مواطنون مستحيلون: الشتات الهندي في دبي": لنيها فورا"

Neha Vora

قدمت السيدة نيها فورا، أستاذ الأنثروبولوجيا المساعدة في كلية لافاييت، محاضرة ضمن سلسلة الحوارات الشهرية لمركز الدراسات الدولية والإقليمية وذلك في الأول من ديسمبر 2014. وتركزت محاضرة فورا على موضوع: “مواطنون مستحيلون: الشتات الهندي في دبي”. وكانت فورا قد أجرت معظم البحوث ذات الصلة خلال سنوات “الأوج” من حيث النمو الاقتصادي لمدينة دبي، حين كانت “العلامة التجارية الخاصة بدبي” تمهد لإنشاء المدينة كمركز تجاري وسياحي لجذب الاهتمام والاستثمار الدولي. خلال هذه الفترة، “كان المشهد في دبي يتحول بشكل جذري […] مبتعداً عن الأحياء القديمة في وسط المدينة ذات الأغلبية الجنوب آسيوية حول خور دبي […] ومبتعداً كذلك عن الأشكال القديمة من التجارة والتجارة البحرية، باتجاه تشكيل مؤسسة رأسمالية ذات طابع غربي متعدد الجنسيات.

وركزت أبحاث فورا على المجتمعات الهندية من الطبقة الوسطى وناقشت مفارقة حس الانتماء لدى تلك الطبقة تجاه دبي على الرغم من انعدام فرصة الحصول على الجنسية أو الإقامة الدائمة. شارحة بقولها: “عملياً لا يملك الهنود في دبي أية فرصة للحصول على أي شكل من أشكال الإقامة فيها. لا يمكنهم التجنس، أو حتى الحصول على الإقامة الدائمة”. وتعزو فورا ذلك إلى نظام الكفالة الذي يقيد الأشخاص بتأشيرات العمل الخاصة بهم وبكفلائهم. أما بالنسبة لشعور الإنتماء فتعزوه فورا إلى الأفكار “الموضوعية” أو “غير الرسمية” للمجتمع الهندي والتي لا تستند إلى الجوانب التقنية المتعلقة بالجنسية، وإنما بالإحساس القوي بالانتماء التاريخي والثقافي. ونظراً للصلات التجارية والثقافية والتاريخية، فإن الكثير من الهنود يرون في دول الخليج امتداداً للهند، أكثر من كونها كياناً جغرافياً وثقافياً منفصلاً. بالإضافة إلى أن الهنود في دبي يحظون بكثير من العلامات والسمات التي تجعلهم يشعرون وكأنهم في وطنهم، كاللغة والطعام والملابس والممارسات والعادات الثقافية.

ولدحض فكرة أن المهاجرين إلى الخليج تتملكهم رغبة الحصول على الجنسية والذوبان في المجتمع، أوضحت فورا أن العديد من الهنود المقيمين في دبي وينتمون للطبقة الوسطى يعتبرون أن لديهم أهدافاً اقتصادية مؤقتة، سيمثل إنجازها إشارة العودة إلى ديارهم. وفي مقالة أنثروبولوجية قصيرة، قدمت فورا للجمهور أحد الهنود الذين حاورتهم ويدعى روهيت، وهو يعمل مهندساً معمارياً في دبي منذ أمد بعيد. وعلى الرغم من أن روهيت قد عاش في دبي لأكثر من ثلاثة عقود وفيها ولد ونشأ أبناؤه، إلا أنه لا يزال يعتبر نفسه مهاجراً بشكل مؤقت ولأسباب اقتصادية. يصف روهيت دبي بأنها “كالحافلة المكيفة” التي توفر الراحة، لكنك تستقلها لفترة مؤقتة مهما طالت، لذلك فهي مكان لا يمكن الاستقرار فيه. وتقول فورا: “يجسد روهيت حلم هنود الطبقة الوسطى في دبي بعدة طرق، فقد تمكن من جمع ثروة خلال فترة وجوده في منطقة الخليج، واستطاع تحسين الظروف المعيشية لعائلته الصغيرة والكبيرة، وضمن لنفسه تقاعداً مريحاً في الهند”. وبالنسبة للكثير من هنود الطبقة الوسطى، مثل روهيت، فإنهم يعتبرون الاغتراب إلى دول الخليج امتيازاً ودليلاً على المكانة الاجتماعية، إلا أنه أمر من الممكن إنهاؤه في أي وقت. لذا، فقد تكيف المهاجرون لأسباب اقتصاية مع شعور الاستقرار وعدمه في الوقت نفسه.

