فيكتوريا بيدرك في محاضرة عن أساطير تدنيس الطبيعة

فيكتوريا بيدرك في محاضرة عن أساطير تدنيس الطبيعة

اختتمت فيكتوريا بيدرك، مساعد العميد وأستاذ الكلاسيكيات في كلية الشؤون الدولية في جامعة جورجتاون في قطر، فعاليات مركز الدراسات الدولية والإقليمية للعام الدراسي 2007-2008 بمحاضرة بعنوان “الجوع للأشجار: أساطير تدنيس الطبيعة“، وقد ألقيت المحاضرة أمام جمهور مؤلف من 40 شخصاً من الطلاب وأعضاء الهيئة التدريسية وموظفي مؤسسة قطر، وسفراء مقيمين في  قطر، وأفراداً مهتمين من العامة، يذكر أن هذه هي المحاضرة السادسة من سلسلة الحوارات الشهرية، التي تعتبر توعية وجهداً أكاديمياً يقدم برعاية مركز الدراسات الدولية والإقليمية، حيث يناقش أعضاء الهيئة التدريسية مستجدات أعمالهم واهتماماتهم البحثية.

بدأت بيدرك حديثها بسرد مجموعة متنوعة من الحكايات حول كيف كان ينظر إلى الشجرة في الأساطير القديمة، وكيف يمكن من خلال هذه القصص إدراك رمزيتها كفهم أوسع لطبيعة ومواقف الإنسان نحو بيئته الطبيعية، وعلى هذا النحو جاءت محاضرة بيدرك لتحذر من الكوارث البيئية الحالية. وقد حذرت من أن التدهور البيئي ينبع إلى حد كبير من كيفية تحديد البشر لدورهم في العالم كمركز تتذبذب حوله كل العناصر الأخرى.

أوضحت بيدرك أن الأساطير اليونانية والرومانية القديمة على الرغم من أنها خيالية، إلا أنها “تقدم لنا نافذة على التصورات القديمة عن الطبيعة”، وخلف عناصرها الخيالية، تكشف هذه الأساطير القديمة حقيقة كيف كانت الشعوب القديمة تتصرف حيال بيئاتها الطبيعية، وكيف أدت ديونها إليها، وأوضحت أنه من خلال المقارنة بين هذه القصص القديمة والقصص الحديثة، يمكن أن نرى بوضوح التدهور النسبي الحاصل في القيم المتعلقة بالبيئة الطبيعية وكيف أنزلنا مرتبة الطبيعة إلى أقل من مورد يسعى الإنسان إليه ويخضع لإرادة ورحمة احتياجاتنا النهمة، لقد تجاوزت شهية الإنسان اليوم و”الجوع للأشجار” كل الاحتياجات الطبيعية الدقيقة، نظراً لاستغلال الموارد الطبيعية مع الإفلات من العقاب، فالبشر نادراً ما يردون ما أخذوه بصيغة الاستدامة أو المعاملة بالمثل، هذا إن فعلوا ذلك أصلاً. يقابل تدمير البيئة اليوم الأسطورة القديمة حول “إريسكثون” Erysichthon ولعنة الجوع النهم التي تحل عليه من قبل الإلهة ديميتر بسبب قطعه  شجرة مقدسة.

تقدم الأساطير الرومانية واليونانية لمحات عن علاقة الإنسان بالطبيعة وبالأشجار على وجه التحديد. وأوضحت بيدرك أنه “حتى الآن على الرغم من – أو ربما بسبب – تواجد الشجر في كل مكان في الحياة القديمة، فإن الشجرة تحمل مكانة غامض في الفكر القديم”، وتعتبر الأشجار صورة مصغرة عن مفهومنا عن الطبيعة، دورة حياة معقدة قد تكون سنوية وعابرة، أو قد تدوم لفترة أطول بكثير من متوسط عمر الإنسان. تبدأ دورة نمو الأشجار من البذور، لتصبح شجيرة صغيرة، ثم تصبح مخلوقات رائعة في تناغم مع الفصول الموسمية، وإذا تركت الأشجار لتنمو بشكل طبيعي في ظروف جيدة، من الممكن أن تنمو للأبد تقريباً. تسير دورة حياة الأشجار من أوراق النمو، إلى أوراق الشجر الكاملة وأوراق الخريف في وئام مع دورات فصول السنة، كما تعمل هذه العناصر الطبيعية متعاونة وداعمة بعضها الآخر بطريقة تبادلية.

وضعت الأشجار في الأساطير الرومانية واليونانية القديمة موضع التقدير والتبجيل نظراً لأهميتها لبقاء الحضارات القديمة، ولأنها كانت أيضاً مصدر كل الفوائد ووسائل الراحة. تزودنا الأشجار بالخشب لعمل أشياء كثيرة وهامة، إلا أن الأهم من ذلك هو أن وجودها ضروري كعناصر حيوية للحفاظ على الحياة وأنماط حياة الأبطال القدامى. تقول مجموعة متنوعة من الأساطير القديمة إن الأبطال العظماء كانوا يعتمدون على الخشب لبناء مركباتهم وسفنهم القوية، وهذه السفن هي التي حملتهم في رحلات المجد والتي ضمنت رواية قصصهم، وبالتالي الخلود، وبقاء اسمائهم محفورة في التاريخ إلى الأبد. كما قدمت الأشجار الخشب ليستخدم لاصطحاب الأبطال في رحلات من نوع آخر: فقد استخدم لبناء المحارق الجنائزية التي تنقلهم إلى الحياة الآخرة. وعلى هذا النحو، كان ينظر إلى الشجرة المتواضعة على أنها مخلوق نبيل، وتعتبر خسارة جزء بسيط من جسدها على أنها خسارة حزينة وتضحية يجب احترامها من قبل كل من يقطع الأشجار. تذكر أساطير عدة أنه غالباً ما تتلى صلوات الشكر وصلوات الاستغفار قبل أن تقطع الشجرة كاعتراف بالعلاقة المعقدة بين البشر والطبيعة. توجد حاجة للمحافظة على الأشجار كمورد، وفي الوقت نفسه لابد من إزالتها في بعض الأحيان لإفساح المجال للرعي والزراعة ولجميع ممارسات التمدن البشري، ومع ذلك يتم اليوم قياس استخدام الأشجار من خلال قيمتها المادية، وقد أصبحت الأشجار مادة للعنف المعرفي، حيث أجبرت أن تكون موالية لإدراك الإنسان العصري للطبيعة على أنها لا تتعدى كونها مجرد مورد مربح.

إن الصورة المعقدة الكامنة وراء قصص الحضارات القديمة تعد دليلاً أكاديمياً على أن البشر والطبيعة كانوا في علاقة دقيقة قائمة على المعاملة بالمثل، بالتالي يمكن للإنسان المعاصر أن يأخذ دروساً قيمة من هذه الأساطير اليونانية والرومانية القديمة ويرى أن التقدم الذي أحرزه أدى في كثير من الحالات إلى الفقر، لقد تضاءل تطورنا الحالي أمام تقدم الإنسان القديم في الإشراف على الطبيعة وخيراتها.

 المقال بقلم: سوزي ميرغاني، مدير ومحرر المطبوعات في مركز الدراسات الدولية والإقليمية.