محاضرات غاري واسرمان حول "لماذا نحن هنا (في الدوحة)؟"

محاضرات غاري واسرمان حول

قام غاري واسرمان، أستاذ الشؤون الحكومية في جامعة جورجتاون، كلية الشؤون الدولية في قطر، بإلقاء محاضرة وإدارة حلقة نقاش في مركز الدراسات الدولية والإقليمية تحت عنوان: “لماذا نحن هنا (في الدوحة)؟” وذلك بتاريخ 27 أبريل 2014. ولتشجيع المناقشة بين أعضاء المجتمع القطري في جامعة جورجتاون، أشار واسرمان إلى أنه لا يملك جواباً على السؤال المطروح في عنوان محاضرته، لكنه سوف يعرض خمسة نماذج مختلفة قد تتمكن من الإجابة على سؤاله.

تمثل النموذج الأول باعتبار جامعة جورجتاون في قطر امتداداً للإمبريالية الأمريكية. تقدم الولايات المتحدة لمنطقة الشرق الأوسط، ضمن هذا النموذج، اثنتين من قدراتها الرئيسية وهي: القواعد العسكرية لضمان الأمن الإقليمي، والمدارس الأميركية لتوفير خدمات تعليمية بمستوى عالمي – بعبارة أخرى، ما يسميه علماء السياسة القوة الصلبة من الثروة الاقتصادية والأسلحة العسكرية بالإضافة إلى القوة الناعمة المتمثلة بالأفكار. وضمن هذا السياق يقول واسرمان: “نحن القوة العظمى الأمريكية في ستار تعليمي.”

ليس من الضروري أن تحمل هذه العروض تفسيرات سلبية، فمن الممكن أن تمثل مفتاحاً للسلام والازدهار في وقتنا المعاصر في الكثير من دول العالم. وعلى الرغم من ذلك فإن ما يحد من قدرة هذا النموذج، هو أن أعضاء هيئة التدريس والأساتذة في جامعة جورجتاون في قطر لا يقدمون بالضرورة صورة السفراء المثاليين لسياسة الحكومة الأمريكية. فهم الأكثر معارضة وتساؤلاً وتحدياً للسياسة الرسمية الأميركية من خلال كتاباتهم الناقدة ومناظراتهم الغنية بالمعلومات مع الطلاب وغيرهم، سواء في الداخل أو في الخارج. علاوة على ذلك، فالمضيفون القطريون ليسوا من الشعوب المستكينة للاستعمار. فهم من بدأ هذه العلاقة، وهم من يدفع ثمنها، وهم الطرف المفاوض على العقد الذي تعمل بموجبه جورجتاون في قطر، ويتصرفون على أساس المساواة على أقل تقدير.

وعلى الطرف المقابل يعرض واسرمان النموذج الثاني – “نموذج المغتربين”. وفي هذا النموذج يسافر أعضاء جورجتاون إلى الخارج لممارسة مهنهم؛ وهي مهمة عملية قد لا تندرج بالضرورة ضمن الأفكار الأوسع والأكثر مثالية لمؤسسة غربية. وضمن هذا السياق يقول واسرمان: “نحن نحصل على تعويض جيد مقابل المساعدة التي نقوم بها. نحن هنا لملء وظيفة وتقديم الخدمة لا يمكن إنتاجها محلياً؛ ويمكن القول أننا بمثابة سلعة نفيسة مع خدمة توصيل للمنزل – علامة تجارية غربية”، وعلى الرغم من ذلك يعترض واسرمان على هذا النموذج متذرعاً بأنه من المتوقع لجورجتاون أن تعمل على تغيير السلوك، وهو أمر واقع، سواء تعمدت ذلك أم لا، شأنها شأن جميع المؤسسات التعليمية التي اعتادت القيام بذلك .

أما النموذج الثالث فهو “نموذج العقد”، حيث تلتزم جورجتاون بالعمل كمدرسة مهنية لتدريب الدبلوماسيين في دولة قطر ولصالحها. وقد تمت دعوة المؤسسة من قبل المضيفين القطريين لتقديم بعض الخبرات الخاصة بكلية جورجتاون، لا كلها، وتشذيب عناصر المجتمع والثقافة الأمريكية الأشد إثارة للجدل. يتحفظ واسرمان على هذا النموذج نظراً لتمكن عدد قليل جداً من الخريجين من الالتحاق بسلك العمل في الشؤون الخارجية، وبالتالي فإن ما تقدمه جورجتاون من خدمات تعليمية شاملة يتجاوز كونها مركز تدريب للدبلوماسيين. وأوضح واسرمان: “نحن في الواقع أقرب أن نكون كلية فنون حرة تضمها مدينة تعليمية”.

