ميريام كوك تحاضر حول مشاريع التراث في دول مجلس التعاون

ميريام كوك تحاضر حول مشاريع التراث في دول مجلس التعاون

قدمت ميريام كوك، أستاذ الثقافات العربية في جامعة ديوك والأستاذ المقيم في متحف الفن الإسلامي في الدوحة لخريف 2010، الحوار الشهري لنوفمبر في مركز الدراسات الدولية والإقليمية حول موضوع “القبلية الحديثة: الماضي كمستقبل”.

في إطار دراسة مجموعة متنوعة من “مشاريع التراث” في قطر ودول الخليج، استدلت كوك بأدب ابن خلدون ومخططه الثنائي في التمييز بين البداوة الصحراوية والمعروفة باسم “البداوة”، والحضرية المستقرة والمعروفة باسم “حضارة” في العديد من الثقافات العربية الحالية. ترمز “البداوة” للحياة البدوية والولاء والقبلية، في حين ترمز “الحضارة” من جهة أخرى للحداثة والتحضر والفردية. وقد استخدم كلا المفهومين لتمييز “الأنا” عن “الآخر” في المجتمعات العربية. تقول كوك، عندما تستخدم هذين المفهومين لوصف الذات فإن أياً منهما يحمل دلالات إيجابية، لكن عندما تستخدمهما لوصف الآخر، فغالباً ما يشوب ذلك انتقاد لطريقة الآخر في الحياة، سواء كانت حديثة أو تقليدية. وأضافت “يوجد هذان المصطلحان حالياً في المفردات الخليجية ويستخدمان للدلالة على الاختلافات الثقافية”.

تقول كوك إن كلا المفهومين يعد جوهرياً لانعدام التجانس المتأصل في الثقافات العربية، لذا فمن الضروري “جمع الثقافتين معاً بالطريقة التي تجعلهما تكملان وتعززان بعضهما وتقويان جهود التحديث الجارية” في العديد من دول الخليج. وأشارت كوك إلى أن هذين الوصفين المتعارضين بشكل كبير بين التقليدي والحديث يتم تداولهما واستخدامهما في “مشاريع التراث” الحالية. وتعتبر مناطق مثل “سوق واقف” في الدوحة أمثلة أساسية لكيفية تشابك الجوانب القديمة والحديثة للثقافة القطرية في التصميم المعماري للأماكن العامة.

بغية المزيد من استكشاف هذه التصورات الثقافية الضمنية، تواصلت كوك مع محمد علي، وهو المصمم والمهندس الذي عمل على ترميم سوق واقف. وقالت: “مكنتني معرفتي به من إدراك تضافر كلمتي “بداوة” و”حضارة”. بهدف إعادة بناء منطقة السوق القديم، ونظراً لندرة الوثائق التاريخية الموثوقة، أجرى المهندس مقابلات مع كبار السن للإفادة مما تبقى في ذاكرتهم.

يختلف سوق واقف كثيراً عن المشهد المعماري بالغ الحداثة في وسط الحي المالي في الخليج الغربي. تقول كوك أصبحت العمارة في الدوحة قادرة على أن تستوعب القديم والحديث و”البداوة” و”الحضارة”، وأشارت إلى أنه “بينما تتنافس ناطحات السحاب للفوز بجائزة التكنولوجيا والجماليات الغربية، تم تصميم متحف الفن الإسلامي بطريقة تمزج التنوعات المعمارية الإسلامية في شكل كلي واحد، كما تم بناء سوق واقف من مواد محلية بطريقة تجسد روح الخليج. وأضافت “بالنسبة لي، يمثل سوق واقف دون شك جماليات ترمز للقبلية الحديثة”.

تقول كوك إن هذه الإشارة التاريخية للنقاء الثقافي والقبلي أو “الأصالة”، هي عرض من أعراض العولمة والحداثة، حيث تحاول الدول إعادة بناء هويتها الثقافية بعد سنوات من الصراع الاستعماري. وأشارت إلى أن “دول العالم العربي التي اعتبر مواطنوها الجيل الأول الذي كبر في ظل هوية وطنية، بدلاً من الهوية الإقليمية، معنية بصياغة مستقبل لماض غير موثق بالمجمل، ومدفون تحت المدن الجديدة العالمية المتشابهة”. وضمن هذا السياق، فإن العديد من مشاريع الترميم تتم رعايتها من قبل الدولة وتصب في خدمة فكرة الوطنية.

أكدت كوك “أن مشاريع التراث تمحو الصورة الإثنية لما قبل الوطنية وتقوم بتفتيت أنماط الحياة. وهي تشكّل أرضية بيضاء تجعل هجرات العمال الجماعية تبدو وكأنها أمر جديد. يختفي الاستعمار خلف واجهة النقاء العرقي والعزلة. ويلمع هذا التراث الذي تتم إعادة إحيائه بعد أربعة قرون من الصراع بين البرتغاليين والعثمانيين والبريطانيين للسيطرة على الممرات المائية الهامة التي تربط الهلال الخصيب بالمحيط الهندي”.

اختتمت كوك المحاضرة قائلة: في أي من هذه المشاريع التراثية سواء المعمارية أو اللغوية، لا يتم إحياء القبلية بشكل فعلي لتكون بمثابة خلفية تجسد النقاء الثقافي، بل يتم إحياء “فكرة” القبلية في الواقع. وأضافت: “لا يهم إن كان سوق واقف نسخة زائفة، إلا أنه يبرز المثل العليا والأفكار والإحساس بالأصالة.

 

 المقال بقلم: سوزي ميرغاني، مدير ومحرر المطبوعات في مركز الدراسات الدولية والإقليمية.