عودة ظهور غرب آسيا - مجموعة العمل الثانية

Members of the

على مدار يومي الرابع عشر والخامس عشر من يونيو 2015 عقدت مجموعة العمل الثانية التابعة لمركز الدراسات الدولية والإقليمية اجتماعاً تحت عنوان مشروع “عودة ظهور غرب آسيا”. يتضمن التركيز الجغرافي لهذا المشروع على دول الخليج الفارسي، والشام، والدول الثلاث جنوب القوقاز. وقد اجتمع الباحثون لتلقي الإنتقادات والتعليقات حول مسودات الفصول التي كتبت ضمن المشروع. وقد تضمنت المناقشات عدة عناوين، من بينها عرض تاريخي للأبعاد الجغرافية والسياسية في المنطقة، سياسات أنابيب النفط، المجتمع المدني، نفوذ اللاعبين المؤثرين من خارج هياكل الدولة، وأخيراً صعود أصحاب تزاوج المال والنفوذ السياسي والشبكات الإجرامية المنظمة من المجرمين من ذوي الياقات البيضاء في جنوب القوقاز.

بدأت الجلسة بمناقشة حول الأثار التي خلفها التاريخ والامبراطوريات على بناء المنطقة. فمنطقة غرب آسيا يتم تعريفها من خلال صعود حكم ثلاث قوى امبراطورية ثم انهيارها، ومؤخرا الصعود المثير للمتاعب للدولة الإسلامية العابرة للحدود السياسية. فبينما دول ما بعد الحقبة السوفياتية مثل أذربيجان وجورجيا وأرمينيا قد ظلت مستقرة داخلياً الى حد كبير بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، فلم يظهر نسق مهيمن جديد ليحل محل الاتحاد السوفياتي لوضع نظام إقليمي جديد.

كان مشروع التطوير صعباً بسبب الحاجة إلى هيمنة أيديولوجية وثقافية يمكن تمديدها لتشمل قطاعات واسعة من الشعوب. و أشار بعض الباحثين خلال المناقشات إلى الحاجة لوجود تعريف للقومية يرتبط بمشروع التحديث في جنوب القوقاز. كما ركز المتحاورون على الحاجة لنشر التجارب المختلفة للمناطق التي تتمتع بحكم ذاتي في غرب آسيا وعلاقاتها بالقوى الاستعمارية، ورود الفعل على المساعي ومحاولات نيل حق تقرير المصير في أقاليم كانت تابعة للاتحاد السوفياتي بعد انقضاء الحقبة السوفياتية.

تزدهر علاقات القوة الناعمة لروسيا في جنوب القوقاز من خلال المؤسسات الدينية، مثل الكنيسة الأرثوذوكسية في جورجيا وأرمينيا، إضافة إلى المنظمات شبه الحكومية التي تعتبر معادلة للجمعيات الخاصة في المجتمع المدني. ويشير المشاركون في المشروع إلى أن روسيا تتعامل مع منطقة جنوب القوقاز من خلال مد يد التواصل إلى الدوائر الانتخابية القريبة بغرض الحصول على دعمها. وقد أشار البعض إلى وجود تناقض قائم حاليا بين مقدار الدعم الذي تقدمه الدول التي كانت سوفياتية في الماضي، حيث تدعم هذه الدول روسيا كدولة ولكنها ليست على وفاق مع حكومة بوتين التي تحكم روسيا حاليا. هذه التناقضات العميقة توضح الفروق بين الارتباط الذي يقوم على القيم الأوروبية في المنطقة مقارنة بالنموذج الروسي الذي يعتمد على القهر السياسي. كما ركز المشاركون على الحاجة لتوسيع نطاق البحث عن صيغ بديلة للقوة الناعمة مثل القومية العرقية، واللغة الروسية، والأقليات النازحة الى روسيا التي تعيش بداخلها حاليا.

في عصر ما بعد الاتحاد السوفياتي، أثرت توترات القضايا المتعلقة بالأعراق في إيران وأذربيجان على العلاقات السياسية والاجتماعية. وقد أشار المشاركون في مجموعة العمل إلى انه في حالة أذربيجان فقد تم استغلال العامل العرقي كوسيلة ضغط سياسية عند وضع السياسيات، بينما تراجعت القضايا العرقية من حيث الأهمية في إيران بالنسبة للعلاقات الخارجية الإيرانية. ويمكن تفسير هذا الأمر من خلال فهم أصول شرعية الدولة حيث تجد أذربيجان شرعيتها في شعبيتها كقومية بينما تركز إيران شرعيتها في المشاعر الدينية. وفي حالة القضية الكردية، فقد رفضت كلا من إيران وتركيا وعرقلت منح الشرعية اللازمة لهذه الأقلية العرقية بالصورة التي تحتاج اليها. ومؤخرا، أدى محاولات استيلاء الدولة الإسلامية بالقوة على أراض ومناطق مثل كوباني إلى ضرورة إعادة النظر في العلاقات التركية الكردية على ضوء هذه التهديدات الأمنية الإقليمية الجديدة.

