مجموعة العمل الثانية: السياسة غير الرسمية في الشرق الأوسط
عقد مركز الدراسات الدولية والإقليمية، يومي 28 و29 أكتوبر 2018، مجموعة العمل الثانية في إطار مبادرته البحثية حول موضوع “السياسة غير الرسمية في الشرق الأوسط”. واجتمع عدد من الباحثين على مدى يومين لتباحث مسائل منها ما يلي: القبيلة في اليمن، والديوانية في الكويت، والمدن العشوائية في الشرق الأوسط، والنشاط الاجتماعي في مصر، وتعبئة الأصوات الانتخابية في تركيا، والمرأة في إيران، والجمعيات الزراعية في الصحراء الجزائرية.
استهل تشارلز شميتز مناقشات مجموعة العمل بتقديم مقاله حول “وزن العامل القبلي في السياسة اليمنية”. ويجادل شميتز بأن كثيرًا من الناس يرون أن القبيلة تقع في صميم السياسة والمجتمع اليمنيين، وأن الدراسات الحالية تجنح إلى المبالغة في تأكيد دور القبيلة مع عدم إيلاء الاهتمام الكافي للمؤسسات أو الديناميات الأخرى التي تكتسي أهمية جوهرية في فهم اليمن. ويرى شميتز أن الأحزاب السياسية، والجيش، وسائر مؤسسات الدولة، والمجتمع المدني، كلها جهات فاعلة رئيسية ينبغي دراستها إلى جانب القبائل والديناميات القبلية. لا يمكن بالطبع إغفال دور القبيلة تمامًا في اليمن، لكن ما يجب تناوله بالبحث الدقيق هو مدى أهمية القبائل أو تأثيرها في المشهد السياسي اليمني المعاصر. إن تقييم العامل القبلي يمثل تحديًا لأمرين أساسيين: تنوع النهُج المفاهيمية لفهم القبائل اليمنية، وتحوّل المجتمع والقبائل في اليمن. ويجادل شميتز بأن هناك نقاشًا واسعًا حول طبيعة القبيلة، بل إن النصف الأخير من القرن الماضي أنتج أيضًا أشكالاً هجينة جديدة من السياسة، مثل بروز شيوخ العشائر في المؤسسات السياسية الوطنية في اليمن، واستعانة المسؤولين الحكوميين بالأعراف القبلية لحل النزاعات، واستخدام هوية العشيرة لضمان الولاء لجهاز الأمن القومي اليمني.
وحوّل كليمنس تشاي النقاش نحو “تشريح أهمية الديوانية كفضاء في الكويت: التحقيق في ’كونها فضاءً عامًا‘”. ويجادل تشاي في مقالته بأن الديوانيات، باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من الثقافة الكويتية، أضحت أيضًا فضاءات للسياسة غير الرسمية وإجراء المفاوضات السياسية الرسمية. في الماضي، كانت الديوانيات في أبسط أشكالها فضاءً اجتماعيًا يجتمع فيه الناس. ولا تزال الديوانية، التي صمدت أمام الانتقال من أهميتها التقليدية في المجتمع الكويتي قبل النفط إلى الأشكال الحالية من المجتمع المتمدن، ذات أهمية باعتبارها فضاءً للتبادل الاجتماعي. ويشرّح هذا المقال كيف تُعزى الأهمية المكانية للديوانية إلى “طابعها العمومي”، وكونها تيسّر التواصل المباشر الذي عجزت التكنولوجيا أن تقدّمه. ويبين المقال، انطلاقًا من فهم الفضاء العام، كيف توسّع الديوانيات الهوّةَ بين الفضاء العام والخاص. لقد استطاعت الديوانيات أن تصمد بفضل مرونة فضائها؛ وأدّت قدرتها على أن تكون فضاءً للقاءات الاجتماعية إلى استخدامها من جانب مجموعات اجتماعية شتى، بما في ذلك الدبلوماسيون الأجانب. ويبين هذا المقال أمرًا بالغ الأهمية، وهو كيف يستطيع نمطُ دبلوماسية شعبية غيرُ رسمي وأهليّ أن يكون أداةً للتعبير عن الشعور العام.
