرض الأول حيث أوضح حالة التنوع البيولوجي في العالم في ظل المناخ البيئي الحالي، وكيف يرتبط تراجعه بشكل مباشر بقضايا قلة الموارد وصولاً إلى الارتباط بقضايا حقوق الإنسان. يقول بيتش إن “العالم والخليج يواجهان حل طرفي معادلة المياه”. “يتمثل أحد جوانب السياسة المائية بالحفاظ على النظم البيئية ويتعلق جانب آخر بتوفير المياه بكميات كافية لتلبية الاحتياجات والاستخدامات البشرية المباشرة. في الوقت الحالي ومع تزايد الكثافة السكانية وارتفاع مستويات درجات الحرارة، ثمة عجز في المياه في عدة أجزاء من العالم. يتابع بيتش “لقد اختفى مايقارب نصف الأراضي الرطبة في العالم، خلال السنوات المائة الماضية تقريباً”.
“تغطي الأراضي الرطبة حالياً حوالي 6% من مساحة العالم، لكنها لا توفر خدمات نظام بيئي بشكل متناسب مع احتياجات البشرية وتشكل نقاطاً ساخنة للتنوع البيولوجي”، نظراً لما تمتلكه من إنتاجية أولية صافية عالية. أشار بيتش إلى “أن الأراضي الرطبة تواجه تهديدات مستمرة في الوقت الراهن”، فقد اختفت الأراضي الرطبة في العديد من المناطق حول العالم نتيجة للزراعة وللمشروعات الزراعية التي قام بها الإنسان بالإضافة إلى آثار تغير المناخ. يقول بيتش إن الأراضي الرطبة والمستنقعات والأشجار الاستوائية تعد من أهم المناطق لتوفير خدمات النظام البيئي، كالأسماك والحياة البرية وموائل التربة. لعل الأهم من ذلك من وجهة نظر بيئية اقتصادية، وبصرف النظر عن كونها موئل أنواع مهددة بالانقراض ومناطق تكاثر صناعات صيد السمك، “تشكل الأراضي الرطبة عاملاً محسناً لنوعية المياه الطبيعية”، كما أوضح بيتش. بذلك وعلى المدى الطويل، فإن قيمتها في الهكتار الواحد أكبر بكثير من الأراضي الزراعية الرئيسية. على هذا النحو، “تعد الأراضي الرطبة مناطق عزل طبيعية للكربون” لذلك فهي تحتاج إلى العناية المناسبة لتفعيل إمكاناتها الكاملة.
يضيف بيتش كفكرة أخيرة، يعتبر الحصول على المياه من حقوق الإنسان الأساسية التي تحتاج للحماية من خلال قرارات الأمم المتحدة ودعمها عبر برامج التنمية في المناطق الفقيرة من العالم. لا يجب لتفاعل الإنسانية مع الأراضي الرطبة أن يؤدي إلى تراجعها، إلا أننا من الممكن أن نتعلم من القبائل المتنوعة في أمريكا الجنوبية ومما أقاموه من علاقة تكافلية مستدامة وطويلة الأمد مع هذه المناطق.
قدم شريف الموسى العرض الثاني حول “مناقشة حروب المياه والنفط” في منطقة الشرق الأوسط. وقال إنه بالرغم من توقع حروب المياه منذ فترة طويلة، إلا أنها لن تمر مرور الكرام، لكننا نرى أن حروب النفط قد حلت حالياً مكانها. يعزو الموسى سبب ذلك إلى أن المياه ذات أهمية إقليمية وليست مورداً يمكن شراؤه من السوق العالمية. ويعتبر السبب الرئيسي اهتمام السياسات الدولية بندرة المياه ما يؤدي إلى تعطيل الإمدادات النفطية.
