لماذا غاب الربيع العربي عن المغرب العربي؟
ألقى مات بوهلر زميل ما بعد الدكتوراه للعام الدراسي 2013 – 2014 في مركز الدراسات الدولية والإقليمية محاضرة ضمن سلسلة الحوارات الشهرية بعنوان: “لماذا غاب الربيع العربي عن المغرب العربي؟ الاستمرارية من خلال التعاون في الاستقطاب في المغرب وموريتانيا” وذلك بتاريخ 17 فبراير 2014. لخصت المحاضرة نتائج عمل ميداني مكثف في المغرب وموريتانيا، فقد أجرى بوهلر أكثر من 100 مقابلة مع سياسين وصناع قرار. وتركز بحث بوهلر حول سؤال محوري هو: “ما هي شروط نجاة نظام عربي من تبعات الربيع العربي؟” وتشير بعض النظريات الشائعة بين الباحثين حالياً إلى أن الدول الملكية التي تملك ثروة من الموارد الطبيعية وتاريخاً طويلاً من الولاء العسكري، واستراتيجية استرضاء المجموعات العرقية الأصلية هي أكثر مرونة وأكثر استعداداً للتغلب على الاضطرابات المدنية من الدول التي لا تتمتع بامتيازات مماثلة. ولاختبار هذه النظريات يقول بوهلر إنه من الضروري بداية توضيح الاختلافات البنيوية والسياسية التي ظهرت في البلدين اللتين أجرى فيهما دراسته وهما المغرب وموريتانيا.
وإثر إعطاء بعض المعلومات الأساسية عن البنى السياسية في المغرب وموريتانيا، تحدى بوهلر الأطروحة السائدة بخصوص “استثناء النظم الملكية”، والتي تنص على “أن استمرارية النظم الملكية تبدو أطول من غير الملكية”. وأوضح أنه “بالنسبة لهاتين الدولتين، لم يكن لشكل نظام الحكم تأثير يذكر على ديمومة السلطة، خاصة مع قدرة كلا الدولتين من الصمود في وجه عاصفة الاحتجاجات التي هزت الحكومتين ما بين عامي 2011 و 2012، وذلك برغم خضوع المغرب، على عكس موريتانيا، للنظام الملكي”.
أما النظرية الأخرى التي قام بوهلر بدراستها فتزعم أن الدول التي تملك ثروة من الموارد الطبيعية، كدول الخليج العربية، سوف تتمكن بالضرورة من التغلب على حالة النزاع المدني بفضل قدرتها على تهدئة أي معارضة وذلك من خلال تقديم سلسلة من التنازلات. ومع ذلك، وعلى الرغم من امتلاك المغرب لموارد طبيعية ضخمة على عكس الجارة موريتانيا، إلا أن كلاً منهما قد تمكن من صد حركات المعارضة الجدية. لذا، فهذه النظرية أيضاً برأي بوهلر لن يكتب لها الاستمرار.
ويرى مراقبون أن الولاء العسكري هو سمة أساسية أخرى لنجاة أي نظام، وأن مثابرة الأنظمة العربية تتوقف على درجة الدعم المقدم من الجهاز العسكري القوي التابع للدولة. ولنا في انهيار حكومتي مصر وتونس مثالان واضحان. ومع ذلك، يقول بوهلر: إنه في الوقت الذي يتمتع فيه المغرب بتاريخ من الولاء العسكري، “نرى النقيض في موريتانيا التي شهدت تاريخاً طويلاً حافلاً بالانقلابات العسكرية – فقد أطيح بكل رؤساء موريتانيا المتعاقبين على حكمها عبر انقلابات عسكرية”.
تنص نظريات أخرى بشكل منطقي على أن الاندماج الناجح واستيعاب الأقليات العرقية المتنوعة هو بالضرورة وسيلة لتجنب أي نزاع داخلي. وأضاف بوهلر: “قد تظن أن الأقليات العرقية المهمشة في بعض الدول العربية، كالبحرين وسورية، قد اغتنمت فرصة الربيع العربي لتأكيد مطالبها”. ومع ذلك، يشير بوهلر إلى أن المغرب قد فعل الكثير لدمج المجموعات العرقية التي كانت يوماً ما مهمشة، إلا أن موريتانيا لم تقم بأي إجراءات مماثلة. لذا، ومرة أخرى يقول بوهلر: “لا نستطيع القول أن الدمج العرقي كان عاملاً مهماً جداً في قيادة هذه العملية”.
وبعد أن أوجز بوهلر الفروق الأساسية بين الدولتين، يبقى السؤال الرئيسي المطروح: “ما هي القواسم المشتركة بين استراتيجيات النجاة في كل من موريتانيا والمغرب؟” فيجيب بالقول: “وظف هذان النظامان استراتيجية قوية وماكرة للغاية تمثلت بالتعاون في الاستقطاب، واستخدماها لتشكيل بعض الأطراف السياسية المؤيدة لأنظمة الحكم السياسية”. ولدراسة هذه الظاهرة شديدة التعقيد عن كثب، أجرى بوهلر سلسلة من الاختبارات الإحصائية في جميع أنحاء المغرب وموريتانيا لقياس مدى تسلل النظام إلى السياسة الريفية. وتخلص نتائج بحوث بوهلر إلى أن قوة المغرب وموريتانيا قد كمنت في قدرتهما على احتكار بنى القوة الريفية لدعم حكمهما خلال فترة الربيع العربي”.
باختصار، حذر بوهلر من تبسيط تصنيف الدول العربية، وقال إنه لم تكن ثمة إجابة محددة حول أسباب سقوط بعض الأنظمة، في حين تغلبت أنظمة أخرى على الاضطرابات الشعبية على المدى الطويل. ويصادق بحثه في المغرب وموريتانيا على أن كلا الحكومتين قد أظهرت صموداً في مواجهة الانتفاضات، على الرغم من الخلافات الأساسية من حيث البنية السياسية وثروة الموارد والولاء العسكري والدمج العرقي.
د. مات بوهلر حاصل على درجة الدكتوراه في الشؤون الحكومية من جامعة تكساس في أوستن، وفي خريف 2014 سيثبت في منصبه في قسم العلوم السياسية بجامعة تينيسي. أجرى د. بوهلر العديد من الأعمال الميدانية في تونس والمغرب وموريتانيا، ويعكف حالياً على تأليف كتاب بعنوان: “الأساس الاجتماعي للتقسيم والحكم: التحالفات بين المعارضة اليسارية والإسلامية في الربيع العربي بشمال أفريقيا.
المقال بقلم: سوزي ميرغاني، مدير ومحرر المطبوعات في مركز الدراسات الدولية والإقليمية.