أما دين شارب، وانطلاقًا من نقاش مقال تشاي، فناقش شكلاً آخر من الفضاءات غير الرسمية في مقاله “في عصر المدن العشوائية”. يجادل شارب بأن دراسات التمدّن شددت، منذ بداية الألفية الجديدة، على أهمية دراسة هوامش المدن والابتعاد عن الدراسة القصيرة النظر لنواة الحواضر الكبرى التي هيمنت تقليديًا على نظرية التمدن، وافترض أنها تعني وجود عمليات تمدن أوسع. لقد حدث ارتفاع كبير في رؤى التمدن من جنوب العالم في سياق التمدن المستمر الذي تسارعت وتيرته في السنوات الأخيرة. وساهمت عمليات التمدن المعاصرة في الشرق الأوسط والنقاش حول التمدن الرسمي وغير الرسمي في المنطقة بشكل كبير في ظهور هذه الرؤى. وهكذا، يجادل شارب، تشهد الطريقة التي ندرس بها ونفكر في التوسع الحضري في الشرق الأوسط، وأهميته السياسية، تغيرًا سريعًا. وأخيرًا، يشير إلى أننا لا نعيش في عصر حضري لمدن “عالمية” أو “عادية”، بل نعيش في عصر المدن العشوائية.
وقدّم إسلام حسن مقال عمرو حمزاوي عن “النشاط الاجتماعي المرن في مصر”. ويجادل حمزاوي في مقاله بأن أربعة من أشكال المنابر المعادية للسلطوية، في ظلّ قمع الجنرالات الحاكمين في مصر للمجتمع المدني وأحزاب المعارضة العلمانية والحركات الإسلامية منذ عام 2013، شكّلت النشاط الاجتماعي في مصر: مبادرات القضية الواحدة التي تعارض انتهاكات حقوق الإنسان وتناصر حقوق الضحايا وحرياتهم؛ والجمعيات المهنية التي تدافع عن حرية التعبير وحرية تكوين الجمعيات؛ والمجموعات الطلابية التي تتحدى التدخل المنهجي لأجهزة الأمن في شؤونها والوجود الدائم لقوات الأمن في الجامعات؛ والحركة العمالية التي حفّزها تدهورُ الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وقمع الحكومة للنشطاء العماليين. بالإضافة إلى ذلك، أصبحت انفجارات الغضب الشعبي التلقائية ردًا على انتهاكات حقوق الإنسان ذات دلالة سياسية.
ونقل مايكل أنجلو جويدا النقاش إلى تركيا من خلال مقاله عن “سياسة الشاي: السياسة غير الرسمية في تركيا ومثال تعبئة الأصوات الانتخابية في إسطنبول وشانلي أورفا”. ويجادل جويدا بأن العلاقات الشخصية والعلاقات المباشرة تهيمن على الحياة العامة في تركيا. ففي إسطنبول، مثلاً، تفضّل الأحزاب، إلى جانب اللقاءات السياسية التقليدية، الحملات السياسية من باب إلى باب، وزيارة العائلات، والشركات، وجمعيات المهاجرين للحصول على محادثة ودية، ومحادثة حميمية، حول كوب من الشاي. لقد نجح حزب العدالة والتنمية في تسخير هذا الشكل من أشكال السياسة غير الرسمية أداةً لتعبئة الأصوات الانتخابية. ويجادل جويدا أيضًا بأن الأتراك يفضلون الاستعانة بالشبكات القبلية أو العائلية أو المجتمعية القائمة لولوج الحياة العامة. ويتناول هذا المقال التفاعلات بين الهياكل السياسية الرسمية وغير الرسمية في تركيا المعاصرة، لاسيما أثناء الانتخابات.
