فريدريك وهري في محاضرة عن عواقب ما حدث في ليبيا ومستقبل سورية

Frederic Wehrey

قدم فريدريك وهري، كبير مستشاري برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي المحاضرة الأولى للعام الدراسي 2012 – 2013 ضمن سلسلة الحورات الشهرية التي يقيمها مركز الدراسات الدولية والإقليمية بتاريخ 17 سبتمبر 2012 وذلك تحت عنوان: “المقارنات في الحرب: عواقب ما حدث في ليبيا ومستقبل سورية”. تناولت المحاضرة المقاربات المختلفة التي تبناها المجتمع الدولي تجاه الأزمتين الليبية والسورية من خلال اللغة التي استخدمت لتأطير النقاش. وغالباً ما تضرب الدروس المستفادة من ليبيا كأمثلة عن كيفية التعامل مع سورية، بصرف النظر عن الاختلافات الرئيسية بين البلدين.

قبل الإسهام في بأي نوع من جهود الوساطة، أوضح وهري أن الإدارات والحكومات قد وظفت القياس والتفسيرات اللغوية للصراع إما لدعم أو رفض التدخل. وبعد عرض نظريات القياس الخاصة بالمؤلف يوين فونج خونج في كتابه: تشابهات الحرب: كوريا وميونخ وديان بيان فو وقرارات فيتنام عام 1965 (مطبوعات جامعة برينستون، 1992)، قال وهري: “لم يتم استخدام التشابه لتبرير السياسات، بل شكل جزءاً من العملية النفسية والمعرفية التي يخوضها صناع القرار عند اتخاذ القرارات”. وعلى هذا النحو، فقد برز تأثير التشابهات والدروس المستفادة من التاريخ في السياسة الخارجية. فقد ارتكز قرار الولايات المتحدة للتدخل في ليبيا على الدروس المستفادة من نزاعات سابقة. فبحسب وهري “يدل القياس على أن بنغازي لن تكون سريبرينيتسا أخرى”. كان للعديد من صناع القرار في البيت الأبيض خبرة مباشرة حول فشل المجتمع الدولي في منع الأعمال الوحشية التي وقعت في البوسنة ورواندا في التسعينيات، ما دفع صناع السياسة الحاليين للقياس على الحالات السابقة المشابهة لتبرير وحشد الدعم الدولي لشن حملة جوية على ليبيا.

لتقييم الأثر الكلي لتدخل حلف شمال الأطلسي في ليبيا، أشار وهري إلى أنه كان نقطة تحول حاسمة. فقد اتخذ المجتمع الدولي قرارات متعددة الأطراف بعد توافق الآراء، لذا فقد اعتبر التدخل في ليبيا بمثابة نموذج جديد للتدخل الخارجي، حتى أطلق عليه اسم “عقيدة أوباما”. علاوة على ذلك، في عصر زيادة التقشف في موازنة وزارة الدفاع الأمريكية في أعقاب حربي العراق وأفغانستان، “كان للقوة الجوية سحر خاص، خاصة في الولايات المتحدة، لأنها لا تعرض الناس للخطر فضلاً عن انخفاض تكاليفها نسبياً”، عند استخدامها بدقة. يقول وهري: “لا شك في الجاذبية الشديدة لهذا التدخل لا سيما أنه لم يكلف حياة جندي أمريكي واحد، وحقق نجاحاً في إسقاط دكتاتور، واستخدمت فيه القوة الجوية، ولم يحتج إلا لعدد قليل جداً من المستشارين على الأرض”.

يجري الآن استخدام هذا “النموذج الليبي” كمقياس في المناقشات الدائرة بشأن الأسلوب الذي ينبغي على المجتمع الدولي والولايات المتحدة استخدامه في حالة الصراع في سورية. ومن المهم أن نشير، بحسب وهري، إلى وجود عدد من القيود التي تحد من تطبيق هذا النموذج في سورية. فخلافاً لإجماع المجتمع الدولي تجاه استخدام قوة حلف شمال الأطلسي الجوية في ليبيا، لا يوجد اتفاق مشابه لعمليات التحالف في سورية. إضافة إلى الشق الجغرافي للموضوع، فسورية لا تمتلك خطاً ساحلياً ممتداً يمكن توجيه العمليات من خلاله، فضلاً عن الكثافة السكانية العالية التي تتمتع بها المناطق الحضرية ما يزيد من خطورة الضربات الجوية على السكان المدنيين. يقول وهري: “إن عدم سيطرة الثوار على منطقة محاذية في سورية يعيق قدرتنا على إيصال المساعدات، والافتقار إلى خط ساحلي ممتد يسمح بتدخل حلف شمال الأطلسي ويتيح المجال أمام الذراع اللوجستي للثوار لنقل الأسلحة، فدور الجغرافية الاستراتيجي هنا مختلف”. وعلى هذا النحور، لا يمكن تعميم النموذج الليبي وتطبيقه على الحالة السورية. يوضح وهري: “علينا أن نأخذ كل هذه الاختلافات بعين الاعتبار وأن نكون حذرين جداً من إساءة استخدم القياس مهما كان ذلك مغرياً”.

على الرغم من الهجمات الأخير على السفير الأمريكي في بنغازي، قال وهري إنه لا يزال متفائلاً إلى حد ما بشأن ليبيا. فالبلاد لا تزال تعاني من اضطرابات مزمنة نظراً لأن “الناس ما زالوا يحاولون التخلص من إرث استبداد غرائبي وحشي استمر لاثنين وأربعين عاماً وحرض مختلف مكونات المجتمع على بعضها”. وما نشهده الآن ما هو إلا “تشنجات بسيطة تمر بها الثورة. فهذه النزاعات ما بين القبائل وما بين المدن ما هي إلا شاهد على الطريقة التي حكم بها القذافي. فعلى الرغم من رعايته لبعض القبائل، فقد عمد إلى تهميش الآخرين”. ويخلص وهري بالقول: لا تمتلك ليبيا أي مؤسسات، ما يعد نعمة من نواح عدة نظراً لأنها تتيح للشعب أن يبدي رأيه في كيفية بناء هذه المؤسسات منذ البداية. “من المهم أن نتذكر أن إرث ليبيا ما زال في حالة التدوين حالياً”.

تركز أبحاث فريدريك وهري على الإصلاح السياسي وقضايا الأمن في دول الخليج وليبيا وعلى سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط على نطاق أوسع. قبل انضمامه لمؤسسة كارنيجي شغل وهري منصب كبير محللي السياسات في شركة راند، وفي عام 2008 كان قائد الفريق الاستشاري الاستراتيجي لشركة راند إلى بغداد في العراق للتركيز على تحديات ما بعد العمليات وذلك في دعم للقوات متعددة الجنسيات. وهري خريج جامعة أوكسيدنتال، وهو حاصل على شهادة الماجستير في دراسات الشرق الأدنى من جامعة برنستون وعلى الدكتواره في العلاقات الدولية من كلية سانت أنتوني بجامعة أكسفورد.

 

 المقال بقلم: سوزي ميرغاني، مدير ومحرر المطبوعات في مركز الدراسات الدولية والإقليمية.