يؤدي كل ما تقدم إلى النموذج الرابع، وهو “الليبرالية”، حيث يمكن اعتبار جورجتاون على أنها مركز لنشر النزعة الإنسانية العلمانية من خلال إتاحة المجال لأكبر كم ممكن من الأسئلة والسماح بحرية الفكر والتعبير، وخاصة بالنسبة لأولئك الذين يعانون من الظلم الاجتماعي المبني على الجنس أو العرق أو التوجه الجنسي. ومع ذلك، يكمن اعتراض واسرمان على تطبيق هذا النموذج في أنه وعلى الرغم من أن جورجتاون تدعو الطلاب للتفكير بأنفسهم، فإنها في الوقت نفسه تطلب منهم الانتماء إلى أساليب تفكير غربية محددة. ونظراً لتواجدها في قطر، فيتوجب على جورجتاون التصالح مع فكرة أنها لا تعمل في مجتمع ليبرالي يعلي الفكر الفردي فوق أي شيء آخر. بل هو مجتمع يمنح قيمة أكبر للأسرة والمجتمع والروابط الدينية. وأن الطلاب في هذه المنطقة تتنازعهم تعقيدات الولاء والالتزام بأسرهم ومجتمعاتهم، وتحدوهم رغبتهم في التماهي مع أفكار وهويات العولمة. لذا فإن تجربة الحرم الجامعي المختلط تزيد من صعوبة تقديم جورجتاون لمثل الليبرالية الغربية التقليدية ” بشكل نظيف”. ولا ينبغي لنا ذلك.

أما النموذج الخامس والأخير الذي قدمه واسرمان فهو ما أسماه بـ “الفقاعة الملوثة”. وضمن هذا النموذج تعمل جورجتاون في قطر  دون مخطط واضح، بل في بيئة تعمها الفوضى والشك. وبرأيه أن هذا يضع المؤسسة بالضرورة في مواجهة ثقافات مختلفة ومتغيرة. ويقول واسرمان: “نحن نشغل فضاء ينبغي ألا يكون مريحاً، ولا يمكن التنبوء به، إلا أن فرصة الابتكار قد تكون متاحة”. يتطلب نموذج الفقاعة من جورجتاون في قطر أن تتحلى بدرجة من الاستقلالية، ليس فقط في مواجهة الضغوط المحلية الرجعية المحتملة، وإنما في مواجهة التقاليد والمصالح الأجنبية للحرم الجامعي الرئيسي. وأوضح أنا الجزء “الملوث” في النموذج قد نتج عن أسلوب تجريبي غير واضحة أوجد مزيجاً غير عادي من الطلاب الوطنيين المستعدين لمواجهة مستقبل غير واضح وفريد من نوعه. لذلك، فقد خلص واسرمان بالقول أنه يتوجب علينا الاحتفال بموقفنا الفريد لكونه ملوثاً “ليس بصراع الحضارات، وإنما بالالتباس الحاصل بينها”.

 

المقال بقلم: سوزي ميرغاني، مدير ومحرر المطبوعات في مركز الدراسات الدولية والإقليمية.

ابتدع غاري واسرمان طريقه في مجال التدريس والتأليف والاستشارات السياسية. وكان فيما مضى يعلم طلاب الدراسات العليا في كلية جونز هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة في نانجينغ، الصين. حصل واسرمان على الدكتوراه بتقدير امتياز من جامعة كولومبيا. ومن أحدث مؤلفاته: السياسة عند التطبيق: حالات في ظل الحكومة الأمريكية الحديثة (2012)، وتقوم مجموعة بيرسون بإصدار الطبعة الخامسة عشرة من نصه: أساسيات السياسة الأمريكية (2015). كما سيكون المساق الخاص به: “لعبة السياسة الأمريكية،” متاحاً على شبكة الإنترنت في ربيع هذا العام.