فيما يتعلق بسياسات أنابيب النفط في المنطقة، فتعد منطقة جنوب القوقاز منطقة تتنافس فيها تركيا وإيران وروسيا منذ قرون. وأهمية هذه المنطقة لا تتركز فقط في مواردها الطبيعية فحسب، بل أيضا في تعدد الطرق والمسارات التي تربط جنوب القوقاز بالاحتياطي الضخم في بحر قزوين. وتختلف أساليب استخدام القوة كورقة ضغط لدى للدول الثلاثة حيث أن إيران لديها موارد كبيرة من الطاقة وهي في موقع جغرافي جيد، في حين أن تركيا ليست بها موارد نفطية ولكن لديها موقع فريد وقوة ناعمة، وأخيرا فإن روسيا لديها كلا العاملين، احتياطيات الطاقة والقوة الفاعلة. وخلال الأسابيع القليلة الماضية، ومع التطورات الأخيرة في التصويت في أنقرة، فقد أصبح أحدث مشروع لخط أنابيب تقدمت به تركيا “‘Turkish Stream يواجه مشكلات تتعلق بإمكانية نفاذ أطراف ثالثة إلى خط الأنابيب الذي سيعبر البحر الأدرياتيكي.

وحتى الانتخابات الأخيرة، تمكن حزب الحرية والعدالة الحاكم في تركيا من تقديم نفسه للجماهير على أنه قوة سياسية جديدة ذات سياسة خارجية متميزة في المنطقة. وفي منطقة الشرق الأوسط يركز الحزب على تخفيف التوتر الأمني وتعزيز الوضع التركي بالنسبة للعلاقات مع الدول المجاورة. وقد تمكنت تركيا من تمييز سمعتها من خلال استخدام القوة الناعمة من خلال برامج المساعدات الخارجية ومؤخراً قبلت بما بزيد على مليون ونصف المليون لاجئ سوري. ويتساءل المشاركون في المناقشات عما إذا كان سلوك حزب الحرية والعدالة يمكن تصنيفه على أنه “عثمانية جديدة”، وما إذا كانت الدول المجاورة ستقبل بهذا الخطاب. علاوة على ذلك، فقد ركز المتحاورون على الحاجة لإجراء تحليلات معمقة لازمة اللاجئين التي تواجهها تركيا وتحديد الاختلافات بينها وبين دول الشرق الأوسط الأخرى التي اختارت أن تغلق حدودها أمامهم.

كما ناقش المشاركون القضايا المتعلقة بالجرائم المالية، والسرقات التي تعرف بجرائم ذوي الياقات البيضاء، وارتفاع حالات امتزاج السلطة برأس المال لدى الأفراد، مشيرين إلى أن ظهور طبقة الصفوة الاقتصادية في أرمينيا قد أفسدت الى درجة كبيرة جهود الإصلاح هناك. ومن المثير أنه خلال النزاع في إقليم ناغورنو كاراباخ اعتمدت الدولة على هؤلاء من أصحاب النفوذ والرؤوس الأموال لإيجاد اتساق في تحصيل الضرائب وتقديم الخدمات. وأشار المتحاورون إلى أنه بالإضافة إلى نفوذ أصحاب السلطة ورؤوس الأموال على الاقتصاد السياسي يلجأ البعض الى وسائل عنيفة لتحقيق مطالبهم. بينما في حالة جورجيا، وعلى الرغم من أن المتغيرات الاقتصادية بها تشبه الى حد كبير مثيلاتها في أرمينيا، فإن الأمور اتخذت منحى مختلفاً عند مقارنة مستويات الفساد في البلدين. فطبقا لدراسات البنك الدولي، فقد انخفضت معدلات الفساد وجرائم ذوي الياقات البيضاء بدرجة ملموسة بعد “ثورة الورود” عام 2004. وذلك رغم أن وقوع الثورة في حد ذاته لا يفسر انخفاض معدلات الجريمة أو مستويات الفساد، فقد تمكنت الثورة مؤقتاً من كسر هيكل بناء الفساد وسمحت بدخول أناس جدد من الشباب لتولي مناصب في الحكومة.

كتبت المقال هيا النعيمي- محللة بحث بمركز الدراسات الدولية والإقليمية.