صحيفة محلية في شرق أفريقيا في مواجهة الدولة وقوى السوق

Musandu

دُعيت فيبي موسانْدو، أستاذة التاريخ في جامعة جورجتاون في قطر وباحثة في التاريخ الأفريقي، في 11 مارس 2019، لمناقشة بحثها عن الصحف الكينية في حقبة الاستعمار وحقبة ما بعد الاستعمار خلال نقاش مركّز في مركز الدراسات الدولية والإقليمية، بعنوان “نخدم. . . ما استطعنا إلى ذلك سبيلا: “جريدة محلية في شرق أفريقيا في مواجهة الدولة وقوى السوق”. واستهلّت موساندو حديثها بتقديم بعض المعلومات الأساسية، موضحةً أن كينيا كانت دولة تحت الحماية البريطانية وأيضًا مستعمرة بريطانية من عام 1895 إلى عام 1963. وخضع البلد لإصلاحات هيكلية جذرية منذ ستينيات القرن العشرين، وكان للإعلام عمومًا، وللصحف على وجه التحديد، دور هام في تشكيل السردية الراهنة.

تنظر موساندو في بحثها في مدى كون وسائط الإعلام وسائل للتعبير عن الرأي العام. ولكيلا تدرس “المعلومات وحدها، وإنما الجهات التي تنتج تلك المعلومات، وكيفية نشرها، والقوة الأصيلة الكامنة في القدرة على نشر المعلومات والتأثير في الناس”، فقد ركزت على أول صحيفة مملوكة أفريقيا في كينيا ما بعد الاستعمار، ألا وهي صحيفة نيروبي تايمز التي أنشأها هيلاري نغوينو في سبعينيات القرن العشرين. آنذاك، كانت تسيطر على السوق صحيفتان داعمتان للحكومة ومملوكتان للأجانب، هما: ذا إيست أفريكان ستاندرد، وذا نيشن.

قالت موساندو إن الحظ لم يحالف صحيفة نيروبي تايمز منذ البداية. وكان مردّ ذلك إلى حد كبير إلى البيئة السياسية المقيِّدة وإلى قاعدة رأس المال الهزيلة لمالكها، نغوينو. وأوضحت أن الأفارقة كانوا قد أنشأوا إبان الحقبة الاستعمارية صحفًا ونجحوا في إدارتها، لكن السوق تغير في حقبة ما بعد الاستعمار، بعد أن بات إنشاء الصحف يستلزم قدرًا كبيرًا من استثمارات رأس المال. وقالت موساندو مجادلةً: “كان هذا تحديًا آخر واجهه الأفارقة إبان التحوّل إلى الاستقلال وفي سنوات الاستقلال الأُوَل – فلم تكن البنوك الدولية ترغب في إقراض الأفارقة”.

ورغم هذه الانتكاسات الهيكلية، تمكّن نغوينو من الحصول على قروض من مصرف التنمية الصناعية ومن مصرف كينيا الوطني، الذي كان بمثابة شركة شبه حكومية تسيطر الدولة على جزء منها. وقالت موساندو إن هذا الأمر وضع نغوينو في موقف صعب يتمثل في الاضطرار إلى نشر معلومات عن الحكومة مع أنها الممول الرئيسي للصحيفة. وكان سداد هذه القروض يستلزم من صحيفة نيروبي تايمز تحقيق دخل كبير من الإعلانات، وهو ما أضعف وضعها كثيراً مقارنةً بمنافسيها الراسخين.

وبيّنت موساندو سياق نقل الأخبار في كينيا في فترة التحوّل إلى الاستقلال. فقد كانت صحيفة ذا إيست أفريكان ستاندرد واحدةً من أقدم الصحف التي أنشأها مستوطنون بريطانيون مؤثرون ثم بيعت في عام 1967 إلى لونرو، التي كانت تسمى سابقًا شركة لندن روديسيا للتعدين. وكان الرئيس التنفيذي لشركة لونرو، رولاند رولاند، يتمتع بنفوذ واسع في المملكة المتحدة وفي كينيا، يشمل أعضاء البرلمان والرئيس جومو كينياتا وعائلته. وقام رولاند باستثمارات استراتيجية في فرص أعمال من خلال شركة لونرو، وكانت كل استثماراته وتفاعلاته مع الرئيس وأفراد عائلته تغطّى على نطاق واسع في صحيفة ذا ستاندرد. وقد عزّز ذلك إشعاعَ رولاند وقوته.

” أظن أن الصحف لم تكن بالنسبة إليهم تتعلق بالرأي العام، ولم تكن غاية لذاتها بل كانت وسيلة لتحقيق غاية، ألا وهي حماية المصالح الاقتصادية وتوطيدها خارج الصحيفة نفسها.”