أما بالنسبة للبلدان ذات الموارد الهامة – التي يمكن تخصيصها و بيعها في السوق العالمية – فهي أكثر عرضة للمعاناة من النزاعات العنيفة مقارنة بالبلدان التي لاتملك هذه الموارد، ويعتبر النفط أحد الموارد المحدودة والمطلوبة بشدة. أوضح الموسى بأن هذه الموارد لاتشكل أساس النزاعات المسلحة فقط، لكنها تساعد على إطالة أمد النزاعات القائمة، وأضاف: “لايمكن اليوم فهم مايجري في العراق، دون إدراك دور النفط في الحروب الأهلية الحاصلة”
يقول الموسى نقلاً عن جاري ويلز في هذا الصدد، إن الولايات المتحدة الأمريكية قد أبدت اهتمامها بمنطقة الخليج ووقودها الأحفوري من خلال هدفين طويلي الأمد. الأول هو “ضمان تأمين الاحتياجات النفطية للدول الصناعية، أما الثاني فيتمثل بمنع أي قوة معادية من السيطرة السياسية والعسكرية على تلك الموارد. وأضاف “تاريخياً، اعتبرت أي محاولة من قبل قوة خارجية للسيطرة على منطقة الخليج اعتداءاً على المصالح الحيوية للولايات المتحدة الامريكية”.
وقد ترجمت هذه العقلية المترسخة من خلال الحربين اللتين قادتهما الولايات المتحدة الامريكية بما فيها حرب العراق. في حين تسببت أحداث 9/11 بحرب عام 2003، وكما زعم البعض، لم تكن الحرب لتحدث دون تثبيت مسبق “لضمان” إمدادات النفط من المنطقة.
أشار الموسى إلى أنه على الرغم من “ندرة المياه فإن الأمور سوف تزيد سوءاً بسبب النمو السكاني السريع، والتحضر، والاحتباس الحراري”، وقد تكهن الموسى بسبب خوض الحروب على النفط بدلاً على الماء قائلاً: إن المياه تتدفق عبر البلدان بعكس النفط، فللحصول على النفط عليك أن تقصد المصدر.
لكن، اذا نشبت الحرب على المياه، فإن ذلك سوف يحدث بين الدول العربية التي تضم مصبات الأنهار، وذلك لاعتمادها على الجغرافيا وتوزع السلطة في كل حوض.فعلى سبيل المثال، لا تستطيع سورية أن تشن حرباً على تركياً للسيطرة على نهر الفرات لأن تركيا تعد أقوى بكثير عسكرياً ولأن السيطرة على منابع هذا المجرى المائي سوف تؤدي إلى الهيمنة على ملايين الأكراد. إلا أنه من الممكن لسورية والعراق أن تتشاركا في مواجهة عسكرية إذا لم تسمح تركيا بمرور ما يكفي من المياه للدولتين. وقد يحدث الشيء نفسه في حوض النيل بين مصر والسودان، لأن مصر لن تطلق جيشها ليشن حرباً بعيدة عن حدودها المباشرة مع إثيوبيا، التي تعد منبع الجزء الأكبر من مياه نهر النيل. وأضاف أن ذلك يعتمد على المستقبل المجهول للسودان نفسه.
ختاماً، أوضح الموسى أن تجنب حروب الماء أو النفط في المستقبل يتطلب منا التوقف عن التفكير في الحروب كإمكانات سياسية، وبدء التفكير ببدائل مبتكرة قابلة للتطبيق.
تمحور عرض الباحثة الثالثة والأخيرة ماري لومي حول العلوم السياسية من منظور الضغوط والمصادر المحتملة للتهديد الذي يشكله تغير المناخ لدول الخليج، وقالت إن “يمكن لتغير المناخ بحد ذاته أن يؤدي إلى أنواع مختلفة من الآثار السلبية التي من شأنها أن تزعزع استقرار دول الشرق الأوسط”. وعلى الرغم من أن هذا هو الحال، فقد حذرت لومي من أن مناقشة المناخ في إطار أمني صارم قد يؤدي إلى التركيز على تدابير التكيف بدلاًمن التخفيف من حدته فضلاً عن تحويل نهج المشكلة من التعددية إلى الأحادية والمسؤولية من الفرد إلى الدولة. تقول لومي “ترى دول مجلس التعاون الست، وخاصة الدول الأربع الأعضاء في أوبك – المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة وقطر – أن التخفيف من آثار تغير المناخ يشكل تهديداً على اقتصاداتها”.
تؤثر الآثار السلبية لتغير المناخ على الجوانب الفيزيائية والاجتماعية والاقتصادية في أي بلد أو منطقة. وتشمل الآثار الفيزيائية درجة الحرارة وارتفاع مستوى سطح البحر، والتغيرات في هطول الأمطار، وشدة وتواتر الكوارث الطبيعية. ولفتت لومي إلى أن الآثار الاجتماعية تشمل مشاكل الأمن الغذائي والمائي، والهجرة، وعدم الاستقرار، أما فيما يتعلق بالآثار الاقتصادية “فإن تكلفة تأخر الإجراءات للتصدي لتغير المناخ ستكون أعلى من تكلفة اتخاذ إجراءات فورية”.
