مجموعة العمل الأولى: العلم والإنتاج العلمي في الشرق الأوسط

Science and Scientific Production in the Middle East

استضاف مركز الدراسات الدولية والإقليمية، يومي 16 و17 سبتمبر 2018، مجموعة العمل الأولى في إطار مبادرته البحثية حول موضوع “العلم والإنتاج العلمي في الشرق الأوسط”. وناقش الباحثون على مدى يومين قضايا تتمحور حول التأثير الاجتماعي للبحث العلمي؛ والأخلاق الإسلامية وشرعية الابتكار العلمي؛ والمرأة والعلم في الشرق الأوسط؛ والفوارق الاجتماعية والسياسات الاقتصادية والابتكار العلمي؛ وأنظمة العقوبات؛ والمجمّع الصناعي العسكري.

استهلّ ساري حنفي مناقشات مجموعة العمل بعرض حول موضوع “التأثير الاجتماعي للبحث العلمي في الشرق الأوسط” ناقش خلاله أربع قضايا رئيسية هي: أهمية البحث والتدويل؛ ومواصفات الحقل الأكاديمي في الشرق الأوسط؛ والشبكات العلمية عبر الوطنية؛ وإنتاج المعرفة مقابل استخدامها في المنطقة. وذكر حنفي أنه يبدو، بناءً على دراسته، أن المنشورات البحثية باللغة العربية أقل تأثيرًا، وأن للعلم والعلماء خارج المنطقة تأثيرًا أكبر. أما فيما يتعلق بالاقتباسات، فإن عدد ما يُقتبس من المنشورات العربية أقل مقارنةً بالبحوث المنشورة باللغة الإنجليزية. وتجنح البحوث المنتجة باللغة العربية إلى أن تكون أقل ظهورًا للأكاديميين والباحثين بسبب الافتقار إلى قواعد بيانات مناسبة تستوعب كل ما يُنشر باللغة العربية. والكثير من الأبحاث التي تنتج في المنطقة تُجرى لأغراض تتعلق بالسياسات ويجريها باحثون محترفون وتمولّها منظمات دولية لفترات زمنية قصيرة ومحدودة، بدلاً من أن ينفذها أكاديميون في بيئة جامعية. ويُعزى ذلك في المقام الأول إلى عدم كفاية التمويل المخصص للبحث الأكاديمي، وإلى أن الباحثين المحترفين يعتمدون على معاهد السياسات والمانحين الأجانب للوصول إلى الأموال. ولهذا الأمر تأثير كبير في استدامة البحث العلمي والمعرفة وإنتاجهما على الأمد البعيد، وكذلك في استهلاكهما. ويعاني العالم العربي من غياب مؤسسات وسيطة تربط الجامعات بالصناعة والمجتمع. واختتم حنفي عرضه بتحديد عدد قليل من التحديات الأساسية لتحقيق التأثير الاجتماعي من خلال البحث العلمي في العالم العربي، وهي: هناك نقص في الثقة في العلوم في المنطقة؛ ولا تعدّ البحوث والعلوم محايدة من حيث القيمة؛ والنقاش المجتمعي جزء لا يتجزأ من الأبحاث في المنطقة؛ والدول الاستبدادية غير ملتزمة بوضع سياسات قائمة على الأدلة؛ ويؤثر إجراء البحوث الحيوية في الأكاديميين، إذ يمكن أن يجدوا أنفسهم على الهامش مع تأثير سلبي في حياتهم المهنية؛ وينبغي أن يكون إنتاج المعرفة أكثر توزيعًا على فئات المجتمع؛ ولا تسيطر الجامعات العربية على الإنتاج العلمي أو لا تشارك فيه إلا قليلاً.

أما أيمن شبانة فركّز مناقشاته على “الأخلاق الإسلامية وشرعية الابتكار العلمي”. واستهلّ ملاحظاته بطرح تساؤلات حول سبب أهمية الأخلاق الإسلامية في إضفاء الشرعية على الابتكار العلمي، وحتى حول معنى الأخلاق الإسلامية. فهناك القليل من الدراسات المعمّقة التي تدرس العلاقة بين الأخلاق الإسلامية والعلوم أو الابتكار العلمي في العالم الإسلامي، وخاصة في الشرق الأوسط. كذلك، من المهم تحديد أصحاب المصلحة الرئيسيين والجهات الفاعلة المشاركة في مجال الأخلاق والعلوم الإسلامية. وقد فرضت الشواغل الاجتماعية الناشئة المتعلقة بالمجالات القانونية واللاهوتية والأخلاقية تحديات على التقاليد المعيارية الإسلامية وسلطتها. فمن نظريات التطور والحسابات الفلكية في العقد الأول من القرن العشرين إلى التكنولوجيا الطبية الحيوية الحديثة، استُدعي الإسلام إما لتبرير التقدم العلمي أو إدانته. وفي التعامل مع قضية الإسلام والإنتاج العلمي، حدد شبانة أربع فجوات في الأدبيات تستحق دراسة متعمقة: دور المفتين/القضاة المسلمين والباحثين القضائيين والعلاقة بين الإسلام والعلم؛ والأخلاق الإسلامية والحرب في الشرق الأوسط؛ والأخلاقيات البيولوجية الإسلامية وتقدّم الإنسانية؛ والأخلاق الإسلامية والذكاء الاصطناعي.

