معالي كاسيت بيروميا في حوار حول دور جنوب شرق آسيا في الأمن الغذائي العالمي
استضاف مركز الدراسات الدولية والإقليمية وزير الخارجية التايلاندي الأسبق والدبلوماسي كاسيت بيروميا كمتحدث رئيسي في المحاضرة التي نظمها المركز ضمن سلسلة حواراته الشهرية بتاريخ 22 يناير 2013. تمحور حديث بيروميا والذي كان بعنوان “دور جنوب شرق آسيا في الأمن الغذائي العالمي”، على دور دول جنوب شرق آسيا كمُصدّر رئيسي للغذاء و”كمهد للغذاء” أو “كمطبخ للغذاء” في العالم.
عندما تكتلت دول جنوب شرق آسيا، بحسب بيروميا، حققت مكانة ضمن المراتب العشر الأول في إنتاج وتصدير الغذاء عالمياً. وأضاف: “لا نعاني من أي مجاعة أو نقص في الغذاء في جنوب شرق آسيا لذا نشعر بالثقة بأننا قد نكون موردي الغذاء لعقود قادمة”.
أشار بيروميا عن حديثه عن أهمية العلاقة بين دول جنوب شرق آسيا ومجلس التعاون لدول الخليج، إلى الإمكانات الكبيرة لإبرام اتفاقيات تعاون طويلة الأمد بين الجانبين. وأضاف أن لدى دول الخليج ما يكفي من النفط والغاز والطاقة، وتتمتع دول جنوب شرق آسيا بالأمن الغذائي، ما يشكل أرضية مثالية للشراكة والعمل معاً لتحقيق الأهداف المشتركة والوصول إلى الفائدة المتبادلة حيث يملك جزء واحد من العالم موارد معينة يمكن أن تكون ذات فائدة لمناطق أخرى في العالم. يقول بيروميا: “إن أول ما يتبادر إلى الذهن بهذا الخصوص هو التكامل بين جنوب شرق آسيا ودول الخليج”
على الرغم من هذه الشراكة الطبيعية بين دول جنوب شرق آسيا ودول الخليج، لا نزال بحاجة إلى إجابات على أسئلة هامة بشأن كيفية تحقيق هذا التكامل بين تعاون الأمن الغذائي وتعاون أمن الطاقة. وقد عرض بيروميا عدة سيناريوهات محتملة للتعاون عبر هاتين المنطقتين.
يقوم الشركاء التجاريون في السيناريو الأول، بحسب بيروميا، بالاتفاق وإبرام عقود طويلة الأمد لتجارة موارد الغذاء والطاقة. ويطرح بيروميا خياراً آخر يتمثل بقيام دول الخليج بالدخول في اتفاقيات لإقامة مشاريع مشتركة مع منظمات موجودة في جنوب شرق آسيا لتفعيل الاستثمار في المزارع والأنشطة ذات الصلة في دول جنوب شرق آسيا. سوف يسمح هذا السيناريو للمستثمرين الخليجيين بالعمل مباشرة مع خبراء الإنتاج الغذائي لزيادة الإنتاجية والعائد على الاستثمار. كما تقدم بيروميا باقتراح أخير تمثل بتوفير مخزونات من المواد الغذائية القابلة للتخزين لتتم الإفادة منها عند الحاجة. ويوضح بيروميا “ما تقوم به تايلاند، باعتبارها دولة رئيسية لتصدير الغذاء، إذ تخزن 50,000 طن من الأرز للإفادة منها في الحالات الطارئة”. يمكن القيام بعملية التخزين أرضاً أو على شكل “مخزونات عائمة” على متن سفن تتجه نحو المناطق المحتاجة في أي مكان من العالم. يتطلب هذا الخيار أن تحافظ الدول على مخزونات للطوارئ بشكل جاهز للتوزيع في حالات الكوارث، وأن تعمل هذه الدول بالتنسيق مع المنظمات العالمية مثل برنامج الغذاء العالمي لتقديم مساعدات غذائية للدول المحتاجة. وأضاف “عندما وقع الزلزال في هاييتي منذ عدة سنوات على سبيل المثال، كانت تايلاند المساهم الأكبر في مجال المساعدة الإنسانية، وقدمنا الكمية الأكبر من الأرز”.