أما بالنسبة للشرق الأوسط، فقد أوضحت لومي أن هناك نقصاً في تسجيل البيانات التاريخية لأنماط الطقس الماضية وآثار تغير المناخ ، لكن بسبب ندرة المياه في المنطقة وعدم الاستقرار السياسي، من الممكن أن تكون هذه المنطقة إحدى أكثر المناطق عرضة للخطر في العالم. ومع ذلك، فقد ركزت دول أوبك في المفاوضات الدولية على العواقب السلبية المحتملة التي اتخذتها الدول الصناعية من السياسات والإجراءات للحد من تغير المناخ التي قد يكون لها أثر في المدى الطويل على عائداتها النفطية.
فيما يتعلق بمسؤولية الحد من تغير المناخ، أشارت لومي إلى أنه “على الرغم من أن الدول الصناعية تتحمل مسؤولية تغير المناخ وينبغي أن تأخذ زمام المبادرة في مواجهته، فسوف يتوجب على الدول النامية أن تدرك أن الفوز في هذه المعركة لن يتحقق إلا إن شارك فيها الجميع، كل بحسب قدرته”.
أوضحت لومي مختتمة عرضها أن تغير المناخ يمنح دول الخليج فرصاً يمكن استثمارها بشكل فاعل. وقالت إن “هناك فوائد مادية ملموسة يمكن كسبها من خلال إزالة الكربون من اقتصاد الطاقة في قطر، وذلك عبر استكشاف فاعلية الطاقة والطاقة الشمسية، وتجارة الكربون”. لذلك تقوم دول عدة في الخليج بإنشاء وزارات جديدة للبيئة تحاول إبراز أفكار جديدة على أنها دول فاعلة في استخدام الطاقة والتنمية المستدامة من خلال الاستثمار في العديد من المبادرات ومشاريع الطاقة البديلة.
في الختام، نظراً لوجود فراغ في القيادة الإقليمية في دول الخليج والشرق الأوسط، ترى لومي أنه “يتوجب على قطر، بالإضافة إلى توليها أموراً أخرى، أن تحاول تطوير التقنيات والحلول المتعلقة بالغاز الطبيعي، الذي ينظر إليه على نطاق واسع كوقود انتقالي”.
السير الذاتية لأعضاء اللجنة
يشغل تيم بيتش كرسي سينكو هرمانوس للشؤون الدولية والبيئية وهو أستاذ الجغرافيا وعلوم الأرض ومدير برنامج العلوم والتكنولوجيا والشؤون الدولية في مدرسة الشؤون الدولية لعام 2009 – 2010. كما سبق وشغل منصب مدير مركز البيئة في جامعة جورجتاون ما بين عامي 1999 و2007. تركز أبحاثه على التربة والزراعة وتغير البيئة وجغرافية علم الآثار. وكان بيتش قد درس في مجال الجغرافية الطبيعية (المناخ والهيدرولوجيا والجيومورفولوجيا والإدارة البيئية) وعلاقة ما سبق بالإدارة والسياسة الدولية في برنامج العلوم والتكنولوجيا والشؤون الدولية وبرامج الدراسات البيئية.
شريف الموسى أستاذ مساعد زائر في جامعة جورجتاون في قطر من الجامعة الأمريكية في القاهرة، مصر، حيث يشغل منصب أستاذ مشارك في قسم العلوم السياسية. يدرس الموسى في مجالات التنمية المستدامة والسياسة البيئية العالمية والتكنولوجيا والثقافة والتصنيع، والسياسة اليومية لفلسطين. تغطي أبحاثه وكتاباته موضوعات في السياسات البيئية بما فيها السياسات المائية، والتعاون/ الصراع على الموارد، والثقافة والبيئة الطبيعية.
تعمل ماري لومي حالياً باحثة في المعهد الفنلندي للشؤون الدولية، وتتابع رسالة الدكتوراه في أمن الطاقة والاتجاهات بشأن تغير المناخ في دول الخليج الصغيرة في جامعة درهام.
المقال بقلم: سوزي ميرغاني، مدير ومحرر المطبوعات في مركز الدراسات الدولية والإقليمية.