وركّزت رنا دجاني في ملاحظاتها خلال المناقشة التي أجريت ضمن مجموعة العمل على موضوع “المرأة والعلوم في العالم العربي”. وقالت إنه يُفترض عمومًا أن عدد الإناث في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات قليل في أجزاء كثيرة من العالم، لكن الإحصاءات تشير إلى أن الوضع ليس بالضرورة كذلك في العالم العربي وشرق آسيا وجنوب شرقها. والواقع أنه يوجد في العالم العربي أعداد أكبر من النساء في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات مقارنةً بالولايات المتحدة، وهذه مسألة تحتاج إلى مزيد من الدراسة. فإذا كانت المساواة بين الجنسين أفضل في بلدان شمال أوروبا منها في العالم العربي، فما هي أسباب هذا التمثيل النسائي العالي في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات في العالم العربي مقارنةً بشمال أوروبا؟ وجادلت دجاني بأن عدد الإناث في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات آخذٌ في الارتفاع على الرغم من الظروف الاجتماعية التي تُقيّد الخيارات التعليمية للفتيات والمعايير التقليدية المتصورة التي تفرض تحديات على تمكين المرأة. لكن المشاركة المهنية للمرأة في حقول العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات لا تزال غير متناسبة مع عدد الطالبات اللائي يتابعن تعليمهن في مجال العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات – فهناك عدد أكبر من الشابات اللائي يدرسن في هذه المجالات ولكن لا ينعكس ذلك لاحقًا على سوق العمل. وحدّدت دجاني بعض الثغرات في الأدبيات التي تحتاج إلى مزيد من الدراسة، منها على سبيل الذكر أن هناك حاجة إلى إجراء بحث لفحص الأثر الطويل الأجل للنظام التعليمي المنفصل في اختيارات التعليم الخاصة بالمرأة، وتحديدًا ما إذا كانت الفتيات اللائي تدرسن في بيئة أحادية الجنس تجنحن إلى متابعة التعليم العالي القائم على العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. كما رأت دجاني أن هناك حاجة إلى فهم أفضل لكيفية تأثير المرأة العربية في مكان العمل العلمي، وتأثيرها في المختبرات العلمية ومراكز الابتكار. ومن المجالات الفرعية الأخرى التي تحتاج إلى دراسة برامج التوجيه في العلوم للنساء وتأثير العالمات باعتبارهن قدوةً للشابات والشبان.

أما عبد القادر جفلات فقد ناقش، انطلاقًا من مناقشة موضوع دجاني، موضوع “العلم والفوارق الاجتماعية في الشرق الأوسط”. وجادل جفلات بأن الفوارق الاجتماعية المتفشية في الشرق الأوسط تعيق تقدم العلوم والإنتاج العلمي في الشرق الأوسط. ولا يتجلّى التباين الاجتماعي في ارتفاع معدلات البطالة في جميع أنحاء المنطقة فحسب، بل أيضًا في وصول الشباب إلى المعرفة. فالنخب تتمتع بفرص أوفر للوصول إلى التكنولوجيا الأجنبية والاكتشاف العلمي والبحث أكثر من الطبقات الدنيا. وينتقل هذا الوصول غير المتناسب إلى المعرفة عبر الأجيال، الأمر الذي يعزز عدم المساواة والإحباط في نهاية المطاف بين الطبقات الاجتماعية. وجادل جفلات بأنه ينبغي دراسة النظام الاجتماعي في الشرق الأوسط، وتحديد المؤسسات الاجتماعية المختلة وظيفيًا التي تخلق مثل هذا التباين في الوصول إلى المعرفة بين الطبقات الاجتماعية.

