لورانس بوتر في محاضرة عن صعود وأفول مدن الموانئ في الخليج

لورانس بوتر في محاضرة عن صعود وأفول مدن الموانئ في الخليج

ألقى لورانس ج. بوتر، الباحث الزائر لمركز الدراسات الدولية والإقليمية لعام 2011 – 2012، والأستاذ المساعد للشؤون الدولية في جامعة كولومبيا، محاضرة ضمن سلسلة الحورات الشهرية التي يقيمها مركز الدراسات الدولية والإقليمية بعنوان: “صعود وأفول مدن الموانئ في الخليج” وذلك بتاريخ 16 مايو 2012. هدفت محاضرة بوتر لشرح الأسباب الاقتصادية والسياسية والبيئية وراء صعود وانحدار مدن الموانئ في الخليج على مر القرون. أشار بوتر في مقدمة عرض فيها مفاهيم المحاضرة إلى ضرورة التمييز بين الميناء والمرفأ. فالمرفأ، بحسب بوتر، “هو مفهوم مادي وهو ملاذ للسفن”، في حين أن “الميناء هو مفهوم اقتصادي، فهو مركز للتبادل”.

تكونت المستوطنات المطلة على الخليج كنتاج للثقافات البحرية وبالاعتماد على صيد اللؤلؤ وصيد الأسماك والتجارة، ما سمح للقبائل بالتنقل بحرية عبر الممرات المائية بحثاً عن مواقع مثالية للعيش فيها. يتحدث بوتر عن قوة هذه الروابط التجارية والأسرية على امتداد الساحل، وأن ذلك يعني “أن بعض القبائل قد بنت مستوطناتها على جانبي الخليج، وأشهرها قبيلة القواسم التي استقرت في الشارقة ورأس الخيمة وحكمت بندر لنجة بشكل مؤقت”.

تعني طبيعة الثقافات البحرية التي اتسمت بالترحال والتنقل، كما يرى بوتر، أن “الخليج كان يتطلع إلى الخارج، شطر المحيط الهندي، أكثر من تطلعه إلى الداخل نحو الشرق الأوسط، وأنه كان جزءاً من العالم المتنوع من حيث اختلاط الأعراق والأديان والإثنيات”، إضافة إلى اللغة. بسبب هذه العلاقات البحرية، تمكنت مدن الموانئ من المحافظة الدائمة على درجة من الاستقلال الاقتصادي والثقافي ما ميزها عن نظيراتها من المدن الداخلية. ولعل الأهم من ذلك أن هذه الثقافات قد تحدت الحدود المحدودة للدول القومية حيث “كان للمستوطنات على طول الساحل الفارسي علاقات أوثق مع المدن الموجودة على الجانب العربي مقارنة بعلاقاتها مع المدن الداخلية، وذلك بسبب سهولة التواصل” كما أوضح بوتر. عملت الاتصالات متعددة الثقافات، سواء المبنية على أساس الروابط الأسرية أو العلاقات التجارية، على حماية مجتمعات الموانئ من الفتنة الطائفية التي شهدتها عدة مناطق أخرى في لشرق الأوسط. يختلف هذا التاريخ العالمي لموانئ الخليج بشكل واضح عن التاريخ الأكثر استقراراً الذي شهدته المدن الداخلية كأصفهان وشيراز وتبريز وهيرات في المشهد الإيراني. تاريخياً، كانت هذه المناطق حضرية ومسكونة وامتلكت ثقافة راسخة فضلاً عن أنها حصدت نتاج قرون من الفن والأدب الخاصة بمنطقة جغرافية واحدة.

يقول بوتر: “تتمثل إحدى الحقائق الصادمة بخصوص مدن الموانئ في الخليج، بأن العديد منها قد تمتع بفترات ازدهار مؤقتة”. وفي العصور الوسطى، تشكلت أهم الموانئ في الشاطئ الشمالي الفارسي من الخليج، لكن في القرنين التاسع عشر والعشرين، صعد نجم موانئ الشاطئ الجنوبي العربي، وذلك لأن الموانئ تشكل مناطق اقتصادية، ويتمثل الغرض الأساسي منها بتسهيل التجارة الإقليمية والاقتصادية. وإن عملت العوامل البيئية أو السياسية على عرقلة هذه المسارات التجارية، فبإمكان الخليجيين الانتقال بسهولة عند شعورهم بعدم الرضا. ويؤكد بوتر أنه: “في منطقة تشكل فيها الزوارق وليس الأرض العاصمة، من السهل أن تبحر بعيداً وتعيد تأسيس نفسها في مكان آخر”.

لعبت البيئة القاسية في الخليج، والنقص في الموارد المائية والأخشاب دوراً هاماً في هجرة السكان من ميناء إلى منطقة أخرى لتشكيل ميناء جديد. تتمثل الأسباب الأخرى للتخلي عن ميناء بالتدمير المادي نظراً لانغمار الميناء بالطمي. “حدث هذا في العصور الوسطى لميناء هرمز القديم”. وفي القرن العشرين، حدث الأمر نفسه لميناء الشارقة، ما ألحق أضراراً بالغة بتجارتها لصالح دبي”. للتغلب على هذه التحديات البيئية ونقص المياه والأخشاب، قامت بعض المستوطنات باستيراد المياه العذبة والأخشاب من المناطق المجاورة. على الرغم من أن المستوطنات الساحلية كانت مجتمعات بحرية، فقد وجب استيراد الأخشاب اللازمة لبناء السفن والمراكب الشراعية من الهند وشرق أفريقيا. أوضح بوتر كيف يمكن لهذه التحديات البيئية أن تؤثر بشكل كبير على تشكيل جهاز الأمن القومي وأوضح بوتر ذلك بالقول: “لا شك أن النقص في الأخشاب كان أحد الأسباب في عدم تشكيل إيران لأسطول بحري حتى القرن العشرين”.

في الختام، سلط بوتر الضوء على المسار المستمر لأهمية مدن الموانئ في الخليج. يقول بوتر: “تغلب الخليجيون اليوم على تحديات المناخ ونقص المياه، وواصلوا تفوقهم كرجال أعمال كما كانوا دوماً. مدن الموانئ ما تزال متعددة الجنسيات كما كانت دوماً. ومراكز التسوق الحديثة في الدوحة ودبي ما هي إلا نسخة حديثة عن الصورة المتخيلة عن الامبوريومس العظيم في هرمز ومسقط”.

درس لورانس ج. بوتر في جامعة كولومبيا منذ عام 1996. إثر تخرجه من جامعة تافتس، نال شهادة الماجستير في دراسات الشرق الأوسط من كلية الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن، وحاز درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة كولومبيا. عمل بوتر أستاذاً في إيران لمدن أربع سنوات قبل الثورة. وفي الفترة الواقعة ما بين 1984 و1992 شغل منصب كبير المحررين في رابطة السياسة الخارجية. كما أنه متخصص في تاريخ إيران والخليج وسياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط.

 المقال بقلم: سوزي ميرغاني، مدير ومحرر المطبوعات في مركز الدراسات الدولية والإقليمية.