ويليام بيمان يحاضر عن ثنائية الثقافة العربية الإيرانية
ألقى ويليام بيمان، أستاذ ورئيس قسم الأنثروبولوجيا في جامعة مينسوتا، ورئيس قسم الشرق الأوسط في جمعية الأنثروبولوجيا الأمريكية محاضرة ضمن سلسلة الحورات الشهرية التي يقيمها مركز الدراسات الدولية والإقليمية حول “الخليجيون: ثنائية الثقافة العربية الإيرانية في منطقة الخليج” وذلك في 22 أكتوبر 2012. في المقدمة، سرد بيمان على الحضور بعض المعلومات الأساسية حول ما وصفه “بإحدى أطول المعارك الدائرة بخصوص أسماء المواقع”. فثمة خلاف في التاريخ المعاصر حول ما إذا كان يجب تسمية المسطح المائي الواقع بين إيران وشبه الجزيرة العربية باسم “الخليج العربي” أو “الخليج الفارسي”.
ولحل هذا الخلاف التاريخي، قال بيمن أنه يستخدم مصطلح “الخليج” لوصف المسطح المائي، و”الخليجيون” لوصف سكان المنطقة. هذه المصطلحات شائعة الاستخدام في الخطاب المستخدم في المنطقة، وهي مفهومة بالعربية والفارسية وببعض لغات جنوب آسياً أيضاً. يقول بيمان: “أود أن أدعو للتساؤل حول طبيعة هوية الناس الذين يعيشون في هذه المنطقة، وبدلاً من تعريفهم بأنهم فرس أو عرب، أو تعريف هذا المسطح المائي باسم الخليج الفارسي أو الخليج العربي، أرغب في رفع قضية لأجل هؤلاء الأفراد بوصفهم سكان هذه المنطقة، سواء أكانوا عرباً أو إيرانيين، دون حصرهم في إطار الهوية العربية أو الفارسية”.
تشكلت هذه المجتمعات كنتيجة لعوامل تاريخية كالهجرة والتجارة وتحويل الحدود الاستعمارية، أو كنتيجة للتزاوج أو تبادل الثقافات وهي أمور تحدث بشكل تلقائي عند احتكاك الشعوب بعضها ببعض. وأشار بيمان إلى أن: “الخليج هو خليط غني من اختلاف الثقافات العربية والفارسية والجنوب آسيوية والشرق أفريقية والبرتغالية والفرنسية والإنكليزية” وغيرها.
لغوياً، اعتاد الناس الذين سكنوا هذه المنطقة على التواصل براحة بعدد من اللغات، بل وعملوا على تشكيل لغات جديدة أخرى كانت مزيجاً من العربية والفارسية واللغات الهندية. فاللغة السواحلية على سبيل المثال – وتعني “الساحلية” بالعربية – هي نتاج تأثير متبادل بين اللغات العربية والشرق أفريقية، ونتيجة التواصل والتجارة عبر خليج عدن. يقول بيمان: “ثمة الكثير من الناس الذين يعيشون على ضفتي الخليج ممن يتقنون اللغتين، وفي كثير من الأحيان يتقنون لغة ثالثة أو رابعة”.
أما “السد الجغرافي” الذي يفصل بين خليجيي المناطق الداخلية فيعني أن الناس على كلا الضفتين يتمتعون بهوية ثقافية أوثق من تلك التي تقاسموها مع مجتمعاتهم الداخلية، العربية أو الفارسية، من حيث المأكولات وأنماط اللباس، والزواج، والطقوس الدينية وأساليب الخطاب. وفي كثير من الأحيان، ونتيجة للروابط القوية الناشئة عن الزواج والعلاقات التجارية فقد انتشرت الأسر على طرفي الخليج، وحافظت حتى يومنا هذا على علاقات متينة عابرة للثقافات والحدود. قبل البدء بطريقة السفر الحديثة جواً، ونظراً لسهولة السفر البحري في منطقة الخليج وصعوبته في المناطق الداخلية عبر الصحارى والجبال يمكن استنتاج أن “سكان الساحل في منطقة الخليج كانوا يجدون سهولة في التواصل فيما بينهم أكثر من التواصل مع سكان المناطق الداخلية”. وبما أن الزوارق كانت تستطيع نقل حمولات أثقل بكثير وبسهولة أكثر بكثير من أي من أشكال النقل البري، فقد ازدهر الخليج ثقافياً واقتصادياً.
في الختام، قال بيمان إنه نتيجة للعمليات الحكومية والتاريخية، تشكلت أحداث عديدة كان لها تأثير كبير على تغيير الطبيعة الموحدة للثقافة الخليجية، بما في ذلك ترسيم الحدود الإقليمية الاستعمارية والمنافسة. وأوضح بيمان: “أدى ما تم فرضه من هياكل حكومية في المنطقة، وهو أمر كان غائباً لقرون عدة لحسن الحظ، إلى التراكبية في هوية الدولة، ما ساهم في طمس القواسم المشتركة الأساسية بين سكان هذه المنطقة”. كما ساهمت أحداث أخرى في التباعد بين المجتمعات الخليجية، بما في ذلك توحيد إيران تحت حكم الشاه رضا، وتوحيد المملكة العربية السعودية تحت حكم ابن سعود. وجلاء البريطانيين عن الخليج الذي أوجد فراغاً وجب سده من قبل الأسر الحاكمة المحلية التي عملت على ترسيم حدود أراضيها، وأخيراً، الثورة الإيرانية بين عامي 1978 – 1979 التي غيرت المشهد السياسي والثقافي الإيراني، وتسببت في كسر التحالف التاريخي بين الطوائف عبر الخليج.
أخيراً، تستدعي الانتهاكات التدريجية لهياكل الدولة الحديثة في المنطقة بناء فكرة “تخيلية” حديثة للهوية التي تميز مجموعة واحدة أو جنسية عن أخرى. واختتم بيمان بالقول إن الثقافة المشتركة بين “الخليجيين” تناقض هذا الفصل المتخيل بين القوميات وتروج لفكرة وجود مجتمع متنوع يمتاز بطبيعته بتعدد الثقافات” وقال: “هو مجتمع ’غير خيالي’، مجتمع واقعي، ليس بالاسم، وليس بتعريفه الاجتماعي”.
شغل ويليام بيمان سابقاً منصب أستاذ الأنثروبولوجيا ومدير دراسات الشرق الأوسط في جامعة براون. وهو معروف كاختصاصي في شؤون الشرق الأوسط بخبرة تزيد عن 30 عاماً. عمل أيضاً في آسيا الوسطى، والقوقاز، واليابان، والصين، وجنوب آسيا. وعمل كمستشار لدى وزارة الخارجية الأمريكية، ووزارة الدفاع، والأمم المتحدة، وفي الكونغرس الأمريكي.
المقال بقلم: سوزي ميرغاني، مدير ومحرر المطبوعات في مركز الدراسات الدولية والإقليمية.