غرب آسيا العائد للصعود – مجموعة العمل الأولى

Re-Emerging West Asia Working Group I

عقد مركز الدراسات الدولية والإقليمية مجموعة العمل ضمن مبادرة بحثية حول  ” غرب آسيا العائد للصعود”  على مدار يومي 10-11 يناير 2015. وشمل الاجتماع أكاديميين يمثلون دول جنوب القوقاز  أذربيجان، وجورجيا، وأرمينيا، وكذلك باحثون من إيران وتركيا. ناقش المشاركون عددا من القضايا ذات الصلة وثغرات محددة في الدراسات السابقة، و شملت المواضيع التي تمت مناقشتها خلال الاجتماع  من بين أمور أخرى: المنافسة الجديدة الجيوسياسية في جنوب القوقاز ودور الجهات الفاعلة الخارجية، والطاقة، وسياسة القوة الناعمة، ومجموعة متنوعة من الديناميات الاجتماعية والعرقية في المنطقة.

وافتتح المشاركون النقاش حول البيئة الجيوسياسية المتغيرة في جنوب القوقاز، وارتفاع المنافسة بين القوى الخارجية، وظهور فاعلين جدد، وقد عرضت الصين اهتماما متزايدا بتوسيع دورها في المنطقة، ومثال على ذلك ما نراه من اتفاق جيش التحرير الشعبي مع الجيش الأرميني.

أما في جورجيا، فإن الكنيسة الأرثوذكسية تتلقي أموالا روسية، وهذا الأمر وغيره من تداخلات أخرى مع المجتمع المدني تدلل على مصلحة روسيا في تشكيل السياسات المحلية في منطقة جوارها. كما أنها  شجعت أيضا العلاقات السياسية والمالية بين تركيا وجورجيا وأذربيجان في سعيا للتأثير على المنافسة الجيوسياسية الإقليمية.

ورغم أن الدراسات التي تناولت المنطقة تميل إلى النظر إلى شمال وجنوب القوقاز بوصفهما منطقتين متمايزتين، رأى المشاركون في مجموعة العمل أن هذه المناطق تتشارك ظروفا اقتصادية وسياسية مماثلة. علاوة على ذلك، فإن التواصل المستمر عبر الحدود والاتصالات العابرة للحدود مثل السكان اللزجينيين في جنوب داغستان وشمال أذربيجان يسمح بتورط جهات خارجية مثل روسيا.

ويمكن للعوامل الاقتصادية والأزمات الإقليمية في دول الخليج الفارسي والشرق الأوسط، وجنوب القوقاز أن توفر نقاط مقارنة للاعتبارات الأكاديمية، ويمكن استخلاص مقارنات بين الديناميات الريعية في أذربيجان ودول الخليج. لقد دفع التشابه في نظم الحكم الباحثين إلى التكهن بما إذا كان حدث مشابه للربيع العربي يمكن أن يقع في أرمينيا وأذربيجان. إلا أنه ينبغي للمرء أن يكون حذرا فيما يتعلق بافتراض الكثير من التشابه بين هاتين المنطقتين، فالتأثيرات التاريخية التي شكلت المسارات السياسية فيهما مختلفة تماما،  وفيما يتعلق بمسألة الدين والعرق، فإن أذربيجان ترى “الهوية الإسلامية” باعتبارها تهديدا للهوية العرقية في البلاد، أما في حالة جورجيا، فقد ظهر التدين باعتباره  حركة مضادة للسوفييتية.

وقد سمحت هذه المشاعر لحركات مثل مدارس غولن الإسلامية في آسيا الوسطى ودول جنوب القوقاز أن تزدهر في المجتمعات المستقبلة لها. وقد نشطت حركة فتح الله غولن الإسلامية خلال الثمانينات عندما دخلت تركيا مرحلة الاقتصاد الليبرالي.، في عام 1992، بعد وقت قصير من انهيار الاتحاد السوفيتي، ألهمت مدارس غولن رجال الأعمال والمعلمين لفتح أول مدرسة في أذربيجان ثم تلتها مدرسة أخرى في كازاخستان.

وجاء افتتاح هذه المدارس في وقت كانت عدة دول في آسيا الوسطى وجنوب القوقاز في حاجة ماسة لتعليم أفضل جودة، وتقدم المنهج العلماني الذي تتبعه مدارس غولن، وقبل زوال علاقة حركة غولن مع حزب العدالة والتنمية في تركيا، كانت السياسة الخارجية التركية متوافقة مع رؤية غولن، وتنظر إليها كأفضل تمثيل للقوة الناعمة التركية في المنطقة، وأدت المدارس إلى تكوين مجتمع نخبة بارع في اللغة التركية ومتعاطفة مع العقيدة الإسلامية المعتدلة، وخلق روابط تعليمية ومجتمعية هامة بين المنطقتين.

وبصورة تقليدية فإن تحول السياسة الخارجية لتركيا فيما يخص القوة الناعمة قد تركز في انخراط حزب العدالة والتنمية في الجهات الحكومية وغير الحكومية في البلقان والشرق الأوسط الكبير، وقليل من الدراسات التي تناولت القوة الناعمة تركز على أنشطة القوة الناعمة التركية في جنوب القوقاز. وهناك فجوة بحثية أخرى هي أن هناك الكثير من الدراسات التي تركز على أطراف القوة الناعمة الفاعلة وغير الحكومية، إلا أن هناك حاجة إلى مزيد من الدراسة حول تأثير الجهات الحكومية على القوة الناعمة، وينبغي أن تركز هذه الدراسات على بنية سرديات السياسة الخارجية، والقيم السياسية والتبادل الثقافي.

