مركز الدراسات الدولية والإقليمية يشهد فعالية إطلاق كتاب: السياسة المعاصرة في الشرق الأوسط

BME

تبادرنا بيفرلي ميلتون-إدواردز، زميل زائر في مركز بروكنجز الدوحة، بقولها: “ثمة شعور دائم بديمومة الأحداث السياسية في الشرق الأوسط”، وتضيف أن قضاياه ملّحة بصورة مستمرة. لذا، “فسيظل الشرق الأوسط متصدرًا عناوين الأخبار، بغض النظر عن تحديد يوم ما دون غيره من أيام الأسبوع أو قت ما دون سواه من أوقات العام”. تشغل إدواردز منصب أستاذ العلوم السياسية في جامعة كوينز في بلفاست وتعدّ واحدة من روّاد مجال الأمن في معهد السيناتور جورج جون ميتشل للسلم والأمن والعدل العالمي. عاشت إدواردز في الشرق الأوسط لمدة 30 عامًا، عملت فيها باحثة، واستضافها مركز الدراسات الدولية والإقليمية في 21 مارس 2018، لإطلاق الطبعة الرابعة من كتابها Contemporary Politics in the Middle East.

تتركز أنشطة إدواردز البحثية على حوكمة قطاع الأمن في الشرق الأوسط وتحديات الإسلام السياسي. وقالت الكاتبة أنّها شعرت بضرورة نشر الطبعة الرابعة من كتابها لأنّ الشرق الأوسط منطقة مفعمة بالأحداث والديناميكية، سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي. يتناول الكتاب قضايا عديدة تتراوح بين الاستعمار، والاقتصاد السياسي، والنزاعات وانعدام السلام، والقومية، والمرأة، والانتماءات العرقية والأقليات. وأوضحت إدواردز أنّها لم تطمح كثيرًا من وراء تأليف الكتاب، فلم يكن سوى محاولة منها لتمهيد الطريق وتقديم مفهوم عن المنطقة للمستجدين في دراستها.

وفي أثناء الفّعالية، استعرضت إدواردز مجمل كتابها وقيمته الشخصية بالنسبة لها، موضحة: “عشت في المنطقة خلال حقبة من أهم اللحظات السياسية في التاريخ الحديث، فعاصرت أحداثًا كثيرة من بينها اغتيال رؤساء وقادة، وانهيار أنظمة حكم، وثورات شعوب، وأوقات أخرى بدا لنا فيها أنّ السلام أمر ممكن. ويرجع الفضل لهذه الخبرات الميدانية في إتاحة الفرصة أمامي لتقديم مساهمة صغيرة على أرض الواقع، وأعني هنا على وجه الخصوص ما يتعلق بإدارة الصراع وتحقيق السلام، ذلك أنني أؤمن أن الشرق الأوسط يستحق العيش في سلام”.

وتمحور العمل البحثي الخاص بالكتاب حول عمل ميداني مكثف “سواءً كان في مخيمات اللاجئين المكتظة، أو المجمعات الرئاسية، أو المخابئ الغامضة والمتشابكة في التعقيد لقادة المتمردين أو مناطق المعارك الحضرية”. وترى إدواردز أنّه يستحيل دراسة المنطقة بشكل واقعي من الكتب أو المصادر الإعلامية، إذ يتحتم على المرء أن يتعلم من مختلف التجارب التي تتسم بالتنوع في طبيعتها. لقد أعدت المؤلفة كتابها من خلال التفاعل والتواصل مع مختلف شرائح المجتمع – من الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية على حدّ سواء – وذلك للإحاطة بلبّ وجوهر ما لديهم من وجهات نظر لا تعد ولا تحصى.

“لا أحاول تغيير العالم من خلال إيجاد حل لكل معضلة على حدة، ولكني أشعر بأنّ الكتاب يمثل مرجعًا يفتح آفاقًا من الفرص يمكن من خلالها دراسة المنطقة بطرق مختلفة”.

وبيّنت إدواردز أنّ عملها في المجال البحثي منحها منظورًا فريدًا من نوعه عن التفاعلات السياسية والاجتماعية في مواقف مختلفة، مثل: الفساد، والسياسة الخارجية، وتفاعل دول الشرق الأوسط مع صانعي السياسة والسياسيين في الغرب، والأهم من ذلك، الأبعاد الأمنية. فعلى مدار عدة عقود، رصدت أبحاثها صعود وانهيار مشروعات الدول الداعية إلى القومية، وهي التي ترتكز على: “سياسة الزعيم الصارم، والعواقب المأساوية للدول التي تشن حروبًا على شعوبها أو على دول أخرى في المنطقة بغية تشتيت الانتباه عن مشكلات الداخل”.