يمكن لدول جنوب شرق آسيا أن تتعاون مع دول الخليج لمعالجة بعض مشاكل الأمن الغذائي العالمي. شارك بيروميا أثناء عمله السابق كوزير للخارجية بشكل مباشر في المفاوضات مع برنامج الغذاء العالمي لتقديم مساعدات غذائية، وخاصة الأرز، في أوقات الأزمات في منطقة المحيط الهادي وعلى الساحل الشرقي لأفريقيا. وبشكل مماثل، يقول بيروميا: “يمكن لدول الخليج بما تقدمه من هبات جمة، أن تلعب دوراً هاماً في مجال المساعدات الإنسانية”. ولتحقيق هذه الغاية، بات من الملح أن تقوم دول جنوب شرق آسيا وقادة دول مجلس التعاون بتفعيل حوار سياسي أكثر اتساقاً بين المنطقتين.
لدفع هذا التعاون الإقليمي قدماً، أكد بيروميا على ضرورة المضي إلى ما وراء المساعدات الغذائية والتفكير بتكوين شراكة على مستوى البحوث والتطوير. واختتم بقوله إن العديد من دول جنوب شرق آسيا ودول الخليج تبدي اهتماماً كبيراً بمجال البحوث والاستثمار في مصادر الطاقة البديلة والمتجددة، ويتم حالياً في تايلند إنتاج الطاقة البديلة من مصادر غذائية مثل التابيوكا وزيت النخيل ودبس السكر. وهو مجال للعمل الوثيق بين كلا المنطقتين بغية تحقيق المنفعة المتبادلة.
كان معالي الوزير الأسبق قد التقى في وقت سابق من اليوم طلاب كلية الشؤون الدولية في جامعة جورجتاون في قطر ليشاركهم خبراته كدبلوماسي ويقص عليهم مختلف الطرائف التي حدثت معه أثناء خدمته في الخارجية التايلاندية التي امتدت لأربعين عاماً. وفي وقت لاحق من اليوم، التقى بيروميا مع عدد من السفراء وموظفي السفارة الموجودين في قطر وتبادل معهم الحديث أثناء غداء نظمه مركز الدراسات الدولية والإقليمية. عبر بيروميا خلال اللقاء عن تفاؤله بمستقبل قطر في ضوء الربيع العربي والعولمة وارتفاع مستوى الحريات. ويضيف أنه مع حتمية نضوب الموارد الطبيعية، قامت قطر باستثمار حكيم في اقتصادها المستقبلي المبني على المعرفة. “سوف تتحكم قطر بالمستقبل، وسوف يكون بإمكانها إدارة الثروة في جميع أنحاء العالم، وإدارة نفسها كمجتمع منفتح”. وأنهى بيروميا حديثه بالقول إن قطر لعبت دوراً قيادياً في العديد من القضايا العالمية التي تتراوح من الرياضة إلى تغير المناخ وسوف تواصل لعب هذا الدور مستقبلاً.
معالي كاسيت بيروميا هو دبلوماسي تايلاندي وسياسي وأكاديمي. عمل سابقاً كسفير تايلاند في روسيا وأندونيسيا وألمانيا واليابان والولايات المتحدة الأمريكية. كما شغل منصب وزير الخارجية التايلاندية في الفترة الواقعة ما بين 2008 – 2011. ويعمل حالياً كعضو في البرلمان التايلاندي ممثلاً عن الحزب الديمقراطي.
المقال بقلم: سوزي ميرغاني، مدير ومحرر المطبوعات في مركز الدراسات الدولية والإقليمية.