كارن آرمسترونج في محاضرة عن جوهر تقاليدنا الدينية
في محاضرة مشتركة بين مركز الدراسات الدولية والإقليمية وجامعة جورجتاون، وجهت الدعوة لكارن آرمسترونج لطرح أفكارها حول “جوهر تقاليدنا الدينية” في 13 مارس 2011. يذكر أن آرمسترونج راهبة سابقة من الروم الكاثوليك كانت قد غادرت الدير البريطاني للحصول على إجازة في الأدب الحديث من جامعة أكسفورد، وهي مؤلفة كتب تعد الأكثر مبيعاً، وسفيرة الأمم المتحدة لتحالف الحضارات.
استهلت آرمسترونج محاضرتها بتحديد الدور المتناقض الذي يلعبه الدين في عالم العولمة اليوم، وقالت إنه على الرغم من أن الدين يسهم في بناء مجتمع عالمي ويعلم التسامح بين مختلف الأشخاص، إلا أنه يعتبر أيضا سبباً رئيسياً من أسباب العنف والصراع العالمي. وأضافت: “أنا مقتنعة بمساهمة الدين الكبيرة في إحدى المهام الرئيسية في عصرنا، وهي بناء مجتمع عالمي يمكن فيه للناس من جميع الاتجاهات أن يعيشوا معاً في وئام واحترام” ومع ذلك، من المهم أن نشير إلى أن “سبب الحرب عادة ما يكون الطموح والكراهية والجشع مع إعطاء هذه المشاعر في كثير من الأحيان مسحة مثالية أو دينية لتنقيتها”. على الرغم من أن آرمسترونج تقر بتاريخ الصراع الدولي القائم على أساس الدين، فقد دافعت عن فكرة أن دوافع الصراع عادة ما تنبع من مخاوف فردية لقلة تتصف بالأنانية.
بالحديث عن العصر المحوري ما بين 900-200 قبل الميلاد، أشارت آرمسترونج إلى أن هذه كانت لحظة في التاريخ الذي شكل محور الخبرة الروحية للبشر عندما عرفت جميع الأديان الرئيسية في العالم أصولها. ففي الصين، نشأت خلال هذه الفترة، الكونفوشية والطاوية. وفي الهند، ازدهرت الهندوسية والبوذية. في حين انتشرت في منطقة الشرق الأوسط جذور التوحيد، التي أرشدت تعاليم اليهودية والمسيحية والإسلام. وفي اليونان، أدت العقلانية الفلسفية إلى ارتقاء الفلسفة الغربية، التي أصبحت حركة دينية بأسلوبها الخاص. أوضحت آرمسترونج أنه على الرغم من أن هذه التقاليد القديمة تختلف عن بعضها البعض، إلا أنها تتشارك بعض القيم التي شكلت مفاهيمنا الحالية عن الوجود ولديها الكثير لتخبرنا به في عالمنا المعاصر. وعلى الرغم من أن هذه التقاليد قد ساهمت في شرح الوجودية، فقد نبهت آرمسترونج لاستحالة إدراك المجهول بشكل كامل، وقالت “إن إحدى الأشياء الخاطئة في العصر الحديث، التي من الأكيد أن المتدينين لا يتسامحون ويتشبثون برأيهم تجاهها أنهم يصرون على أنه عندما نتكلم عن الحقيقة المطلقة التي نسميها الله، أو نيرفانا، أو براهما، أو داو، فنحن نعتقد أننا نعرف ما نتحدث عنه” ويمكن تعريف مضامين ذلك. مع ذلك، تقول آرمسترونج إنه كما هو الحال في عقيدة المسلمين أن “الله أكبر”، أن الإله دائماً يتجاوز حدود اللغة والأفكار.
كجزء من تحقيقاتها العلمية في تاريخ الدين، قالت آرمسترونج إن كلمة “الإيمان” في اللغة الإنجليزية قد تغير معناها عبر القرون. وحتى القرن السابع عشر، كانت الكلمة تنطق بطريقة مختلفة في اللغة الإنجليزية الوسطى، وقد استمدت من الفعلين في الألمانية “يحب” و”يلزم نفسه” فضلاً عن الجذر اللاتيني “الرغبة”، أو “الرغبة الجنسية”. ولم يكن لكلمة “الإيمان” نفس دلالات “الإيمان الأعمى” وقبول المذهب كما هو الحال اليوم. تقول آرمسترونج “لا يتمحور الدين حول التفكير بالأشياء أو الاعتقاد بالأشياء، لكنه فعل الأشياء. فما هو القرآن، سوى دعوة للعمل؟ عندما يتحدث القرآن عن الإيمان فإن هذا لا يعني أن علينا تقبل مجموعة كبيرة من الأفكار، بل يعني المتابعة الحثيثة لأداء أعمال الرحمة، أو الصالحات”، فالقرآن يطلب من الناس فعل الخير ورعاية الفقراء والمستضعفين وتحرير العبيد ورعاية الأيتام والأرامل.
في ختام المحاضرة أوضحت آرمسترونج أن أي دين في العالم يقوم على مبدأ أخلاقي هو الرحمة. وقالت: “يتضح لي الآن أننا ما لم نتعلم كلنا أن نتعامل مع كل العالم كما نتمنى أن يتعاملوا معنا بصرف النظر عن معتقداتهم، فلن نكون قادرين على الحفاظ على العالم وتسليمه للجيل القادم و”أن أي أيديولوجية تولد أو تشجع على الكراهية والاحتقار سوف تسقط في اختبار عصرنا وسوف تنبذها الإنسانية.
ترجمت كتب آرمسترونج إلى خمسة وأربعين لغة. وبالإضافة إلى التدريس، تكتب آرمسترونج آراءاً في الشؤون الدينية في إنجلترا والولايات المتحدة، ولها عمود في صحيفة الجارديان. تم منحها في عام 2007 ميدالية الفنون والعلوم من قبل الحكومة المصرية لخدماتها الجليلة للإسلام، وهي تعد أول أجنبية تمنح هذا الوسام. كما حازت آرمسترونج على جائزة TED.
المقال بقلم: سوزي ميرغاني، مدير ومحرر المطبوعات في مركز الدراسات الدولية والإقليمية.