علاوة على ذلك، فمن الأفضل دراسة موضوعات القوة الناعمة من حيث جاذبية القوة الناعمة، والقيود التي تحدد القوة الناعمة والعلاقة بين القوة الناعمة والقوة الخشنة. . أوضح المشاركون أن صعوبة دراسة قوة تركيا الناعمة في جنوب القوقاز أنها تأخذ في اعتبارها الفوارق بين بلد وآخر، فعلى سبيل المثال، كان مستوى من مقاومة القوة الناعمة التركية في آسيا الوسطى بسبب النبرة الإسلامية التي تحملها.

ومن  حيث القوة الخشنة، فإن تركيا تستخدم دورها كدولة عبور للطاقة لبيع الغاز إلى الأسواق الأوروبية، وأوضح المناقش أن مركزية تركيا وموقعها الجغرافي باعتبارها مركزا للطاقة أدى إلى أن تكون لها فلسفة تجارة  أكثر انسيابية. إلا أن ضمن المكونات الرئيسية لمركز الطاقة أن يكون لديه سوق مفتوحة وجيدة التنظيم، وهو الأمر الذي يناضل حزب العدالة والتنمية من أجله مركزا على مركزية التجارة. كذلك فقد استخدمت الطاقة أيضا كأداة سياسية في أذربيجان وجورجيا.

خلال فترة التسعينات كان الهدف الرئيسي لدبلوماسية الطاقة هو تنفيذ السياسات الموالية للغرب وتوطيد وتعزيز دعم النظام الحاكم، وهي الإستراتيجية التي ظلت ناجحة حتى نزاع ناغورنو – كاراباخ، وأوضح المشاركون العديد من الاتجاهات الناشئة التي تحتاج إلى مزيد من الدراسة، مثل العلاقات الاقتصادية بين أذربيجان وشرق آسيا، وإمكانية توفير الطاقة لإيران والعراق وخيارات التحول المستقبلي لجنوب القوقاز نتيجة لخط أنابيب نابوكو المقترح حديثا.

لاحظ المناقشون أن سياسة الولايات المتحدة تجاه التنمية الإقليمية في جنوب القوقاز قد حرمت إيران من لعب دورها الطبيعي في المنطقة وتوسيع نطاق تفاعلها مع الدول المجاورة، واستنادا إلى التطورات التي حدثت بعد تكوين الجمهورية الإسلامية، يمكننا أن نرى خطابات مختلفة في السياسة الخارجية الإيرانية تجاه القوقاز والتصورات المشتركة لكلا الجانبين الإيراني والأذربيجاني، فوفق وجهة نظر الإيرانيين، فإن الدرس الذي المستفاد من نزاع ناغورنو – كاراباخ  هو من النادر  حل القضايا الأمنية دون إشراك روسيا،. وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وعلى الرغم من الثقافة المتقاربة والماضي المشترك بين إيران وأذربيجان، إلا أن العلاقات بين البلدين بقيت متوترة بسبب وضع الأذريين في إيران.

يشكل الاذريين جزء كبير من السكان في إيران، إلا أن الهوية العرقية الأذرية واستخدام اللغة الأذرية جنبا إلى جنب مع لغات عرقية أخرى لا يتم تدريسها أو ممارستها في مدارس إيران. في المقابل، فإن الدولة الأذربيجانية صدت هذه الجهود من خلال إطلاق مهمة تاريخية لخلق صحوة وطنية من أجل فهم هويتهم واحتضان استقلالهم عن إيران، وتساءل المناقشون عن مدى تأثير العلاقة الإيرانية-الأذرية على العلاقات السياسية، معتبرين أن البعد العرقي لا يظهر إلا عندما يشوب التوتر العلاقات بين البلدين.

وفي حالة دول جنوب القوقاز، فقد اتسمت أرمينيا في مرحلة ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي بالجريمة والفساد مما أتاح لعدد قليل من الشركات الحصول على قدر كبير من السلطة. وترتبط هذه القلة ارتباطا وثيقا الدولة. إذ أن هناك أفرادا وشركات معينين يكونون بمثابة “عصابات تعتمد على السلع الأساسية”، ويسيطرون على الصادرات وحقوق الاستيراد للمنتجات الأساسية مثل السكر والزيت والكحول والسجائر، ومقابل ذلك توفر هذه القلة للدولة أصواتا انتخابية مضمونة.

وقد أتاح الحظر التجاري والحدود المغلقة فرصة للفساد الاقتصادي في أرمينيا وتعزيز هيمنة القلة. أشار المناقشون إلى أن هذه القلة في أرمينيا قد دخلت البرلمان سعيا للحصول على المكانة والحصانة، وليس لإدراكهم حجم السلطة التي تمكنهم من صياغة التشريعات أو إعاقة القانون. علاوة على ذلك، ينبغي أن تركز الدراسات على توجيه مزيد من الاهتمام للمقارنات بين جورجيا وأرمينيا آخذة في اعتبارها تماثل المتغيرات فيهما، و الاختلاف الجذري بينهما في استراتيجيات الإصلاح السياسي.

مقال بقلم: هايا النعيمي- محللة أبحاث- مركز الدراسات الدولية والإقليمية