علاقة كندية – أمريكية جديدة
قدم ديفيد ديمنت، كبير الباحثين المساعدين في مركز أمريكا الشمالية للسياسة والمجتمع في جامعة كارلتون في أوتاوا، حلقة نقاش ضمن سلسلة الحورات الشهرية التي يقيمها مركز الدراسات الدولية والإقليمية في 26 مارس 2012، تحت عنوان: “علاقة كندية – أمريكية جديدة”. لخصت المحاضرة نقاط النقاش الرئيسية في كتاب ديمنت، الأداء القاري: علاقة كندية – أمريكية جديدة (دندرن، 2010). أوضح ديمنت أن عنوان كتابه يعود إلى أغنية ورقصة كانت قد شاعت في الثلاثينيات باسم “الأداء القاري”، كتشبيه لعلاقة كندا بالولايات المتحدة التي يعتبرها ديمنت “مشروع إعادة تأهيل” يتطلب من كلا الطرفين أن يرقصا سوياً بشكل متناغم وأن يتعلما الخطوات الأساسية اللازمة للقيام بشراكة على نحو سلس وناضج. يقول ديمنت: “يتناول الكتاب في جزء منه علاقة الرقص القائمة بيننا وبين الولايات المتحدة […] وبذلك تشكل الخطوات الاثتنا عشرة لرقصة “الأداء القاري” “برنامج إعادة التأهيل” في الوقت نفسه لشخص يتعافى من الإدمان مثلاً – اثنتا عشرة خطوة للتعافي – كما أنها الخطوات التي يجب اتباعها في الرقصة”.
يقول ديمنت أنه يتوجب على كندا التعامل مع قضيتين رئيسيتيين وعلى أساس يومي: إدارة اختلافاتها الداخلية بين كيبيك الناطقة بالفرنسية وبقية أنحاء البلاد الناطقة بالإنكليزية، فضلاً عن إدارة علاقاتها بجارتها، الولايات المتحدة. ولاعتباره لتعدد الجنسيات التي يمثلها الجمهور، قدم ديمنت لمحة عامة أساسية عن أسباب أهمية علاقة كندا بالولايات المتحدة، بما يشمل الحدود الفاصلة بين البلدين والبالغ طولها 5,000 كم، والتأثير القوي لثقافة الولايات المتحدة ووسائل إعلامها على الحياة اليومية الكندية، وعلاقات الطاقة والتجارة المديدة بين البلدين، ورفع مستوى الاستخبارات الكندية الأمريكية المشتركة والجهود الأمنية في أعقاب أحداث 9/11.
بتعداد سكاني يبلغ 30 مليون نسمة في كندا مقارنة بـ 300 مليون نسمة في الولايات المتحدة، ثمة مخاوف حقيقية ملموسة في كندا بأنها أصبحت تندرج في إطار أمريكا الشمالية. لذلك يرى ديمنت أنه يجب إدارة هذه العلاقة بعناية. يقول ديمنت: “حتى يومنا الحاضر، عندما يفكر الناس بكيفية التعامل مع الولايات المتحدة وكندا، فإنهم يأخذون الموضوع من وجهتي نظر […] وجهة نظر اليسار القومي – وهي الأحزاب التي لم تشعر بالراحة تجاه الثقافة السياسية الأمريكية – أما وجهة النظر الأخرى فهي الخاصة باليمين القاري الذي يميل إلى العلاقات السياسية والتجارية الوثيقة مع الولايات المتحدة”. ما يمكن استنتاجه من هذا الجدل الأيديولوجي بين اليسار واليمني والذي يستقطب الكثيرين هو أن الكنديين عادة ينتسبون لواحدة من هاتين الفئتين. يقول ديمنت أنه خلال أبحاثه التي أجراها أثناء التحضير لكتابه، تمكن من كشف بعض الأساطير السياسية المتعارف عليها والتي تم ترسيخها يومياً من قبل الطرفين المنقسمين أيديولوجياً. ومن “خلال العلوم الاجتماعية التجريبية”، تمكن ديمنت من التعرف بوضوح إلى إيجابيات وسلبيات وجهتي النظر، وذلك لأنه اختبر مزايا مدرستي الفكر المتنافستين. يقول ديمنت: “أدركت أن هذه كانت فرصة عظيمة للنظر إلى العلاقة بشكل مختلف، بحيث لا نعمد إلى تعزيز أيديولوجياتنا الوطنية المتنافسة، بل على العكس من ذلك، نتراجع خطوة للوراء ونطرح سؤال كيف […] يمكننا السعي لخدمة مصلحة كندا الوطنية؟”.
أوضح ديمنت أن كندا “تعد أكبر الدول المصدرة للطاقة إلى الولايات المتحدة وبفارق كبير عن التي تليها – المملكة العربية السعودية”. وبدلاً من التركيز على مشاعر الضعف والخوف التي تعتري بعض الكنديين من الولايات المتحدة، من المهم أن ندرك المساهمات الإيجابية العديدة تجاه الولايات المتحدة. يقول ديمنت إن توفير 40% من واردات الولايات المتحدة من الغاز الطبيعي يحيل ضعف كندا إلى قوة جبارة. ويضيف: “إننا نواجه إحدى قوى الطبيعة في أمريكا الشمالية مع هذا الشريك الأمريكي الضخم الذي يجب أن نبالغ في حذرنا أثناء التعامل معه – بحسب ما يراه القوميون اليساريون – إلا أننا يمكن أن نحقق الفائدة في حال تمكنا من ترويض تلك القوة لخدمة مصلحتنا الوطنية”.
في الختام، ناقش ديمنت أنه لصياغة علاقة جديدة كندية – أمريكية، يتوجب على كندا الإقرار بمساهمتها الفريدة كأساس لمشاركتها في العالم. ومن المهم أن نسأل: “ما الذي يمكننا فعله ولا يستطيع فعله الأمريكيون؟” وتقديم مجموعة معينة من المهارات والخدمات التنافسية. سوف يعزز هذا الأمر من قوة كندا عالمياً فضلاً عن تدعيم نفوذها في الولايات المتحدة. ومن خلال هذا التقدير الجديد للقيمة الكندية، “سوف نتمكن من الانفتاح على العالم بمساهمة فريدة وأن نكون أكثر نفعاً وتأثيراً مع حلفائنا الأمريكيين”.
شغل ديفيد ديمنت منصب المدير الأسبق لبرنامج التدريب البرلماني في كندا، وكبير مستشاري السياسات في وزارة الخارجية الكنية والتجارة الدولية، وكأحد الموظفين الأساسيين في مكتب حاكم كندا العام (ممثل نائب الملكة). كما عمل كمعلق في وسائل الإعلام، ونشر له في كبرى الصحف الكندية، ذا غلوب آند ميل وغيرها من المطبوعات، فضلاً عن تواجده في وسائل الإعلام المسموعة كهيئة الإذاعة الكندية، وبي بي سي، وباللغة الفرنسية على راديو-كندا. حاز ديمنت درجة الدكتوراه من جامعة مونتريـال.
المقال بقلم: سوزي ميرغاني، مدير ومحرر المطبوعات في مركز الدراسات الدولية والإقليمية.