وقدّم مهران كامرافا ملاحظات برويز تاريخي على “العقوبات والإنتاج العلمي في إيران”. يرى تاريخي أن العلم والإنتاج العلمي في إيران لا يزال يعتمد على الدولة سياسيًا وإيديولوجيًا وماليًا. وأدت سيطرة الدولة على العلوم والإنتاج العلمي في إيران إلى ثلاث مشكلات هيكلية. أولاً، لمّا كانت الدولة أكبر مموّل للبحث العلمي، فإن هناك تفاوتًا جليًّا في تخصيص الأموال العامة للبحث العلمي؛ وبدلاً من أن تمول الدولة البحوث التي تسهم في الإنتاج العلمي والمعرفة، فإنها تموّل مشاريع براقة تعزز الكبرياء الوطني على المستوى المحلي، وتعرض دوليًا صورة إيران القوية والمتقدمة. ثانيًا، عدّلت سيطرة الدولة على الإنتاج العلمي مقاييسَ النقد العلمي البنّاء. وأخيرًا، تم اعتبار العديد من المساعي العلمية التي تمولها الدولة حساسةً للأمن القومي، أي إنها تؤثر في تداول المعلومات العلمية. بالإضافة إلى المشكلات الهيكلية المشار إليها أعلاه، أبرز تاريخي دورَ العقوبات في زيادة إعاقة الإنتاج العلمي في إيران، وزعم أن الاتجاه نحو هجرة الأدمغة شهد زيادةً كبيرة بسبب العقوبات، وأن المزيد من العلماء والباحثين الإيرانيين يغادرون البلاد أكثر من أي وقت مضى. بالإضافة إلى ذلك، يواجه العلماء الإيرانيون محدودية الوصول إلى الإنتاج العلمي خارج إيران لأغراض التعليم والمساهمة، حيث لا تقبل بعض المجلات أوراقًا من علماء إيرانيين. ومع ذلك، ساهمت العقوبات في نمو النزعة العالمية في أوساط العلماء الإيرانيين في الشتات وأولئك الموجودين في إيران. وألقى تاريخي الضوءَ على عدد من المجالات التي تستحق مزيدًا من الدراسة، من بينها: العلاقة العكسية بين العقوبات والعلم؛ وتأثير العقوبات في نقد الإنتاج العلمي؛ وقدرة العلماء الإيرانيين على إجراء البحوث العلمية المستقلة؛ والهجرة والنزعة العالمية العلمية في إيران؛ والصبغة الداخلية للانشقاق وتأثيره في الإنتاج العلمي في إيران.

واختتم طارق دعنا مناقشات مجموعة العمل بعرض حول موضوع “المجمع الصناعي العسكري والتقدم التكنولوجي في إسرائيل”. وقدّم دعنا لمحة عامة عن العلاقات التجارية-السياسية-العسكرية الإسرائيلية. وقال إن المجمع الصناعي العسكري في إسرائيل يمكن إرجاعه إلى ما قبل تأسيس الدولة. فقد تأسست الصناعات العسكرية الإسرائيلية، المعروفة حاليًا باسم IMI Systems، في عام 1933. واضطلعت هذه الشركة، والمجمع الصناعي العسكري الإسرائيلي عمومًا، بدور مهم في عملية بناء الدولة في إسرائيل في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين. وزعم دعنا أنه بالنظر إلى الدور المركزي الذي ينهض به الجيش الإسرائيلي في السياسة، فإن المجمع الصناعي العسكري الإسرائيلي لا يزال يستحق الدراسة. وحدد دعنا الفجوات الرئيسية في الأدبيات المتعلقة بالمجمع الصناعي العسكري الإسرائيلي، ومن بينها: العلاقة بين الأوساط الأكاديمية الإسرائيلية والجهاز العسكري؛ والصبغة المحلية للإنتاج العلمي الإسرائيلي وخصخصة الأمن في إسرائيل؛ وخصخصة نقاط التفتيش والسجون الإسرائيلية؛ والمقارنات بين المجمعين الصناعيين العسكريين الإسرائيلي والمصري من الستينات إلى الثمانينات من القرن العشرين.

  • لاستعراض جدول أعمال مجموعة العمل، انقر هنا.
  • للاطلاع على السير الذاتية للمشاركين، انقر هنا.

المشاركون والمناقشون: 

  • زهرة بابار، مركز الدراسات الدولية والإقليمية – جامعة جورجتاون في قطر
  • رنا دجاني، الجامعة الهاشمية، الأردن
  • طارق دعنا، معهد الدوحة للدراسات العليا، قطر
  • عبد القادر جفلات، جامعة ليل، فرنسا
  • محمد غالي، جامعة حمد بن خليفة، قطر
  • ساري حنفي، الجامعة الأمريكية في بيروت، لبنان
  • إسلام حسن، مركز الدراسات الدولية والإقليمية – جامعة جورجتاون في قطر
  • مهران كامرافا، مركز الدراسات الدولية والإقليمية – جامعة جورجتاون في قطر
  • سوزي ميرغني، مركز الدراسات الدولية والإقليمية – جامعة جورجتاون في قطر
  • أيمن شبانة، جامعة جورجتاون في قطر
  • إليزابيث وانوشا، مركز الدراسات الدولية والإقليمية – جامعة جورجتاون في قطر

 

مقال بقلم إسلام حسن، محلل أبحاث في مركز الدراسات الدولية والإقليمية