أما الصحيفة اليومية الرئيسية الأخرى، ديلي نيشن، فكانت مملوكة أساسًا للآغا خان -الزعيم الروحي للطائفة الإسماعيلية الشيعية. وفي وقت مضطرب كانت فيه الأقليات العرقية، بما فيها العديد من الآسيويين، تهاجر من كينيا بسبب الشكوك التي ألقت بظلالها على الوضع السياسي والاقتصادي في السنوات التي سبقت الاستقلال مباشرةً والتي تلته، حثّ الآغا خان الإسماعيليين على البقاء واتخاذ البلد موطنًا دائمًا لهم. وقدّم القدوة باستثمار أمواله الشخصية/الإسماعيلية في مشاريع مربحة لتحسين ثقة المستثمرين في البلد سعيًا منه للمساهمة في استقرار الاقتصاد. وقالت موساندو: “لقد استخدم هذه الصحيفة لكي يُعلم الدولة أساسًا بضرورة الحفاظ على بيئة سياسية واقتصادية مواتية للجميع – أغلبية وأقلية”.

وقالت موساندو إن كلتا الصحيفتين، ذا إيست أفريكان ستاندرد وديلي نيشن، تحالفت مع الدولة. “لقد كانتا خائفتين للغاية من معارضة الحكومة، وأعتقد أن سبب ذلك على وجه التحديد هو أنهما كانتا تستخدمان مطبوعتيهما للدفاع عن استثماراتهما”. وقالت إن هذا السلوك كشف عن وجود اتجاه متصل من أصحاب الصحف الذين يستخدمون مراكز السلطة لصالح رأس المال الذي يعود إلى الحقبة الاستعمارية البريطانية. “وأظن أن الصحف بالنسبة إليهم لم تكن تتعلق بالرأي العام، ولم تكن غاية لذاتها، بل كانت وسيلة لتحقيق غاية، ألا وهي حماية وتوطيد المصالح الاقتصادية خارج الصحيفة نفسها”.

علاوة على ذلك، كانت لمعارضة سردية الحكومة تبعاتٌ شديدة السوء، وفقًا لموساندو. وضربت على ذلك مثالاً بمحرر صحيفة كان يحظى بتقدير كبير، لكنه فُصل من عمله بعد أن نشر مقالاً ينتقد فيه اعتقال الحكومة أساتذةَ جامعات وطلابًا. وقد نشرت الصحيفة من بعد ذلك اعتذارًا علنيًا للحكومة على صفحتها الأولى. وعثرت موساندو على عدّة وثائق في الأرشيف تظهر كيف كانت الحكومة تستدعي محرري مختلف المطبوعات ومالكيها لاستجوابهم عندما يخرجون عن الخط.

واستمدت موساندو عنوان عرضها “نخدم … ما استطعنا إلى ذلك سبيلا” من العدد الأول من صحيفة نيروبي تايمز، التي حدد فيها نغوينو أهداف الصحيفة. وجادلت موساندو بأنه استخدم هذه الكلمات لأنه فهم البيئة السياسية التي كان يعمل فيها، مشيرةً إلى أن نغوينو كان عازمًا على تحدي الصحف الراسخة. وقالت “لقد أراد الارتقاء بمستوى الخطاب السياسي في البلد، وأراد أن يكون مستقلاً بحدّة”. وفي الختام، جادلت موساندو بأن البيئة السياسية السائدة التي كان نشر الأخبار فيها ثانويًا بالنسبة للمصالح الخاصة في قطاعات أخرى من الاقتصاد، قصّرت عمر تجربة نغوينو مع الصحافة الحرة واضطرته إلى إغلاق صحيفته بسبب الإفلاس. واشترت الحكومة الصحيفة منه وأعادت تسميتها باسم كينيا تايمز.

 

مقال بقلم الخنساء ماريا، زميلة منشورات كيورا


فيبي موسانْدو باحثة في التاريخ الأفريقي، ولديها اهتمامات بحثية بالمنهجية التاريخية الأفريقية، ووسائل الإعلام. نشرت مقالات في تاريخ المرأة والجندر. وأثمر آخر مشروع بحثي كبير لها مخطوطة تستعد لنشرها تتناول ببحث عن إنشاء وتشغيل مختلف الصحف العلمانية في شرق أفريقيا بين عامي 1899 و1990. ونتيجة لعملها على هذا المشروع، طورت أيضًا اهتمامًا بتاريخ أشكال أخرى من وسائط الإعلام وكذلك التاريخ التجاري الأفريقي تعتزم توطيده على الأمد البعيد. وهي مؤلفة كتاب Pressing Interests: The Agenda and Influence of a Colonial East African Newspaper (McGill 2018).