ولقد أصابت الكاتبة الدهشة عند التحدث مع أناس عاديين عن عدد من القضايا، مثل “الثروة الإقليمية، وعدم المساواة، وحركة القوى العاملة والبطالة، والإسلاموية، والصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ووجود الولايات المتحدة في الشرق الأوسط”. مثّلت هذه المخاوف اليومية مواضيع ومحتوى الكتاب والسبيل الذي سلكته الكاتبة نحو “فهم السياسة في هذه المنطقة ذات التنوعات العرقية، والسياسية، والدينية، والاجتماعية والاقتصادية”. وتتجسد إحدى النقاط الرئيسة التي توضحها في الكتاب في أنّ “سياسة الشرق الأوسط المعاصر ليست سياسة استثنائية كما يظن كثير من الغرب أننا نراها على هذا النحو”. وتقول أنّها تستغرب السبب الذي يدعو العالم لأن يرى نفسه مختلفًا عن الشرق الأوسط، فالمنطقة من وجهة نظرها تجسد الآثار المزمنة “للاستعمار، وعلاقات القوة، وضعف المشاركة السياسية أو اللامبالاة نحو المشاركة فيها، والنمو الاقتصادي الضعيف، والتوسع الحضري والعودة إلى الدين وإلى الخطابات الدينية”. فالسياسات المعاصرة في منطقة الشرق الأوسط مدفوعة على مدار القرن الماضي بقوى التغيير واسعة النطاق نفسها التي تأثرت بها جميع المناطق عبر مختلف أرجاء العالم.

وترى إدواردز أيضًا أنّه في المستقبل القريب، ستظل “سياسة المنطقة – سواءً بين جنباتها، أو بين الشعب والدولة أو بين المنطقة وغيرها من مناطق العالم – مدفوعة بطريقة أو بأخرى، قلّت أو كثرت، بهذه المشكلات نفسها”. وأوضحت أن الشباب يعدّ من بين هذه المشكلات. ففي عام 2017، كان الشباب في المملكة المتحدة عنصرًا محوريًا في ظهور أشكال جديدة من التعبئة السياسية في الانتخابات العامة. أمّا في الولايات المتحدة، فيواجه الشباب تحديات لوبي السلاح القوي، وهو ما أكدته بقولها: “يمثّل شباب المنطقة بوتقة جامعة قوية تتشابك فيها مختلف الطبقات والأجناس والجنسيات والأديان”، وهو ما يتضح لنا جليًا من خلال الدور الذي مارسوه في الانتفاضات العربية. واستأنفت قائلة: “فُرضت عليهم المظالم نفسها، وواجهوا التحديات ذاتها أمام السلطة، وتعرضوا للإقصاء عن هياكل سياسية متحجّرة، إنها الصراعات نفسها بين الأجيال”.

واستطردت إدواردز، قائلة: ” لا أحاول تغيير العالم من خلال إيجاد حل لكل معضلة على حدة، ولكني أشعر بأنّ الكتاب يمثل مرجعًا يفتح طاقة من الفرص يمكن من خلالها دراسة المنطقة بطرق مختلفة”. ويكمن السبب، كما يتضح من خلال كل فصل وموضوع ودراسة حالة في الكتاب، في أنّ السياق يحظى بأهمية حقيقية إذ أنّه يشكل القضية أو المشكلة قيد البحث والتدقيق، كما أنّ السياق المحلي والتاريخ يحظيان بالأهمية نفسها. ولذلك، يعود بنا الكتاب إلى صفحات التاريخ ويستقصي الآثار العميقة التي خلّفها الاستعمار. فبالنسبة للعديد من الدوائر السياسية في الشرق الأوسط، “ما زال الماضي حاضرًا إلى حدّ كبير”، مما يؤثر على حياة الناس في ما وصفته بـ “القلاقل اليومية”. واتخذت الكاتبة من العنف مثالًا على تلك القلاقل، إذ أنه يأتي “كردّ فعل لسياسات الاستبداد، والهيمنة العرقية، والحرمان من الحقوق، وتراجع الحريات”، الأمر الذي يفسّر ظاهرة الإرهاب والعنف في الشرق الأوسط.

وفيما يتعلق بوضعنا الحالي ووجهتنا المستقبلية، أشارت إدواردز إلى الفصل الأخير من الكتاب الذي يحمل عنوان: “الربيع العربي وعصر جديد من الغموض”، وقرأت مقطعًا من الفصل يقول: “يكاد يستحيل التنبؤ بمستقبل المنطقة، إذ يحتمل أن تظل العديد من القضايا الواردة في هذا الكتاب، مثل الاقتصاد السياسي والإسلام السياسي والدولة وحكامها، هي العامل المحدد للأنظمة السياسية التي ستتشكل خلال العقد القادم. ولعلّ أبرز تلك العوامل: اكتشاف إرث الربيع العربي والوقوف على مدى مرونة الأنظمة الاستبدادية في هذه الدول. ومما لا شكّ فيه أنّ مواطني المنطقة سيواصلون تقييم هذه العوامل والتصدي لها”.

بيفرلي ميلتون-إدواردز هي زميل زائر في مركز بروكنجز الدوحة، وأستاذ العلوم السياسية في جامعة كوينز في بلفاست، وتعدّ واحدة من روّاد مجال الأمن في معهد السيناتور جورج جون ميتشل للسلم والأمن والعدل العالمي. ذاع صيت إدواردز لريادتها في الجانبين البحثي والعملي لمجال إدارة الصراع، بما في ذلك وقف إطلاق النار. كانت المحققة الرئيسية في بعثة الشرطة المدنية التابعة للاتحاد الأوروبي إلى برنامج الأراضي الفلسطينية خلال الفترة بين عامي 2006 و2010. تتضمن أحدث مؤلفاتها: The Muslim Brotherhood, the Arab Spring, and its Future Face (2016); Islamic Fundamentalism since 1945 (2013); Jordan: A Hashemite Legacy (2012); The Israeli–Palestinian Conflict, A People’s War (2011); and Hamas: The Islamic Resistance Movement (2010). 

مقال بقلم خنساء مريع، مساعد شؤون طلاب في مركز الدراسات الدولية والإقليمية.