ولعل الأهم مما سبق، هو أن هنود الطبقة الوسطى ممن ينتمون إلى مجتمعات الأعمال يعتبرون أنهم يساهمون بفاعلية في عملية التنمية الاقتصادية المحلية، ويميزون أنفسهم عن غيرهم ممن يعتمدون على الدولة لتأمين “رفاههم”، سواء كان هؤلاء من عمال جنوب آسيا من ذوي الدخل المنخفض أو من الوافدين الخبراء الغربيين، أو حتى من الخبرات الوطنية المحلية المستفيدة من الدعم الحكومي. وتقول فورا إن هنود الطبقة الوسطى الذين قابلتهم قد حرصوا على وصف أنفسهم بأنهم مساهمون في اقتصاد دبي، وبأنهم الأجانب المبادرون بشكل إيجابي، وليس بكونهم المواطنين المعتمدين على الرفاه العام بشكل سلبي”.

ومع ذلك، وعلى الرغم من أن العديد يصفون أنفسهم بأنهم محض مهاجرين لأسباب اقتصادية دون الرغبة في إنشاء أي روابط مع الدولة، وأن الغالبية العظمى من رجال الأعمال والخبراء الهنود تسهم بفاعلية في سياسات الدولة وفي تعميمها. وتضيف فورا بأن أفراد الطبقة الوسطى والنخبة من الجنوب آسيويين، على سبيل المثال، قد تبنوا بعض قيم السوق الليبرالية الجديدة والأفكار الليبرالية بخصوص الحصول على الجنسية، في الوقت الذي يشاركون فيه بأشكال غير ليبرالية من المحسوبية والاستغلال والتي من شأنها أن تعيد إنتاج طبقات اجتماعية وأشكالاً من الهرمية بما يتعلق بالجنسية في أوساط الشتات الهندي في دبي”. ومن خلال إنشاء عمليات تجارية وتوظيف عمال تحت نظام الكفالة، فإنهم يعززون سياسات حكومة دولة الإمارات وذلك عبر إيجاد معايير محلية وقانونية.

واختتمت فورا حديثها بالقول إنه على الرغم من أن دبي لا تزال تحافظ إلى حد كبير على طابعها الجنوب آسيوي، فإن الأمور تتغير بسرعة. فنتيجة للجهود التي تبذلها دبي لتحديث الأحياء التجارية الهندية القديمة في المدينة، لجذب المزيد من العملاء “الغربيين”، فإن الإيجارات قد ارتفعت، ويجري حالياً تحويل الأحياء التي كانت فيما سبق ملاذاً للطبقة الدنيا والوسطى، إلى شقق فاخرة، ما أدى إلى شعور الهنود بانعدام الأمان الوظيفي أكثر من أي وقت مضى”. وقد ساهمت هذه البيئة سريعة التغير في زيادة زعزعة المجتمعات الهندية التي كانت تحيا وتعمل لأجيال عدة في المناطق القديمة من دبي.

تركز أبحاث نيها فورا على موضوع المواطنة والانتماء في دول الخليج العربي، وبشكل خاص بين سكان الشتات الجنوب آسيوي. بالإضافة إلى عدد من المقالات الصحفية، فإن فورا هي مؤلفة كتاب: مواطنون مستحيلون: الشتات الهندي في دبي، وهو من مطبوعات جامعة ديوك عام 2013. نالت فورا العديد من الجوائز والمنح الدراسية، وتعمل حالياً في الدوحة على مشروع يبحث في آثار التحول نحو اقتصاد المعرفة وتوسعة حرم فروع الجامعة الأمريكية في قطر.

المقال بقلم: سوزي ميرغاني، مدير ومحرر المطبوعات في مركز الدراسات الدولية والإقليمية.