وناقشت شهلا حائري [MYAF1] مقالها بعنوان: “مغامرات محفوفة بالمخاطر: المرأة والمشاركة في المجتمع المدني في إيران”. وتقول حائري إن المرأة الإيرانية الحضرية المتعلمة انخرطت، منذ الأيام الأولى لتأسيس الجمهورية الإسلامية، بنشاط مع الدولة والمجتمع المدني في جميع الميادين والمجالات، وذلك رغم الكثير من العقبات القانونية والسياسية التي أُلقيت في طريقها بسبب سياسات الدولة الجنسانية التي تعود إلى العصور الوسطى. ولم يبدأ نشاطها مع التغييرات الهيكلية الجذرية في المجال الاجتماعي والسياسي. فقد انخرطت المرأة مع المجتمع المدني قبل تأسيس الجمهورية الإسلامية بزمن بعيد، وإنْ لم يكن انخراطُها ذاك واسعَ النطاق. وتتناول حائري بالدرس والتحليل نجاح المرأة في المطالبة بالسلطة السياسية وحقها في أن تكون ممثلةً في المنظمات الحكومية وغير الحكومية وتحقيقها لجزء من تلك المطالب، وتطور العلاقة بين المرأة والجمهورية الإسلامية منذ عام 1979.
وأخيرًا، قدّمت جاكي ستاربيرد مقال نجم بنعيسى عن موضوع “الحركات الصغرى وسياسة التغيير في الصحراء الجزائرية”. ويجادل بنعيسى بأن تركيبة الحكم الحالي في الصحراء الجزائرية، بدلاً من أن تتطور تطورًا خطيًا من الأشكال التقليدية الهرمية للحكم إلى الأشكال الديمقراطية الحديثة، تنمّ عن استمرار وجود عدة أشكال مختلطة من السلوك السياسي. ومن بين أنماط السلوك السياسي: السلوك الاستبدادي (الأسرة إلى حد ما، والعشيرة، والعزّابة، والدولة)؛ والسلوك التحرري الذي يحركه السوق؛ والسلوك التنافسي (سوق العمل، وبيع البضائع التجارية، واستهلاك السلع والخدمات)؛ وصنع القرار التوافقي (الجمعيات). ويمكن اعتبار وجود هذه الأساليب المختلطة للحكم دليلاً على وجود مجتمع يمرّ بمرحلة انتقالية، حيث تحل الأشكال الحديثة محل القديمة تدريجيًا. وبدلاً من اختلاف “الأشكال التقليدية” من خلال حداثة متجانسة، يجادل بنعيسى بأن هذه التركيبة الهجينة للحكم في الصحراء الجزائرية في الواقع تعدّ شكلاً متفاوضًا عليه محليًا من أشكال الحداثة نفسها. وتستطيع الجمعيات المزابية تحدي هرمية النخب المحلية، لا عن طريق العنف أو حتى النزاع المباشر، ولكن ببساطة عن طريق فعل الأشياء بطريقة مختلفة، وعن طريق الانتظام بطرق شاملة وطوعية، وتحقيق النتائج بالفعل.
المشاركون والمناقشون:
- زهرة بابار، مركز الدراسات الدولية والإقليمية – جامعة جورجتاون في قطر
- شيماء بنكرمي، جامعة جورجتاون في قطر
- ميسبا بهاتي، مركز الدراسات الدولية والإقليمية – جامعة جورجتاون في قطر
- كليمنس تشاي، جامعة دُرَم، المملكة المتحدة
- بولينو رافائيل روبلز جيل كوزي، جامعة قطر
- مايكل أنجلو جويدا، جامعة إسطنبول 29 مايو، تركيا
- شهلا حائري، جامعة بوسطن
- إسلام حسن، مركز الدراسات الدولية والإقليمية – جامعة جورجتاون في قطر
- مهران كامرافا، مركز الدراسات الدولية والإقليمية – جامعة جورجتاون في قطر
- ريهام منصور، جامعة جورجتاون في قطر
- سوزي ميرغني، مركز الدراسات الدولية والإقليمية – جامعة جورجتاون في قطر
- تشارلز شميتز، جامعة توسون، بالتيمور
- دين شارب، معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا
- جاكي ستار بيرد، مركز الدراسات الدولية والإقليمية – جامعة جورجتاون في قطر
- إليزابيث وانوشا، مركز الدراسات الدولية والإقليمية – جامعة جورجتاون في قطر
مقال بقلم إسلام حسن، محلل أبحاث في مركز الدراسات الدولية والإقليمية